سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«كيندو شو» أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الشعب الصينية ل«المصري اليوم»: أمريكا عازمة على استهداف منشأة «فوردو» النووية .. حوارات مستقبل الشرق الأوسط (الحلقة الثامنة والعشرون )
وسط عالم يموج بالتحولات السياسية والاقتصادية، وفى ظل الصراعات المتزايدة التى تهز منطقة الشرق الأوسط، التى تعيش واقعًا معقدًا، بعد أكثر من عام على حرب الإبادة فى قطاع غزة دونما آفاق واضحة لإنهائها، مع تمدد النزاع إلى جنوبلبنان، ووصول أصدائه إلى اليمن والعراق، ثم إيران، نطرح فى سلسلتنا «مستقبل الشرق الأوسط» مسارات منطقتنا، عبر حوارات مع نخبة من الساسة والمنظرين والمفكرين والدبلوماسيين الحاليين والسابقين من مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، لتقديم رؤاهم مستندين إلى تجارب الماضى ودروس الحاضر، لنستشرف معًا الطريق نحو المستقبل. وانطلاقًا من جذور الصراع العربى الإسرائيلى، مرورًا بالتدخلات الإقليمية وصعود بعض القوى الجديدة كالفواعل من غير الدول، وتعقد المشهد العربى، نفتح معًا أبواب نقاش مستنير حول الدروس المستفادة من التاريخ وتأثيرها على مستقبل منطقتنا؛ لطرح رؤى وأفكار لاستشراف الغد والدور الحاسم الذى يمكن أن تلعبه الدول العربية إذا ما أعادت إحياء روابط تاريخية فى محيطها والدفع نحو استقرار مستدام وتحقيق مصالحها. تنقسم محاور النقاش إلى جزأين، الأول أسئلة سبعة ثابتة، اعتمدناها بناء على طلب كثير من القراء، تتمركز حول مستقبل المنطقة، أما الثانى فيتضمن أسئلة تتجه نحو مساحات تتناسب مع خلفية الضيف صاحب الحوار، كى يضيف لنا أبعادا أخرى حول الرؤية التى تنتهى إليها الحوارات وصولا إلى كيف يمكن أن يكون للمنطقة مشروعها الخاص، بعيدا عن أى مخططات تستهدفها؟. بينما تشعل إسرائيل جميع أنحاء الشرق الأوسط بشنها هجومًا على إيران وفيما يعتقد البعض أن هذه الحرب ستار لتعطيل قطار التعددية القطبية الذى يمضى بخطى متسارعة نحو إنهاء الانفراد الغربى بالهيمنة على النظام العالمى، رجح «كيندو شو»، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة الشعب الصينية، أن أمريكا التى «تضرب بعرض الحائط أمن واستقرار الدول نظير مصالحها» عازمة على استهداف منشأة فوردو النووية الإيرانية، لأن إسرائيل لا يمكنها أن تفعل ذلك منفردة، محذرًا من مغبة هذه الخطوة التى ستقود الشرق الأوسط والعالم - وفق رؤيته- إلى مزيد من الدماء وعدم الاستقرار. اعتبر «كيندو شو» أن على العرب بناء استراتيجية موحدة للحد من طموحات إسرائيل التوسعية، وأن مصر يجب أن تصبح «مركزاً ثلاثى الأبعاد» يربط بين العالم العربى وإفريقيا والبحر الأبيض المتوسط وألا تقبل بأن تكون عملاقًا ضعيفًا يقع فى مرمى النيران، مؤكدا أن بإمكانها تغيير المعادلات الاقليمية حال تجنبت الاعتماد المفرط على المواقف الغربية. أكد كيندو أن ازدواجية الغرب تزداد فجاجة وأنها تكشفت مؤخرًا فى غزةوإيران والحرب الروسية الاوكرانية، معتبرا أن العالم يتجه شرقًا وجنوبًا، وأن ما نشهده من نزاعات- ربما- مخاض هذا الاتجاه. واعتبر أن العرب بمقدورهم أن يكونوا أقوى بكثير إذا توحدوا لأن «فائض الضعف يواجهه فائض قوة»، منتقدا أن بعض القوى الإقليمية تلعب أدوارًا تعمّق تفتت المنطقة وتزيد الانقسامات.. وإلى نص الحوار: ■ مصطلح الشرق الأوسط هو تعبير جغرافى استعمارى لكنه صار المصطلح السائد للحديث عن المنطقة التى تضم الدول العربية وإيران وتركيا ودولًا أخرى، وعانت المنطقة على مدار التاريخ من صراعات على خلفيات متعددة، تجذرت من مخططات الاستعمار حتى باتت بقعة ملتهبة دائمًا على خريطة العالم.. برأيكِ، كيف ترين واقع المنطقة وأثر التاريخ فى هذا الأمر؟ - تشهد المنطقة حالة من الانقسام الشديد، نتيجة مزيج من التدخلات الخارجية والصراعات الداخلية. لقد رسّخت السياسات الاستعمارية القديمة تلك الانقسامات، وظل تاريخ التقاسم القسرى للحدود عاملاً مؤثرًا فى خلق هشاشة التوازن السياسى. اليوم، تلعب القوى الإقليمية والدولية كتركيا وإيران والغرب دورًا بارزًا، مما يعمّق تفتت المنطقة ويزيد الانقسامات. تاريخيًا، عرّفت القوى الاستعمارية «الشرق الأوسط» من منظور مصالحها الاستراتيجية الخاصة، وهو منظور لا يزال قائمًا حتى اليوم، ويتجلى ذلك فى تعامل الغرب مع شخصيات مثل نتنياهو، الذى لا يزال، على الرغم من ملاحقته من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، يحظى بدعم دبلوماسى وعسكرى ثابت من دول غربية رئيسية. ينبع اضطراب المنطقة الحالى من تفاعل معقد بين القوى الإقليمية والعالمية. يتنافس لاعبون إقليميون مثل تركيا وإيران على الهيمنة، بينما تواصل القوى الخارجية - وخاصة الدول الغربية، فى ظل تراجع نفوذ روسيا - تشكيل الأحداث من خلال التدخل والتحالفات والنفوذ الاقتصادى. يشهد الشرق الأوسط اليوم تجزئة متزايدة. فقد تضاءل نفوذ إيران بعد إضعاف حماس وحزب الله، بينما يتوسع نفوذ تركيا مع دخول سوريا مرحلة جديدة غير مؤكدة. فى هذه الأثناء، تؤكد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وجودها ليس فقط سياسيًا، بل اقتصاديًا أيضًا، مستغلة الاستثمار والدبلوماسية لتوسيع نطاق نفوذها فى جميع أنحاء المنطقة. ■ برز مصطلح «الشرق الأوسط» فى كتابات الأمريكى ألفريد ماهان عام 1902 قبل أن تتحدث كونداليزا رايس عن «الشرق الأوسط الجديد»، وهو ما يتردد بقوة حاليًا فى ظل الحرب الإسرائيلية على غزة والصراع مع إيران. كيف ترى ذلك المخطط، خاصة بعد فوز «ترامب» وصعود قوى اليمين فى الولاياتالمتحدة؟ - الأساس هو التمسك الأمريكى بنظام سياسى عالمى مبنى على فرض الهيمنة بالقوة وليس العدالة. وهذا التناقض يكشف صراحةً ازدواجية المعايير الغربية. مع أن الغرب يدعى الدفاع عن القوانين الدولية، لكنه يستثنى إسرائيل من المحاسبة، ويربطها بعلاقات استراتيجية. هذا يؤدى إلى فقدان الثقة فى دور الغرب الأخلاقى، ويغذى أحاديث عن وجود نظام عالمى مبنى على فرض الهيمنة وليس على العدالة. ■ برأيكِ، ماذا تفعل القوى الإقليمية الكبيرة فى المنطقة إزاء هذه المخططات، وبالتحديد مصر والسعودية بوصفهما الدولتين الكبيرتين فى المنطقة؟ - لطالما كانت مصر وسيطًا محوريًا فى الصراعات الفلسطينية الإسرائيلية، مستغلة حدودها المباشرة مع غزة وعلاقاتها مع كل من الفصائل الفلسطينية وإسرائيل. استضافت القاهرة باستمرار مفاوضات وقف إطلاق النار، ولا تزال محورية فى الجهود الدبلوماسية - لا سيما فى رفض مقترحات مثل خطة ترامب المثيرة للجدل لتهجير سكان غزة، بينما كانت تقود المناقشات حول مستقبل غزة. فى غضون ذلك، تبنت المملكة العربية السعودية، التى تشهد تحولاً داخليًا جذريًا، سياسة خارجية أكثر حزمًا فى عهد ولى العهد الأمير محمد بن سلمان. وبينما تسعى الرياض إلى دور قيادى فى العالمين العربى والإسلامى، تواجه ضغوطًا متزايدة لاتخاذ موقف حاسم بشأن غزة - إدانة الضربات الإسرائيلية والتوافق مع المطالب العربية الأوسع. مع ذلك، فإن الإدانة وحدها لا تكفى. فى الوضع الأمثل، ينبغى للدول العربية أن تنسق جهودها بقوة أكبر - بالتحدث بصوت واحد للضغط على الغرب، وكبح جماح إسرائيل، والحفاظ على الوحدة الفلسطينية. إن الموقف الجماعى ضد القصف العشوائى وسياسات الاحتلال قد يُعيد تشكيل ديناميكيات الصراع. لكن حتى الآن، أعاق التشرذم الجيوسياسى وتضارب المصالح هذه الوحدة العربية والإقليمية، رغم أنها ممكنة. ■ يغيب أى مشروع عربى موحد تجاه ما يُخطط للمنطقة.. كيف يصوغ العرب مشروعهم المواجه لهذه المخططات؟ - الوحدة تجلب القوة، بينما الانقسام يؤدى إلى الضعف. يمكن للدول العربية أن تبرز صوتًا أقوى بكثير إذا توحدت وتضافرت فى صياغة نهجها الجماعى تجاه إسرائيل، خصوصًا فى ظل تعديها على إيران. للأسف، فائض الضعف يقابله فائض قوة، وعلى الجميع أن يعى ذلك. على أقل تقدير، يمكن للعرب التركيز على كبح جماح توسع إسرائيل، حتى لو ظل وضع استراتيجية أوسع لعلاقتها الشاملة مع إسرائيل هدفًا طويل الأمد. ■ على مدار التاريخ، تلعب مصر أدوارًا رئيسية فى المنطقة. كيف يمكن لها أن تمارسها رغم التحديات المحيطة بهذه الأدوار والاستهداف الدائم لها؟ تمتلك مصر العديد من السبل لتعزيز نفوذها، مثل مواصلة دورها التقليدى فى الوساطة فى الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، والعمل كمنسق بين الفصائل الفلسطينية مع تجنب الاعتماد المفرط على المواقف الغربية، لأن مصر بإمكانها تغيير المعادلة. أيضًا، يمكنها توسيع نطاق منصاتها الإعلامية العربية من خلال تعزيز إنتاجها متعدد اللغات من وسائل الإعلام المصرية لتشكيل سردية الشؤون العربية. وقد تحقق مصر أيضًا توازنًا بين الولاياتالمتحدةوالصين من خلال الحفاظ على التعاون العسكرى مع الولاياتالمتحدة (1.3 مليار دولار كمساعدات سنوية) مع تعميق مشاركتها فى مبادرة الحزام والطريق الصينية (مثل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة). ويمكنها الاستفادة من هذا الوضع إذا أحسنت التصرف. وفيما يتعلق بأمن القرن الإفريقى، يمكنها مكافحة تسلل الإرهابيين وتوسيع التعاون فى مجال التدريب العسكرى مع الدول المجاورة مثل السودان وجنوب السودان، مما يجعل مصر «بوابة» الشؤون الأمنية الأفريقية، وهى جديرة بذلك. وإذا تم تنفيذ الإصلاحات الداخلية بشكل فعال، فإن مصر لديها القدرة على أن تصبح «مركزًا ثلاثى الأبعاد» يربط بين العالم العربى وأفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، وألا تقبل بأن تكون عملاقًا ضعيفًا يقع فى مرمى النيران، وأشدد على أنها قادرة على تغيير العديد من المعادلات فى الإقليم. ■ كيف تستفيد المنطقة العربية من تجاذبات القوى الكبرى وأحاديث التعددية القطبية العالمية؟ وكيف تلعب دورًا لصالحها فى هذا التنافس الدولى، ولا تكون مقدراتها فى يد قوة واحدة أضرت بها واستنزفت ثرواتها طوال عقود؟ - يمكن للعالم العربى -حال اتحد- البروز كقطب رئيسى فى عالم متعدد الأقطاب، مستفيدًا من موارده الهائلة من الطاقة وموقعه الجغرافى الاستراتيجى. ■ لو قُدر لكِ أن ترسم صورة المستقبل لهذه المنطقة فى ظل الصراعات الحالية والمخاطر المحيطة بها، كيف ترى هذه السيناريوهات تفصيلاً؟ حل دائم للقضية الفلسطينية وإنهاء الخلافات بين إيران والعرب، ثم بين إيرانوأمريكا، فعلاقات متوازنة مع أقطاب الإقليم، والحد من تضارب المصالح. أولاً، لا يزال حل الدولتين قابلًا للتطبيق على الرغم من التحديات، يظل حل الدولتين أفضل أمل لسلام دائم فى المنطقة. لكن هذا الأمل آخذ فى التلاشى – كونه مُقوَّضًا بسبب الممارسات الإسرائيلية والتوسع المستمر للمستوطنات اليهودية فى الضفة الغربية والحرب المدمرة فى غزة، التى وصلت إلى حد الإبادة الجماعية. وثانيًا، يرتبط حل القضية الفلسطينية ارتباطًا وثيقًا بالديناميكيات الإقليمية الأوسع، وخاصةً العلاقة بين إيران والعالم العربى. أعتقد أن الإقليم يحتاج إلى إعادة صياغة للعلاقات بينهما، وبفضل الجهود الدبلوماسية الصينية، يُقدم الانفراج الأخير بين المملكة العربية السعودية وإيران بصيص أمل. إذا استمر هذا الزخم وتعمق، فقد يُحقق الاستقرار الذى تشتد الحاجة إليه فى المنطقة. أعتقد أن مصالحة جادة بين إيران والعرب قد تقود المنطقة إلى بداية الحل. ولا تقل العلاقة بين الولاياتالمتحدةوإيران أهمية عن العامل السابق. إذا تمكنت الإدارة الأمريكية من التوصل إلى اتفاق مع إيران ودفع بجدية نحو استقرار العلاقات بينهما، فسوف يكون ذلك خطوة إيجابية نحو الحد من التوترات وتعزيز السلام فى جميع أنحاء الشرق الأوسط. ■ بعد تهديد وزير الأمن القومى الإسرائيلى لإيران باستهداف منشأة فوردو النووية.. هل تعتقد أن تل أبيب قادرة على ذلك؟ وهل يمكن للولايات المتحدة أن تتورط فى مساعدة إسرائيل على تحقيق هذا الهدف؟ - تفتقر إسرائيل إلى القدرة العسكرية على تدمير منشآت فوردو النووية. لو كانت قادرة، لفعلت ذلك بالفعل، ولتدمير مفاعل فوردو، سيكون التدخل الأمريكى ضروريًا. وبالنظر إلى النقاشات فى الولاياتالمتحدة، وما تروج له المنصات الإعلامية للوبى الصهيونى، من المرجح جدًا أن تهاجم واشنطن فوردو مباشرةً، وتضرب بعرض الحائط أمن إيران والمنطقة. لقد أظهرت الولاياتالمتحدة مرارًا وتكرارًا تجاهلها للقوانين والمبادئ الدولية عندما تتعارض مع مصالحها، لأنها تكيل بمكيالين، والمتوقع من الآخرين اتباع القواعد التى غالبًا ما تتجاهلها. مع ذلك، يبقى الغزو البرى الشامل لإيران أمرًا مستبعدًا، إذ قد يؤدى إلى احتلال أمريكى مطول - لسنوات، إن لم يكن لعقود. السيناريو الأكثر احتمالًا (هو الأسوأ بكثير)، أن هذا الهجوم الأمريكى سيؤدى إلى مقاومة شرسة، مما يؤدى إلى المزيد من إراقة الدماء والوحشية والفوضى فى العالم. سيزداد النظام الدولى الهش أصلًا تفككًا، مما يدفع العالم إلى مزيد من الدماء ومن عدم الاستقرار. الأمر مرهون بالنقاشات الداخلية فى واشنطن. هناك أصوات تدعو إلى التدخل المباشر دعمًا لإسرائيل، بينما يعارض آخرون بقوة الانجرار إلى حرب جديدة فى الشرق الأوسط بعد حرب العراق. وهناك عامل آخر هو نتائج الضربات الجوية الإيرانية الانتقامية. إذا بدا أن إسرائيل غير قادرة على امتصاص هذه الضربات أو الرد بفعالية، وقد أفادت تقارير أن إسرائيل طلبت دعمًا عسكريًا من الولاياتالمتحدة، لكن هذا الطلب رُفض حتى الآن. ■ ما السر وراء الاختراقات المتتالية لإيران.. وكيف يمكن هل للهجمات السيبراينة والذكاء الاصطناعى أن يلعبان دورا فى النزاعات والحروب الباردة على حد سواء؟ - ليس من المفاجئ أن الصراعات الحديثة تُخاض بشكل متزايد باستخدام تقنيات جديدة: الهجمات السيبرانية، والذكاء الاصطناعى، والحرب الرقمية أصبحت الآن جزءًا من الترسانة الاستراتيجية. وبالمناسبة إن مؤشرات نشوء حرب باردة جديدة – هذه المرة بين الولاياتالمتحدةوالصين – باتت واضحة للعيان. كما يُمارس على العديد من الدول النامية ضغوط من واشنطن لاختيار طرف على حساب آخر. لكن ذلك صعب فى ظل أن الصين أصبحت الشريك التجارى الأول لأكثر من 140 اقتصادًا. ومعظم الدول ستحاول البقاء على الحياد، مستفيدة من الجانبين. لكن على هذه الدول وخصوصًا فى الشرق الأوسط أن تكون حذرة أيضًا. فالولاياتالمتحدة تملك قدرات لا مثيل لها فى مجال التجسس السيبرانى، والإكراه العسكرى، والعقوبات المالية، والضغط الاقتصادى. أدوات واشنطن قوية – وسيتم استخدامها. ■ ماذا تتوقع للمنطقة فى ظل استمرار إبادة غزة وتمديد تل أبيب الصراعات بمهاجمتها إيران؟ - عندما يتعلق الأمر بغزة، فإننى متشائم. فبغض النظر عن الكيفية، من المرجح أن تنتصر إسرائيل، إلى حد كبير بسبب الدعم السياسى والاقتصادى والعسكرى الغربى، ورفض الغرب محاسبتها. لكن هذا لا يعنى أن المقاومة ستختفى. بل ستستمر بوسائل أخرى، وبأشكال مختلفة. سواء وُصفت بالإرهاب أم لا، فإن الصراع سيستمر وخصوصًا بعدما فتحت إسرائيل جبهات جديدة لتمديد الصراع بهجومها على إيران. ولكن، إذا لم يُحاسب الغرب على دوره فيما يسميه الكثيرون إبادة جماعية فى غزة، فماذا تبقى من سلطته الأخلاقية؟! ■ لوبيات النفوذ الصهيونى ترسم سياسات أمريكا تجاه الشرق الأوسط.. ما تعليقك؟ نجح اللوبى اليهودى فى الحفاظ على موقف مؤيد لإسرائيل عبر الإدارات الأمريكية المتعاقبة، سواءً أكانت ديمقراطية أم جمهورية. ■ هل تتخارج واشنطن من منطقتنا فى المستقبل القريب؟.. وهل لبكين أن تحل محلها وسيطًا بالمنطقة بعد تراجع ثقة الشعوب بالولاياتالمتحدة كوسيط؟ - فى الواقع، لم يكن موقف الولاياتالمتحدة ومكانتها الأخلاقية أدنى مما كانت عليه خلال أزمة غزة والأحداث المرتبطة بها. ومن المرجح أن يكون هذا التأثير طويل الأمد. سيظل الضرر الذى لحق بسمعة أمريكا وسياستها الخارجية محسوسًا لسنوات قادمة. يُشكّل دور الصين فى تسهيل التقارب السعودى الإيرانى تحديًا لاستراتيجية واشنطن فى المنطقة. فإذا تطور تقارب حقيقى أو تنسيق فعال بين الرياض وطهران - وخاصةً ردًا على إسرائيل - فسيُشكّل ذلك ضغطًا كبيرًا على الولاياتالمتحدة ويُعقّد جهودها لدعم إسرائيل. سيتبع دور الصين المتطور فى الشرق الأوسط مسارًا «غير بديل ومتمايز» بشكل واضح. لن يملأ الفراغ الذى تركته الولاياتالمتحدة فحسب، بل سيُشكّل نموذجًا جديدًا للتعامل قائمًا على أولويات التنمية ونزع الطابع الأمنى. فى حين أن النفوذ الأمريكى فى الشرق الأوسط مبنى على نظام مزدوج من «الضمانات الأمنية بالإضافة إلى تعزيز الديمقراطية» (مثل الوجود العسكرى الخليجى المقترن بأجندات الديمقراطية الإسرائيلية الفلسطينية)، فإن الصين تقدم بديلاً يركز على «البنية التحتية - التنمية - اجتثاث التطرف». لن تحل الصين محل الولاياتالمتحدة فى الدور الأمنى بشكل كامل، لكنها ستُنشئ نموذجًا جديدًا ل«فصل الأمن عن التنمية». ■ فى ظلّ تنامى الاستياء العالمى من الولاياتالمتحدة.. إلى أى مدى تعتقد أن هذا التآكل فى «الشرعية الأخلاقية» للغرب يُمكن أن يُسرّع من ظهور نظام عالمى متعدد الأقطاب ويدفع نحو نظام دولى أكثر توازنا؟ - بدأت السلطة الأخلاقية للغرب فى التآكل منذ سنوات، قبل أن تكشف حرب غزة ما تبقّى منها. ازدواجية المعايير لم تكن وليدة اليوم؛ فقبل الهجوم الإسرائيلى على إيران تجلى التراجع الاخلاقى للغرب خلال حرب أوكرانيا، حين اعتُبر توسّع الناتو مشروعًا، بينما رُفضت حتى الشراكات السلمية لدول أخرى مع جيرانها. فُرضت عقوبات صارمة على روسيا، فيما لم تُحاسَب أمريكا والغرب على احتلال العراق. اللاجئون من الجنوب العالمى يُقابلون بالأسلاك والأسوار، بينما يُستقبل اللاجئون الأوكرانيون بالأحضان. ومع المجازر اليومية فى غزة، تبدو ازدواجية الغرب أكثر فجاجة من أى وقت مضى. واشنطن وحلفاؤها لم يظهروا لا الإرادة ولا القدرة على كبح آلة التدمير الإسرائيلية، مما قوّض سردياتهم بشأن الدفاع عن القيم العالمية وحقوق الإنسان. الجنوب العالمى يراقب ويعيد حساباته. ما عاد بالإمكان الوثوق بأن الغرب، رغم تراجع هيمنته، لا يزال ملتزمًا بقيم العدالة والمساواة. باتت الحاجة لإصلاح النظام العالمى ملحّة، نحو نظام لا تهيمن عليه قوى بعينها، بل يعكس التعدد والندية فى العلاقات الدوليةهذا النظام سيدفع العالم إلى مزيد من الدماء. فى هذا التحول، تبرز الصين كلاعب محورى. من خلال قوتها الاقتصادية، ونفوذها السياسى، ومبادراتها الكبرى كالحزام والطريق، والتنمية العالمية، والأمن العالمى، والحضارة العالمية، تقدم بكين تصورًا بديلاً لنظام دولى أكثر توازنًا وشمولاً. كما تعزز قدراتها التكنولوجية والعسكرية من هذا الحضور؛ إذ لفتت منظوماتها الجوية والدفاعية أنظار العالم، خاصة بعد أدائها اللافت فى أيدى حلفائها، كما فى مواجهة باكستان للهند. ■ فى ضوء تصاعد الحرب التجارية والتكنولوجية بين الولاياتالمتحدةوالصين.. هل تعتقد أن هذا الصراع يُمكن أن يتطور إلى صراع شامل يُهدد استقرار النظام العالمى؟ - رغم الهدنة المؤقتة والهشة بين واشنطنوبكين، يظل مستقبل العلاقات بين القوتين العظميين معلقًا على خيط رفيع، تحدده خيارات الولاياتالمتحدة فى المرحلة المقبلة. فالشرارة الأولى للحرب التجارية لم تكن صينية، بل جاءت من البيت الأبيض. فرض ترامب رسومًا جمركية استهدفت تقليص الواردات الصينية، لكن النيران امتدت إلى الجميع: تباطأت التجارة العالمية، وتقلّص النمو، وتكبد الاقتصاد العالمى خسائر باهظة. والمفارقة أن الصين – المستهدَف الأول – نجحت فى تحويل الضغط إلى فرص، خصوصًا مع هيمنتها على المعادن النادرة، ما يجعلها لاعبًا لا يمكن تجاوزه فى سلاسل الإمداد العالمية.