ليلة الأربعاء الماضى انتشرت مدرعات القوات المسلحة وعرباتها المصفحة فى شوارع القاهرة الكبرى وعلى الطرق السريعة وأمام المنشآت العامة فى الأقاليم، وقد فوجئنا بمشهد آليات القوات المسلحة وهى تحمل شعارين، الأول: «الجيش والشعب إيد واحدة»، والثانى: «حماية الشعب»، بالإضافة إلى ملصق واضح لجندى يحتضن طفلا رضيعاً. هذا الانتشار الواسع والمفاجئ لآليات المنطقة العسكرية المركزية والمنطقة الشمالية، والجيش الثانى والجيش الثالث، أثار دهشة المواطنين، ودفع كثيرين إلى التساؤل عن أسبابه وأهدافه، خصوصاً أنه حدث قبل يومين فقط من ذكرى تخلى الرئيس السابق عن رئاسة الجمهورية وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد، وهى الذكرى التى تفكر قوى سياسية وثورية عديدة بأن تكون بداية عصيان مدنى لا ينتهى إلا برحيل المجلس العسكرى من المشهد السياسى. واللافت أن الآليات العسكرية بدأت الانتشار تحت غطاء دينى منظم ومدروس بدأته جماعة الإخوان المسلمين، وحزب النور السلفى بالحديث المكثف عن تحريم العصيان المدنى، والإشارات المتعمدة إلى أن الداعين لهذا العصيان يخططون للفتنة والفوضى وهدم مؤسسات الدولة، ثم انضم شيخ الأزهر إلى هذه «الجوقة» بتصريح قال فيه: «لا تستمعوا لدعاة الهدم وتعطيل العمل»، ولحقه مفتى الديار المصرية بتصريح قال فيه: «يجب الضرب بيد القانون لكل من تسول له نفسه إشاعة الفوضى والإفساد فى الأرض». وأخيرا تحامل الأنبا شنودة على نفسه وأدلى بتصريح قريب من كلام المفتى قال فيه: «العصيان المدنى لا يقبله الدين وهناك تسيب فى القانون». وزارة الداخلية لم تتخلف أيضاً عن الإسهام بدور كبير فى المهمة الغامضة التى خرجت من أجلها هذه الآليات العسكرية الكثيفة تحت غطاء «حماية الشعب»، فقد تزامن الانتشار العسكرى مع إعلان «الداخلية» عن ضبط طالب بمعهد فنى صناعى ومقيم فى المطرية، وبحوزته قنبلة صغيرة الحجم تحتوى على مادة «تى. إن. تى» كان يخطط لاستخدامها فى تفجير مبنى وزارة الداخلية، وقالت «الداخلية» إن فحص المراسلات الإلكترونية لهذا الطالب أسفر عن قيامه بالتواصل مع شاب فلسطينى من حركة حماس، قال له فى إحدى رسائله: «بدى أرسل لك عدد 20 قنبلة و10 كيلو تى. إن. تى وحمض نيتريك ولكنَّ هناك ظروفاً تعوق ذلك» وصباح أمس الخميس سارعت «الداخلية» بالإعلان عن ضبط 11 بندقية آلية ومدفع جرينوف مع عاطل يقود سيارة جيش مزورة بالشرقية، ثم الإعلان عن ضبط مصريين بمدينة أكتوبر يتفاوضان على بيع متفجرات ليبية بمبلغ 145 مليون دولار. هكذا فجأة تحولت «الداخلية» إلى خلية نحل، تعمل ليلاً ونهاراً، وتضبط متفجرات تكفى لنسف مدن بأكملها، وتحمى الوطن والمواطنين من مؤامرات ليبيا وحماس، وتساعد الجيش فى حماية الشعب من هذه المؤامرات الخفية، وكل هذا يحدث بعد أيام معدودة من مشهد ترتيب استاد بورسعيد علانية لارتكاب مجزرة وحشية متعمدة ضد أعضاء ألتراس الأهلى، عشية الذكرى الأولى لاستبسال الألتراس فى الدفاع عن ميدان التحرير وإفشال خطة اقتحامه بالبغال والجمال فى 2 فبراير 2011. ما الذى يحدث إذن؟ وأى هدف تحركت هذه الآليات الكثيفة من أجل تحقيقه؟ هل توصلت «الداخلية» إلى معلومات عن شىء خطير سيحدث اليوم أو غداً، فسارعت بإخطار المجلس العسكرى ودفعته إلى خطة انتشار استباقية للتصدى لما سيحدث؟ ولماذا حرص المجلس العسكرى على استخدام شعار «حماية الشعب» وشعار «الجيش والشعب إيد واحدة»، فى الوقت الذى لم نعد نسمع فيه غير شعار «يسقط يسقط حكم العسكر»؟ هل صحيح أن ألتراس الأهلى يجهز للقصاص لشهدائه بعد أن تبين للجميع أن مجلس الشعب ولجنة تقصى الحقائق فى مذبحة بورسعيد لن يصلا إلى شىء محدد، وأن هناك من يتعمد إعاقة الوصول إلى الجناة الحقيقيين؟ لا أحد يملك إجابات قاطعة عما سيحدث.. ولكن المؤكد أن شيئاً كبيراً وخطيراً سيحدث خلال الأيام وربما الساعات المقبلة، اللهم احفظ هذا البلد من الذين يتصورون أن شعبه مازال طفلاً رضيعاً. [email protected]