في خضم تصاعد التوترات التجارية بين الولاياتالمتحدة والعالم، لم يتردد رئيس الوزراء الماليزي الأسبق مهاتير محمد في توجيه سهام النقد إلى سياسات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لاسيما تعريفاته الجمركية التي أثارت جدلًا واسغًا. وعدد مهاتير محمد أسبابه لرفض السياسات الحمائية الأمريكية في الحقبة الترامبية، مستندًا إلى خبرته التي تمتد لعقود في إدارة اقتصاد نامٍ وسط عولمة متوحشة، وحس سياسي حاد لا يرضى بالانجرار وراء قرارات القوة، معلنُا أسباب رفضه عبر منشور مطول، كاشفًا عن رؤاه تجاه تلك السياسات التي يرى أنها لا تضر العالم فحسب، بل تضرب قلب الاقتصاد الأمريكي نفسه، وتصيبه في مقتل. بدأ مهاتير بالقول: «أعطيت ترامب ثلاثة أشهر قبل أن يضطر إلى إيقاف رسومه المرتفعة مؤقتًا. لماذا؟ لأن هذه الرسوم ستضر بأمريكا أكثر من بقية العالم؛ لأن الفكرة ببساطة أن رفع الرسوم الجمركية سيجعل سعر الواردات أعلى، وذلك سيدفع الناس نحو شراء المنتجات المحلية. ثم واصل: «هذا يفترض أن أمريكا تملك منتجات محلية بالأساس، لكن ذلك الافتراض غير دقيق؛ فمنذ أكثر من عقد، اعتمدت أمريكا على الواردات الرخيصة، وحتى المنتجات الأمريكية تُصنع في الخارج حتى أن «آبل»، تنتج الآيفون في الصين والهند؛ وهذا يعني نه فرضت فُرضت رسوم عالية، فسيرتفع سعر الآيفون بنسبة 120% داخل السوق الأمريكية». واسترسل بأن: «المشكلة ليست حكرًا على الإلكترونيات إنما سترتفع أسعار العديد من السلع، مما يعني زيادة كبيرة في تكلفة المعيشة في الداخل الأمريكي، وإذا قررت أمريكا تصنيع هذه السلع داخليًا، ستكون الكلفة أعلى من أن تُباع محليًا أو تُنافس خارجيًا». مضيفا أن النتيجة نقص في المنتجات، وقطع الغيار، وارتفاع في الأجور، وارتفاع إضافي في التكاليف، وخسارة القدرة على التصدير. أمريكا ستخسر أسواقها الخارجية، وسينزل الناس إلى الشوارع احتجاجًا. هذه السياسات لن تجعل أمريكا عظيمة. قلت إن أمام ترامب ثلاثة أشهر. ربما أكثر. وربما أكون مخطئًا. سنرى». 12 سببًا دفعت مهاتير محمد لرفض الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب: 1. الضرر الأكبر سيقع على أمريكا نفسها: الرسوم الجمركية المرتفعة التي فرضها ترامب ستؤذي الاقتصاد الأمريكي أكثر من اقتصادات الدول الأخرى. 2. غياب البدائل المحلية: الرهان على أن ارتفاع الرسوم سيشجع المستهلك على شراء المنتجات المحلية خاطئ، لأن أمريكا لم تعد تنتج كثيرًا من حاجاتها محليًا منذ أكثر من عقد. 3. الاعتماد المفرط على الإنتاج الأجنبي: حتى المنتجات ذات العلامات التجارية الأمريكية، مثل هواتف آيفون، تُصنع في الخارج نظرًا لانخفاض تكلفة التصنيع في دول مثل الصين والهند. 4. ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة: فرض رسوم مرتفعة على الواردات سيؤدي إلى زيادات حادة في الأسعار داخل السوق الأمريكي، حتى على سلع تعتبر "أمريكية" في أصلها، مثل هواتف آيفون المصنعة بالخارج. 5. نقص في بعض السلع: مع غلاء المنتجات المستوردة وعدم توفر بدائل محلية كافية، ستواجه الأسواق الأمريكية نقصًا في سلع أساسية وغير أساسية. 6. أزمة في سلاسل التوريد: كثير من القطع والمكونات التي تعتمد عليها الشركات الأمريكية تُصنع في الخارج، وفرض الرسوم سيؤدي إلى نقص في هذه المدخلات. 7. ارتفاع تكلفة المعيشة: ارتفاع أسعار السلع سيؤدي إلى زيادة كلفة المعيشة بشكل عام في الولاياتالمتحدة. 8. دوامة ارتفاع الأجور والتكاليف: مع ارتفاع كلفة المعيشة، ستُضطر الشركات إلى رفع الأجور، ما يؤدي بدوره إلى زيادة إضافية في تكاليف الإنتاج والأسعار. 9. فقدان القدرة التنافسية: بسبب ارتفاع الكُلفة، لن تتمكن المنتجات الأمريكية من منافسة السلع الأجنبية في الأسواق العالمية، ما سيؤدي إلى خسارة الصادرات. 10. عجز عن تعويض الفجوة بالإنتاج المحلي: تصنيع هذه المنتجات محليًا سيكلف أكثر من اللازم، ما يجعل بيعها محليًا أو تصديرها أمرًا غير مجدٍ اقتصاديًا. 11. توقعات بتصاعد الغضب الشعبي: هذه السياسات قد تؤدي إلى احتجاجات شعبية واسعة بسبب الأعباء الاقتصادية التي سيتحملها المواطن الأمريكي. 12. السياسات الحالية لا تحقق شعار «أمريكا أولًا": بحسب مهاتير، هذه الإجراءات ستؤدي إلى نتائج عكسية ولن "تجعل أمريكا عظيمة من جديد»، كما وعد. رؤية مهاتير لم تكن مجرّد انتقاد خارجي، بل تحذير مبني على منطق اقتصادي عالمي: لا يمكن لدولة أن تزدهر بالانعزال، ولا أن تبني عظمتها بفرض الحواجز على الآخرين. في عالم تحكمه سلاسل توريد معقّدة وتشابكات تجارية لا تعرف الحدود، تصبح تلك السياسات الحمائية وصفة للفشل لا للنجاح. والرهان على الخوف لا يصنع اقتصادًا، بل يزرع أزمة. وبينما تتأرجح الأسواق العالمية على وقع هذه القرارات، تظل كلمات مهاتير تطرق باب الوعي: االعظمة لا تُفرض… بل تُبنى بالعقل. لم يكن مهاتير محمد مجرد زعيم سياسي، بل مهندس نهضة اقتصادية آسيوية واجه بها مؤسسات عالمية كبرى، وخرج من السلطة وعاد إليها محمولًا على أكتاف شعبه. صراحته المعهودة، وقراءته الثاقبة للاقتصاد العالمي، تجعلان من رأيه في مثل هذه القضايا مرجعًا بالغ الأهمية. في مواجهة سياسات القوة، يظل صوت مهاتير شاهدًا على أن العدالة الاقتصادية لا تقاس بالقوة العسكرية، بل برؤية شاملة تضع الإنسان في قلب المعادلة.