كرمت وزارة الثقافة ممثلة في الهيئة العامة لقصور الثقافة، المناضلة السيناوية فرحانة سالم، وذلك ضمن فعاليات الملتقى الثقافي العشرين للفتاة والمرأة بالمحافظات الحدودية، مشروع «أهل مصر». رحلة البطولة في رحاب مدينة العريش، حيث تلتقي رمال الصحراء بأمواج البحر، شهدت الأيام لحظة تاريخية تجسدت في تكريم الحاجة فرحانة. تحت راية مشروع «أهل مصر» الثقافي، وبحضور نخبة من قادة الفكر والثقافة، احتفت الهيئة العامة لقصور الثقافة بهذه السيدة السيناوية التي حفرت اسمها في سجل البطولات الوطنية. من هي الحاجة فرحانة؟ وتعد المناضلة السيناوية الحاجة فرحانة حسين سالم، شيخة المجاهدين، وابنة قبيلة الريشات بشمال سيناء. ومن أبرز المجاهدات اللاتي كتبن اسمهن بأحرف من نور في تاريخ مصر، ولم تغفل الدولة المصرية جهودها على مر العصور؛ إذ وجّه الرئيس السيسي خلال الاحتفالية التي أقامها اتحاد القبائل العربية في 27 أكتوبر الماضي بمناسبة نصر أكتوبر بإطلاق اسمها على حي في سيناء. بدأت الحاجة فرحانة التي يناديها أهل سيناء ب«أم داود»، وكانت تعمل في تجارة الأقمشة، مشوارها في الكفاح من أجل الوطن بعد النكسة مباشرة؛ لتنضم إلى الجيش المصري مثل الكثير من أبناء سيناء في هذا الوقت. وترجع قصة نضال الحاجة فرحانة بعدما طلب منها أحد أقاربها التطوع لصالح القوات المسلحة المصرية؛ لتنتقل بالفعل للقاهرة عام 1967 وتخضع لتدريبات في الجيش وفقًا لما ذكره من زوج ابنتها «حسونة أبوخبيصة» في لقاء تلفزيوني سابق، وتمكنت من رصد تمركزات القوات الإسرائيلية في سيناء مستغلة رحلتها لبيع الأقمشة من العريش للقاهرة، وكذلك أعداد الدبابات والجنود، بالرغم من عدم إجادتها للقراءة والكتابة، ولكنها كانت تحفظ الرموز الموجودة على سيارات العدو وترسمها لضابط الجيش بالسويس. وكانت تخبر المجاهدين في سيناء بنجاح مهمتها من خلال إرسال برقية للإذاعة تقول فيها: «أنا أم داود أهدي سلامي إلى إخواني في الأراضي المحتلة». وفد الثقافة في بيت المناضلة السيناوية الملتقى الثقافي العشرون للفتاة والمرأة بالمحافظات الحدودية، الذي يحمل شعار «يهمنا الإنسان»، كان المسرح الذي أضاء قصتها الملهمة. تحت سماء سيناء الصافية، توجه وفد رفيع المستوى من وزارة الثقافة إلى منزل فرحانة سالم، قاد الوفد الدكتورة حنان موسى، رئيس الإدارة المركزية للدراسات والبحوث، والدكتورة دينا هويدي، المدير التنفيذي لمشروع «أهل مصر»، إلى جانب أشرف المشرحاني، مدير فرع ثقافة شمال سيناء. في لحظة مفعمة بالفخر، سلم الوفد فرحانة درع الهيئة ووشاح «أهل مصر»، تكريمًا لدورها البطولي في حرب أكتوبر 1973. تلك المرأة التي، رغم جهلها بالقراءة والكتابة، استطاعت أن ترصد تحركات العدو وتنقل معلومات حيوية للجنود المصريين، مدفوعة بحب الوطن وإصرار على استعادة كرامة سيناء. قلب نابض بالوطنية كانت فرحانة سالم رمزًا للصمود والتضحية وفي أحلك لحظات الحرب، تجاوزت حدود المستحيل، حيث تحدت مخاطر الميدان لتكون عينًا ساهرة للوطن. بين تمركزات العدو، رصدت ونقلت المعلومات السرية التي ساهمت في انتصار أكتوبر المجيد، لم تكن مجرد امرأة عادية، بل كانت شعلة أضاءت دروب النصر، مدفوعة بروح الانتقام للشهداء واستعادة الأرض. فخر العائلة: كلمات نجلها عبدالمنعم في كلمات تفيض بالعزة، عبّر عبدالمنعم حسين سالم، نجل فرحانة، عن فخره بهذا التكريم الذي لم يكن الأول لها، فقد سبق أن نالت شهادة تقدير من رئيس الجمهورية عام 2021 ضمن احتفالية الأمهات المثاليات، إلى جانب تكريمات من المستشار العسكري المقدم الحسن الشاعر، ومؤسسة حياة للتنمية، وجامعة العريش التي خلّدت اسمها على قاعتها الرئيسية. الملتقى الثقافي العشرون، الذي نظمته الإدارة العامة لثقافة المرأة بالتعاون مع إقليم القناة وسيناء الثقافي، استضاف 120 سيدة وفتاة من ست محافظات حدودية: شمال وجنوب سيناء، البحر الأحمر، الوادي الجديد، مطروح، وأسوان، إلى جانب مشاركات من حي الأسمرات وجمعيات خيرية. هنا في قلب العريش.. امتزجت الأحلام بالإبداع ورش فنية تحيي التراثتحول الملتقى إلى خلية نحل فنية، حيث أبدعت السيدات في ورش متنوعة: من «المكرمية» مع شيرين عفيفي، إلى «التطريز السيناوي» مع الدكتورة سهام جبريل، وصولًا إلى «التصوير الفوتوغرافي» مع طارق الصغير. كما تضمنت الفعاليات ورشًا للموسيقى، المسرح، والكتابة الصحفية، لتعكس تنوعًا ثقافيًا يعزز الهوية الوطنية. رحلات تروي حكاية سيناء لم تقتصر الفعاليات على الورش، بل امتدت لتشمل زيارات ميدانية إلى معالم العريش الساحرة، مثل ميناء العريش، محمية وادي الزرانيق، والملاحات. كانت هذه الرحلات بمثابة جسور تربط المشاركات بتاريخ وطبيعة سيناء، لتغذي أرواحهن بالإلهام. دعم نفسي وأمسيات ثقافية وفي إطار تعزيز الرفاه النفسي، تضمن الملتقى دوائر دعم نفسي، إلى جانب أمسيات ثقافية أضاءت ليالي العريش بأحاديث الفكر والإبداع، كل لحظة كانت خطوة نحو تمكين المرأة وإعلاء صوتها. «أهل مصر»: مشروع يصنع الوعي يظل مشروع «أهل مصر» منارة ثقافية تستهدف أبناء المحافظات الحدودية، سواء أطفالاً أو شبابًا أو نساء. تحت مظلة البرنامج الرئاسي لتشكيل الوعي الوطني، يعمل المشروع على تعزيز الانتماء، دعم الموهوبين، وتحقيق العدالة الثقافية. من خلال فعاليات مثل هذا الملتقى، يواصل المشروع نسج خيوط الوحدة الوطنية، ليظل الإنسان في صدارة الأولويات. في النهاية، كان تكريم الحاجة فرحانة سالم ليس مجرد لحظة عابرة، بل احتفاء بروح المقاومة التي لا تعرف الاستسلام، وفي قلب سيناء، تستمر قصص الإبداع والصمود في كتابة فصول جديدة من تاريخ مصر.