الأعداء والأصدقاء على حد السواء سيشرعون فى إنشاء نظام تجارة عالمى، قد لا يروق للولايات المتحدة مقارنة بالنظام الذى ألقته فى سلة المهملات، حسب التقرير الذى نشرته صحيفة بوليتيكو الأمريكية. واقتبس التقرير مقولة «أمريكا ضائعة»، والتى صرح بها الملك جورج الثالث، وقد اعتصره الأسى بينما كان يفند إرهاصات وعواقب الثورة الأمريكية، ولكن هل ملك اليوم المنتظر فى واشنطن سيشعر بالمثل بالأسى من خسارة (بلاده) للعالم؟. واستبعد التقرير أن يكون الرئيس الأمريكى دونالد ترامب هو الرجل الذى يعترف بالأخطاء، كما أنه ليس الشخص الذى يعبر عن الندم. ولفت التقرير إلى أن أسهم الأسواق المالية الأمريكية انخفضت عقب إعلانه لتعريفات شاملة على 180 دولة الأسبوع الماضى، حيث عبر ترامب عن تفاؤله بأن كل شىء سينتعش ويزدهر على الفور، وأن أمريكا مقبلة على «أيام المجد»، بينما عبر نائب الرئيس الأمريكى جى دى فانس عن شكواه إزاء المنتقدين، بقوله إنهم ينتهجون رؤية قصيرة الأمد على نحو مفرط: «سيكون لدينة بورصة منتعشة على المدى البعيد، لأننا نعيد الاستثمار فى الولاياتالمتحدةالأمريكية». واستدرك التقرير بأن «اليد الثقيلة» التى استعرضها ترامب كلها تستند على حسابات مثيرة للسخرية، واقتصادات مشوبة بالعيوب على نحو عميق، فهى لا تقل جنونا عن الممارسات التجارية التقييدية التى انتهجها الملك جورج إزاء المستعمرات الأمريكية، لكن على الأقل كان للملك البريطانى عذر يهون من الأمر، والذى يتمثل فى مسلسل من الجنون المرضى، ولفت التقرير إلى أن إعلان ترامب عن الاستقلال الاقتصادى وتنبى سياسة القرن التاسع عشر الحمائية كلها تصل إلى حد إغلاق الباب على باقى العالم، وكلها قد تأتى بعواقب غير مقصودة فى اتخاذ بقية العالم للقرار، وإن كان ذلك بشكل مؤلم وعلى نحو بطىء، وذلك لإعادة تشكيل نظام تجارى عالمى جديد ليحل محل ذلك النظام الذى شكلته أمريكا وازدهرت منه وتتخلى عنه الآن. ولفت التقرير إلى أنه سيكون هناك عواقب «جيوسياسية» بينما تستشرف عدة دول عقد اتفاقات تجارية ثنائية جديدة أو تختبر مدى توسيع التكتلات التجارية الإقليمية، وحلفاء الولاياتالمتحدة، اليابان وكوريا الجنوبية على سبيل المثال، تسعيان إلى تدعيم العلاقات التجارية مع الصين وتتحدثان حول تسريع المفاوضات حول اتفاق التجارة الحرة «ثلاثية الأطراف». وأشار التقرير إلى أن أعضاء رابطة الدول جنوب شرق آسيا والاتفاق الشامل والتقدمى للشراكة العابرة للمحيط الهادئ (اتفاقية تجارية بين كل من أستراليا، بروناى، كندا، تشيلى، اليابان، ماليزيا، المكسيك، نيوزيلندا، بيرو، سنغافورة، وفيتنام) يتطلعان إلى التكامل على نحو أسرع. وأضاف التقرير: «فى الوقت نفسه، وبالنسبة للأمريكيين وكثير من دول العالم، سيتسبب (يوم التحرير) الذى صممه ترامب بطرازه الخاص، فى صدمة اقتصادية حادة، والتى من المرجح أن تؤدى إلى كساد عالمى». وأكد التقرير أن الكثير بالطبع سيعتمد على مدى رد الدول على تعريفات ترامب، موضحا أن الانتقام، على سبيل المثال، قد يدعو إلى اتخاذ إجراءات مضادة من ترامب، ما يتسبب فى سلسلة من الرد والرد المضاد على غرار «هذه بتلك»، ما يفاقم الرؤية الاقتصادية العالمية، غير أن ردودهم ستتوقف على ماهية نهاية لعبة ترامب، وهو ما ليس واضحا بعد. ولفت إلى أن التفكك والفوضى كامنان فى الهدف العام وراء تلك الاستراتيجية، ما يعكس جزئيا، انقساما فى الفكر الجمعى داخل الإدارة الأمريكية. وأشار التقرير إلى أن ترامب نفسه أشار إلى أنه منفتح على المفاوضات التجارية، قائلا الخميس الماضى أنه مستعد للمحادثات مع الدول الأخرى حول الرسوم، إذا ما قدموا شيئا هائلا. وقال التقرير إن ذلك من شأنه أن يناقض مسلك معاونى البيت الأبيض، وعلى سبيل المثال قال كبير معاونى ترامب لشؤون التجارة، بيتر نافارو، ل«سى إن بى سى» إن التعريفات لا تخضع للتفاوض، «إنها ليست مفاوضات، إنها حالة طوارئ وطنية». وذكر التقرير أن الحسابات نفسها تافهة، وتقوم على «معادلة مشكوك فيها» والتى ظهرت من خلال عجز الميزان التجارى للولايات المتحدة، فى السلع مع إحدى الدول بشكل خاص، حيث قسمت ذلك على إجمالى الواردات من تلك الدولة، ثم قسمت الرقم الناتج على اثنين. وتساءل التقرير: هل التعريفات الجمركية يقصد بها لعب دور أساسى فى السياسة العامة التى ينتهجها ترامب فيما يتعلق بالضرائب، ما يسمح له بتوسيع نطاق تخفيض ضريبة الدخل، مثلما اقترح فى 2017، هل يحتاج إلى التجديد هذا العام؟ أو إعادة عقارب الساعة إلى القرن التاسع عشر عندما كان يتم تمويل الحكومة بشكل كبير من خلال عائد التعريفات الجمركية؟، مشيرا إلى قول ترامب فى فبراير الماضى: «كنا فى أغنى حالاتنا من عام 1870، حتى عام 1891، عندما كنا دولة ذات رسوم جمركية، وهى النقطة التى رددها فى حديقة الورود عند إعلانه عن استقلاله الاقتصادى الأسبوع الماضى».