بعد يومين من بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة ويوم واحد من إعلان الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، رفع العقوبات عن مستوطنين إسرائيليين متورطين فى العنف بالضفة الغربية، استشهد نحو 10 فلسطينيين على الأقل فى عملية نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلى، أمس الأول، فى مدينة جنين ومخيمها بالضفة الغربيةالمحتلة. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، عن العملية التى أطلقت عليها إسرائيل «السور الحديدى» إنها «عملية عسكرية واسعة النطاق ومهمة». وأضاف «نتنياهو»: «نتحرك بشكل منهجى وحازم ضد المحور الإيرانى أينما مد ذراعيه، فى غزة ولبنان وسوريا واليمن ويهودا والسامرة»- وتستخدم إسرائيل اسم (يهودا والسامرة)، للإشارة إلى الضفة الغربيةالمحتلة، حسب تعبيره. وواصلت قوات الاحتلال الإسرائيلى، أمس، عدوانها على مدينة جنين ومخيمها، لليوم الثانى على التوالى، وبدأت جرافات الاحتلال بتجريف شارع ومدخل مستشفى جنين الحكومى، وأغلقت مداخله بالسواتر الترابية، كما جرفت محيط مستشفى ابن سينا، وتعمدت على تدمير شوارع فى المدينة وفى محيط المخيم، وفى الوقت نفسه اعتلى القناصة أسطح المنازل السكنية المطلة على مخيم جنين. فى سياق متصل، قالت المرشحة لمنصب سفيرة الولاياتالمتحدة لدى الأممالمتحدة، النائبة إليز ستيفانيك، إنها تؤيد المزاعم التى يرددها اليمين المتطرف فى إسرائيل بشأن «حق توراتى لليهود» يخول لهم الاستيلاء على الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربيةالمحتلة. وعقدت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى، جلسة استماع لبحث التصديق على تعيين «ستيفانيك» التى رشحها ترامب للعمل كسفيرة للولايات المتحدة لدى الأممالمتحدة. وجاءت تصريحات ستيفانيك خلال استجوابها من جانب السيناتور الديمقراطى كريس فان هولن. واختتم النائب كريس فان هولن استجوابه مخاطبا ستيفانيك بالقول: «سيكون من الصعب جدا تحقيق ذلك إذا واصلت التمسك بوجهة النظر التى عبرتِ عنها للتو، وهى وجهة نظر لم يتبناها مؤسسو دولة إسرائيل، الذين كانوا صهيونيين علمانيين، وليسوا صهاينة دينيين». من جهتها، حذرت المقررة الأممية الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان فى الأراضى الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيز، من احتمال ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية فى الضفة الغربية على غرار تلك التى ارتكبتها فى قطاع غزة. وتابعت ألبانيز: «جرائم الإبادة الجماعية التى ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين لن تقتصر على غزة، إذا لم يتم إجبارها على التوقف». فى هذا السياق، قال الدكتور حسام الدجنى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة، إن وعد «ترامب» فى السياق الجغرافى سيكون على حساب الضفة الغربية، وأن ما تقوم به إسرائيل هو تنفيذ لهذا الوعد، مما يضع ترامب أمام مسؤولياته. وأوضح الدجنى، ل«المصرى اليوم»، أن التحدى كبير، وما يحدث فى الضفة الغربية الآن هو جزء من الترجمة العملية للقضاء على كل حالة ثورية هناك، وصولًا إلى حسم ملف الضفة الغربية من خلال ضم أراضٍ من مناطق «سى» أو فرض السيادة عليها. وأضاف الدجنى أن هذا الخطر لا يقل أهمية عما حدث فى قطاع غزة، وأن المطلوب من المجتمع الدولى هو التحرك دبلوماسيًا، مشيرا إلى أن الجميع كان يأمل ويتوقع أن تؤدى هذه الحرب إلى إحياء عملية السلام ودفع مسار حل الدولتين، بالإضافة إلى الجهود المصرية والسعودية والإقليمية والدولية فى هذا الإطار. لكنه أكد أن ما يجرى الآن يخلط الأوراق وربما يضرب فى عمق الأمن القومى العربى، من خلال تصفية ملف القضية الفلسطينية عبر بوابة الضفة الغربية. من جهته، قال الدكتور نزار نزال، المحلل السياسى الفلسطينى والباحث فى قضايا الصراع والخبير بالشأن الإسرائيلى، إن رفع العقوبات عن ميليشيات المستوطنين والنشطاء الذين يعبثون باستقرار وأمن الضفة الغربية، والذين اعتدوا على العائلات وأحرقوا عائلة قبل فترة، قد تم إطلاق سراحهم، وأشار إلى أن إدارة ترامب رفعت العقوبات عن هؤلاء، مما لاقى ترحيباً كبيراً فى إسرائيل. وأوضح نزال ل«المصرى اليوم» أن هذا يشير إلى أن اللوبى الصهيونى فى الولاياتالمتحدة تلقى تعليمات من نتنياهو بالتحرك بسرعة للضغط على الجمهوريين لعدة اعتبارات. أولاً، نتنياهو التزم لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش بأنه سيعود للحرب مرة أخرى بعد هذه الهدنة، وهذا يتناقض مع طرح ترامب. وبالتالى، يتحرك اللوبى الصهيونى اليوم داخل الولاياتالمتحدة لدعم إسرائيل فى موضوعين هامين: السماح لإسرائيل بعملية عسكرية كبيرة فى الضفة الغربية، ورفع العقوبات عن الميليشيات المنفلتة والمستوطنين. وأضاف نزال أن موافقة ترامب على عودة نتنياهو للحرب تهدف إلى منع سقوط الحكومة الإسرائيلية، حيث إن بقاء نتنياهو بدون استئناف للحرب سيؤدى إلى انسحاب وزير المالية سموتريتش واستقالته، مما سيؤدى إلى فقدان الحكومة للثقة داخل البرلمان وسقوطها. وبالتالى، سيتم إطلاق يد جيش الاحتلال الإسرائيلى فى الضفة الغربية. وأشار نزال إلى أن ثمن ذهاب نتنياهو إلى صفقة لإطلاق سراح الأمريكيين المحتجزين داخل قطاع غزة هو مشروع داخل الضفة الغربية مؤكدا أن اللوبى الصهيونى يضغط بشكل كبير على الجمهوريين لترتيب هذين الموضوعين. وأوضح «نزال» أن هناك مخططًا تم التوافق عليه بين سموتريتش وإيتمار بن غفير ونتنياهو فى عام 2022، بعد نتائج الانتخابات الإسرائيلية التى أفرزت المشهد السياسى الحالى وهو المخطط، المعروف بخطة الحسم، يتضمن ضم 65٪ من مساحة الضفة الغربية وإعلان السيادة الإسرائيلية على كامل جغرافيا الضفة. وأضاف نزال أن الخطة تشمل اعتبار الفلسطينيين مقيمين فى الضفة الغربية على غرار ما تم ترتيبه لسكان شرقى القدس، مع استجلاب مليون ومئتى ألف مستوطن يهودى إلى الضفة الغربية، مما سيؤدى إلى تغيير ديموغرافى كبير فى المنطقة. كما تتضمن الخطة توسيع المستوطنات وضم المزيد من الأراضى. وأشار «نزال» إلى أن الظروف الحالية مواتية لتنفيذ هذا المشروع، خاصة مع الدعم الكبير الذى تتلقاه إسرائيل من إدارة ترامب، التى تعتبر الأقرب إلى إسرائيل ومشاريعها. وأضاف أن إسرائيل تسعى من خلال هذا المشروع إلى إلغاء العنوان السياسى للشعب الفلسطينى، أو جعله جزءًا من خطة الحسم فى المرحلة المقبلة. فى سياق متصل، أكدت الدكتورة عبير ياسين الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والمتخصصة فى الشؤون الإسرائيلية، أن قرار ترامب الخاص برفع العقوبات التى فرضتها إدارة سلفه جو بايدن على جماعات وأفراد من المستوطنين لارتكابهم أعمال عنف ضد الفلسطينيين يحمل العديد من الرسائل الرمزية والفعلية، والحالية والمستقبلية. فمن جانب يؤكد رفع العقوبات على اختلاف العلاقات بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل خلال فترة حكم ترامب مقارنة بغيره وهو أمر حرص ترامب على تأكيده قبل الانتخابات وبعدها، وبالتالى تحمل القرارات معنى رمزيا على مستوى البعد الشخصى لترامب بغض النظر عن الحديث عن الخلافات بينه وبين نتنياهو. كما تحمل قيمة مهمة كونها تزامنت مع عمليات اعتداء قام بها عدد من المستوطنين ضد عدة قرى فلسطينية على خلفية رفضهم لاتفاق وقف الحرب فى غزة. وتابعت «عبير»، فى تصريحات ل«المصرى اليوم»: يضاف إلى ما سبق توقيت القرارات فى عام اعتبره وزير المالية اليمينى المتطرف بتسلئيل سموتريش عام الاستيطان فى الضفة الغربية، وهو الأمر الذى عبر عنه مع فوز ترامب معتبرًا فوزه فرصة لتحقيق طموحات السيطرة على الضفة. وهنا تبرز مخاطر تلك التحركات سواء على الصعيد الأمريكى أو الإسرائيلى فى ظل حديث ترامب عن إسرائيل بوصفها دولة صغيرة على الخريطة ما يطرح تساؤلات ومخاوف حول التحركات القادمة. يرتبط بتلك المخاوف ما ذكره ترامب عن غزة وموقعها المميز وخطط إعمارها، وما تردد عن نقل عدد من فلسطينى غزة خلال مرحلة إعادة الإعمار إلى خارج القطاع وكأنه تهجير بصورة وكلمات أخرى. وقالت: «أفكار تعيد للواجهة حديث صهره وكبير مستشارى البيت الأبيض خلال فترة رئاسته السابقة جاريد كوشنر عن تحويل غزة إلى سنغافورة الشرق الأوسط وموقعها المميز على الساحل وهى الأفكار التى لا تحمل تصورات إيجابية عن مستقبل سكان القطاع وتتعامل مع القطاع بوصفه مشروع استثمارى». ورأت «عبير» أن كل ما سبق يطرح تحديات المرحلة سواء على صعيد الضفة وجهود الاستيطان أو غزة ومحاولات التهجير وهى التحديات التى تتطلب التنسيق الفلسطيني- العربى والمزيد من الضغوط من أجل حل الدولتين وخاصة من الجانب المصرى. إلى ذلك، قالت الدكتورة تمارا حداد، أستاذة العلاقات الدولية، إن تصريحات ترامب، بالإضافة إلى بعض القرارات الصادرة عن البيت الأبيض برفع العقوبات عن المستوطنين والجمعيات الاستيطانية، تشير إلى احتمال تصاعد نشاط المستوطنين والجمعيات الاستيطانية فى الضفة الغربية، مما قد يؤدى إلى تعزيز السيطرة الأمنية فى المنطقة. وأضافت تمارا ل«المصرى اليوم» أن تصريحات ترامب لم تقدم حلا واضحا للقضية الفلسطينية، بل ركزت على نجاحه فى إخراج الرهائن. وأشارت إلى أن ترامب تحدث عن موقع غزة الاستراتيجى وطقسها الجميل، مما يثير التساؤلات حول نواياه بإعادة احتلال القطاع واستثماره كمشروع تجارى واستثمارى. وأوضحت تمارا أن ترامب يسعى لتحقيق «صفقة القرن» بنسختها الثانية، والتى تهدف إلى تعزيز السلام الاقتصادى فى الشرق الأوسط وإعادة تفعيل اتفاقيات أبراهام وتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل. ومع ذلك، تشترط السعودية تحقيق إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما يرفضه اليمين المتطرف الإسرائيلى حتى الآن، كما يتضح من تصاعد العنف ضد الفلسطينيين فى الضفة الغربية بعد وقف إطلاق النار المؤقت فى غزة.