جريمة أخرى أصابت الشعب المصرى، وسقط ضحيتها 75 قتيلا، معظمهم من الشباب الذى لم يرتكب أى جريمة إلا أنه اختار أن يشجع الرياضة وذهب وراء فريقه العريق النادى الأهلى إلى مدينة بورسعيد، فسقط ضحية الغدر والبلطجة وغياب الأمن. أعرف تعصب جمهور النادى المصرى وعدم حبه للنادى الأهلى، ويعرف العالم كله تعصباً مشابهاً بين جماهير نادى العاصمة والمدن الساحلية (باريس سان جرمان وأوليمبك مارسليا فى فرنسا مثلا) وكثيرا ما تشتبك جماهير هذه الأندية بطريقة لا تخلو من تعصب، وكثرا ما رأينا جماهير ناديى الأهلى والمصرى فى مواجهات متكررة، وأحيانا ما اعتدى جمهور المصرى على سيارة النادى الأهلى وجماهيره، ولكن أقصاه كان إلقاء حجارة هنا وشتائم هناك، والنتيجة عدة إصابات فى صفوف الجماهير، وينتهى الموضوع عند هذا الحد. ويصبح من الصعب اعتبار أن ما جرى فى مباراة الأهلى والمصرى هو شغب ملاعب يتحمله جمهور بورسعيد، فالموضوع أكبر من مباراة كرة قدم والجريمة التى جرت مكتملة الأركان، فقد تراخت الداخلية عن أداء واجبها فى تأمين الملعب والجماهير حتى وصلت لدرجة اتهام عدد كبير من قياداتها بالتواطؤ، وظهرت مؤشرات عديدة تقول إن موضوع الطرف الثالث أو اللهو الخفى يعكس أيادى خفية لمجموعات من رجال الأعمال المرتبطين بالنظام السابق وتضررت مصالحهم بعد الثورة ودبروا جرائم كثيرة لإشاعة الفوضى وعودة عقارب الساعة إلى الوراء وقد يكون من بينها ما جرى فى مباراة الأهلى والمصرى. المؤكد أن أهل بورسعيد يشعرون بألم كبير، فهم شعب معتز بنفسه وكرامته، وكثيرا ما كنت أقول لأصدقائى من أهل بورسعيد: كلكم زعماء وكلكم لا تخطئون، ولكن هذه المرة شعرت بغياب الزعامة والاعتذار عن خطأ لم يرتكبوه فهم قد يحتجون على الحكم أو يشتمون جماهير الأهلى، لكنهم لم، ولن يقتلوا الناس، ففيهم كل الصفات المصرية من سماحة وطيبة وكرم قد تكون أكثر من الآخرين. حالة الحزن والألم رأيتها فى كل بورسعيد حين ملأوا المدينة برايات الحداد السوداء، واستقبلوا كل من يأتى من خارج المدينة بترحاب وحزن كبيرين ولا يرغبون إلا أن يثبتوا كما قالوا إن بورسعيد «ضحية» وبورسعيد «بريئة». المصاب كبير، والضحايا هم شاب مثل الورد ذهبوا من أجل الرياضة قد يكون بعضهم هجر السياسة وفضل أن يرتاح قليلا من مظاهرات محمد محمود، لكنه فوجئ بالسياسة تحاصره حتى لو تركها إلى كرة القدم، فعرف أنه لابد أن تعاد هيكلة وزارة الداخلية على أسس جديدة حتى يعود رجل الأمن لممارسة عمله بكفاءة وفى ظل القانون، وهو لن يتم إلا لو رفض المجتمع مسلسل إهانة الشرطة ووضع آلاف من ضباطها الشرفاء فى موضع الاتهام. المطلوب إعادة هيكلة حقيقية لجهاز الشرطة والدفع بقيادات جديدة تكون قادرة على مواجهة البلطجة بحزم والقيام بعملها بشرف ومحاسبة المتورطين من قياداتها المسؤولين عن جريمة بورسعيد، لأن هناك روائح كثيرة تقول إن تحالف بعض رجال الأمن مع كثير من رجال الوطنى مسؤولون عن سقوط «75» شابا فى عمر الزهور، وحان الوقت لأن نعرف أن الشعب المصرى ليس حقل تجارب، ولا أرواح شبابه رخيصة لهذا الحد حتى نفقد كل هؤلاء فى مباراة كرة قدم. نعم.. مطلوب محاكمة المجرمين وتبرئة بورسعيد. [email protected]