شهد العالم خلال العقدين الماضيين طفرة غير مسبوقة فى مجال الاتصال والإعلام مع ظهور منصات التواصل الاجتماعى، التى تعاظم دورها بشكل سريع فى الحياة اليومية، بوصفها جسرًا للتواصل بين أفراد المجتمع. ورغم ما وفرته تلك المنصات من فرص ومزايا، إلا أن هذه البيئة الرقمية التى تفتقر للضوابط والمساءلة بشكل كبير، حفزت بعض الأفراد والجهات على استغلالها لممارسة العديد من الأنشطة الخبيثة وارتكاب جرائم يعاقب عليها القانون تحت ستار «حسابات وهمية- Fake Accounts». وعرف «مركز القرار للدراسات الإعلامية» الحسابات الوهمية أو المزيفة على وسائل التواصل الاجتماعى بأنها ملفات غير مرتبطة بشخص حقيقى أو يتم إنشاؤها باستخدام بيانات شخص دون موافقته. وتُسمى هذه الحسابات عادةً ب«حسابات الاحتيال» (Imposter Accounts) أو «حسابات دمى الجوارب» (Sock Puppet Accounts). ويقصد بحسابات الاحتيال تلك التى ينشئها شخص ما لينتحل شخصية فرد آخر، أما حسابات دمى الجوارب فهى الحسابات التى يديرها الأشخاص بغرض مدح أنفسهم وانتقاد الآخرين. وقد دشن المجلس الأعلى للإعلام، خلال الشهر الماضى، مبادرة «إمسك شائعة» لمواجهة الشائعات والأخبار الكاذبة وملاحقة الصفحات الزائفة التى تنتحل شخصيات القادة والشخصيات البارزة والعامة فى الدولة ضمن مؤتمر التنظيم الذاتى الإعلامى فى مواجهة الشائعات. 336 صفحة زائفة تنشر محتوى غير مضلل على فيس بوك آلية البحث عن الصفحات الزائفة قام فريق «تدقيق المعلومات وصحافة البيانات بالمصرى اليوم» برصد 550 صفحة مزيفة عبر منصة «فيسبوك» ل40 شخصية عامة متنوعة بين شخصيات سياسية وإعلامية وخبراء ورجال دين. ولقد تم اختيار الشخصيات محور الرصد حسب مناصبهم وأهميتهم المجتمعية، لا سيما أنهم يتمتعون بقاعدة جماهيرية كبيرة من المتابعين. ومن خلال تحليل البيانات، تبين أن تلك الصفحات تنتحل اسم وصورة الشخصية الحقيقية، وأحيانًا المسمى الوظيفى، وتتحدث بهويتها سواء بمحتوى مضلل أو غير مضلل أو حتى بدون محتوى، كما تحمل آلاف المتابعين سواء يتم التفاعل معها أو لا. ومن خلال الرصد، اتضح أن أغلب تلك الصفحات تم إنشاؤها بداية من عام 2011. وأظهرت البيانات أن الشخصيات التى تم رصدها تتنوع من حيث القطاعات بين رئاسة الجمهورية، والوزراء، والإعلاميين، والصحفيين، والأدباء، والأوقاف، والأطباء، ورجال الأعمال، وخبراء التنمية البشرية، ومستشارين، ومنتجين، ورجال الدين، لا سيما أن تلك الشخصيات تمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة وذات تأثير هام فى المجتمع. واعتمد الفريق خلال آلية الرصد استخدام كلمات بحث رئيسية للبحث بأسماء الشخصيات باللغة العربية والإنجليزية مع مراعاة تغير بعض الحروف تارة، واسم الشخصية مع المسمى الوظيفى تارة أخرى. وأبرز السياسيين الذين تم رصد الصفحات المزيفة عنهم هم: رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى بنحو 122 صفحة بعدد متابعين تجاوز ال15 ألفًا، وبنحو 81 صفحة منوعة بين المحتوى المضلل وغير المضلل وبدون المحتوى أيضًا. كما تم رصد 7 صفحات مزيفة باسم السيدة الأولى انتصار السيسى، حرم الرئيس. بالإضافة إلى أن عدد الصفحات التى تم رصدها باسم فضيلة مفتى الجمهورية بلغت 3 صفحات بعدد متابعين تجاوز ال14 ألف متابع. كما تم رصد صفحات زائفة لعدد من رجال الدولة متمثلين فى الوزراء، منهم وزير الصحة، والصناعة، والأوقاف، وأيضًا وزير التعليم السابق بعدد صفحات مختلف. وبينت قاعدة البيانات أنه من أبرز الشخصيات التى تم رصدها خلال عملية البحث الداعية الدينية هالة سمير، بنحو 19 صفحة بعدد متابعين تجاوز المليون ونصف المليون. وأيضًا تم رصد أكثر من 150 صفحة زائفة لعدد من الإعلاميين، أبرزهم عمرو أديب، أحمد موسى، عمرو الليثى، وأيضًا مصطفى بكرى، بالإضافة إلى الصفحات الزائفة لعدد من الأطباء، والتى بلغت 50 صفحة، وعلى رأسهم الصفحات التى تحمل اسم الدكتور حسام موافى. من جانبه، أوضح المهندس محمد الحارثى، خبير تكنولوجيا المعلومات، أن الحسابات الزائفة تعتبر أحد سمات السوشيال ميديا، مما يزيد من انتشار المعلومات المضللة بين المتابعين، لا سيما بعد إتاحة علامة توثيق الحسابات من خلال شركة فيسبوك مقابل مبالغ مالية سنوية، مما أتاح الفرصة لانتشار الحسابات المزيفة بشكل أوسع. وكشف خلال حديثه ل«المصرى اليوم» أن الشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعى يمكنها منع تأسيس الصفحات الزائفة أو انتشارها باستخدام العديد من التقنيات التكنولوجية، ولكن ذلك يتطلب منها إنفاق المزيد من الأموال، مما يثنيها عن تنفيذ ذلك. «من الصعب على المواطن العادى تمييز تلك الصفحات المزيفة، مما يزيد من فرص انتشار المعلومات المغلوطة والمضللة، والتى تتسبب فى انتشار البلبلة وعدم الاستقرار، لاسيما فى القضايا التى تهدد الأمن المجتمعى وتتعلق باستقرار الدولة»، يقول الحارثى. عدد متابعى الصفحات الزائفة ذات المحتوى غير المضلل يتجاوز ال 11 مليون متابع وأشاد بالمبادرة التى تبذلها الدولة لمواجهة هذه الصفحات، مبينًا أنها غير كافية لمواجهة هذا النوع من الصفحات فى عصر يعتبر العالم الافتراضى فيه أحد الأساسيات اليومية للمواطنين. وأيد خبير تكنولوجيا المعلومات، النتائج التى توصل إليها «فريق تدقيق المعلومات وصحافة البيانات»، من تصدر الشخصيات الإعلامية لتدشين الصفحات الزائفة لما يتمتعون به من قاعدة جماهيرية كبيرة، وأيضًا الشخصيات العامة ورجال الدين والأطباء لما لهم من تأثير على المجتمع. موضحًا أن الشخصيات العامة تعتبر أحد مواطن الثقة لدى المواطنين، مما يجعلهم هدفًا للصفحات الزائفة. ونصح الحارثى مستخدمى منصات التواصل الاجتماعى بضرورة تحرى الدقة قبل نشر المعلومات والتركيز على مصدرها قبل اعتمادها، لا سيما فى منصة فيسبوك، التى تعتبر أحد المنصات التى تشهد انتشار الصفحات الزائفة. المحتوى غير المضلل الأبرز بين المتابعين ومن خلال تحليل البيانات، تبين أن الصفحات التى تم تصنيفها بأنها تنشر المحتوى اقتربت من 350 صفحة، فى حين أن الصفحات الزائفة دون محتوى بلغت قرابة 200 صفحة. وأن عددًا كبيرًا من تلك الصفحات الزائفة تعيد نشر البيانات الرسمية والتصريحات الخاصة بالشخصية الأصلية. وأوضح تحليل البيانات أن الصفحات التى تنشر محتوى غير مضلل تجاوزت 300 صفحة، بينما التى تتعمد نشر المحتوى المضلل بلغت 20 صفحة مقارنة بالتى تم تصنيفها بأنها لم تمتلك أى محتوى، واقتربت من 200 صفحة. وكشف تحليل البيانات أن الصفحات التى تنشر محتوى غير مضلل للشخصيات الأربعين التى تم رصدهم هى الأكثر فى عدد المتابعين، والذى تجاوز عددهم 114 مليون متابع، بينما الصفحات التى تقوم بنشر محتوى مضلل تجاوز عدد متابعيها 55 ألف متابع. وبحسب تقرير نشرته مجموعة Bosco Legal Services للخدمات القانونية فى الولاياتالمتحدة، يوضح أن المحتالين يقدمون على إنشاء الحسابات الوهمية لأسباب مختلفة، منها انتحال الشخصية لابتزاز الأموال من المتابعين عبر عمليات الاحتيال عن طريق التظاهر بأن المالك الأصلى للحساب فى مشكلة ويحتاج إلى تبرعات، بالإضافة لمضايقة الأشخاص عبر الإنترنت، أو تدمير سمعة شخص معين، ونشر معلومات كاذبة والترويج لخطاب الكراهية، وأيضًا ترك تعليقات أو شكاوى كاذبة للإضرار بالعلامات التجارية. وبين التقرير أن معظم منصات التواصل الاجتماعى الرئيسية- إن لم يكن جميعها- مثل فيسبوك، إكس، إنستغرام، لينكد إن، بينترست، يوتيوب، وسناب شات، تعانى من وجود حسابات وهمية مجهولة الهوية، وتحتوى على القليل من المعلومات. ومن ناحية أخرى، بينت دراسة «دوافع استخدام الأسماء المستعارة لدى مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعي» التى استهدفت توصيف مدى استخدام الأسماء المستعارة والحسابات المتعددة فى مواقع التواصل الاجتماعى بدلًا من الأسماء الحقيقية للتعبير عن هوية مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى، موضحة أن أبرز دوافع استخدام الأسماء المستعارة فى البيئة الرقمية هى إخفاء الهوية، ثم الضغوط الاجتماعية. وفى المرتبة الثالثة، يأتى السبب الخاص ب «الخوف من عواقب التعبير عن الرأي»، ثم لتجنب التحرش والمضايقات الإلكترونية، وأخيرًا وسيلة للاحتيال الإلكترونى. وكذلك، أشارت الدراسة إلى وجود ثلاثة أنواع من الضغوط المجتمعية الأكثر تأثيرًا فى اختيار استخدام اسم مستعار أو تعدد حساباتهم؛ يتصدرها الضغط المتعلق ب «متابعة الأصدقاء أو معارف غير مرغوب فيهم»، ثم مراقبة الوالدين والأسرة، وأخيرًا «المجتمع». فى سياق متصل، أكد الدكتور وليد هنداوى، استشارى الصحة النفسية، أن الصفحات الزائفة أصبحت ظاهرة لدرجة أن شركة فيسبوك ألغت 3 مليارات حساب وهمى من منصتها، ورغم ذلك تم الإعلان أنه يوجد 270 مليون حساب زائف. وأن 10٪ من المستخدمين الحقيقيين لديهم حسابات مكررة، ويصل البعض منهم إلى 6 أو 10 حسابات للفرد الواحد. مشيرًا خلال حديثه ل «المصرى اليوم» إلى أن لجنة الشكاوى بالمجلس الأعلى للإعلام عقدت حوالى 36 جلسة خلال خمسة شهور فى عام 2020، فحصت خلالها 213 شكوى متكررة للحسابات الزائفة فى المجال الإعلامى. ويعتبر ذلك أحد دوافع المشرع المصرى لإصدار قانون رقم 175 لعام 2018 بشأن جرائم تقنية المعلومات. حيث حددت المادة رقم 24 عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تتجاوز الثلاثين ألف جنيه، لكل من دشن بريدًا إلكترونيًا أو حسابًا وهميًا. وحدد استشارى الصحة النفسية الأسباب التى تدفع الأشخاص لتأسيس تلك الصفحات، مثل الضغط المجتمعى والأسرى، والهروب من الواقع، بالإضافة إلى بحث بعض الأشخاص عن الشهرة من خلال انتحال شخصيات آخرين، وأيضًا الأشخاص الذين يسعون لتحقيق أرباح من خلال إدارة هذه الصفحات. مضيفًا أن هذه المشكلة تعانى منها أغلب دول العالم، مما دفع العديد من الدول إلى فرض غرامات مالية ووضع العديد من الضوابط القانونية لمواجهة تلك الظاهرة.