متمددة على «كنبة»، تجلس بجوارها زوجة الابن، تفصل بينهما صورته، تنظران إليها تارة، وأخرى تحتضنان ابنته الوحيدة، جاهدت «أم بدر» شهرته «حمو»، صاحب محل الجزارة بمنطقة الهرم في الجيزة، حتى يخرج صوتها: «ضنايا راح مني، 2 أصحاب محل كشري قتلوه عشان مستعجلينه يشيل الفريرز من محل اشتروه تمليك، وهو كان مستأجره مع أخوه»، دموعها عرفت طريقها: «عايزه حقه، طعنوه في صدره وخرجوا قلبه بره، ومصارينه بانت، وضربوه بعد كده في ظهره بالسكين اللي كانت معاهم»، تقول «ده منظره محدش يستحمله، ابني قتلوه بطريقة بشعة، وأخوه التاني (إسلام) ضربوه ودخل العمليات، وكان هيروح مني هو كمان». «عقد العزم على الانتقام من عيالي» كان الأخوان «بدر» و«إسلام» كتفا بكتفِ، محبوبين بمحيط محل الجزارة خاصتهما، لكن حظهما السيئ أن مالك عقار قرر بيع محل استأجراه لتخزين اللحوم به، لصاحب محل كشري شهرته «أبوسجدة» وأخيه، واللذان طالباهما باستلام المحل، فاقترحا عليه: «نفضل شهر بس لحد ما نلاقي مكان تاني». والدة الشابين تحدثت عن بداية خلاف ابنيها مع صاحب المحل جارهما، مندهشة من تطور الأحداث حد إزهاق روح ولدها «بدر»: «عيالى اتفقوا مع (أبوسجدة) على إن إيجار محله هياخده في الميعاد المقرر، فاتفق معاهم إنه هياخد لحم مفروم عشان طواجن الكشري من الحساب المقرر عليهما، وكانت الأمور تسير بشكل عادي، حتى ضغط عليهما إنهم لازم بكرة يمشوا بحجة إنه عايزه محل حالًا». مشادة كلامية نشبت بين «إسلام» و«أبوسجدة»، كلاهما احتد على الآخر، وفق حديث الأم «شتموا بعض، وابني الكبير قال لصاحب محل الكشري: (خلاص اللي عندك اعمله)، لأنه طالبه بالصبر يومين مش أكتر عشان (فريز) باظ منه، ويحتاج إلى تصليح قبل نقله لمكان تاني، وهنا قرر الجار وعقد العزم على الانتقام من عيالي». «سقطت مغشيًا عليها» صباح اليوم التالى من تلك الواقعة، كانت الأم تحث ابنها «بدر» على الذهاب إلى عمله، فيما قال بدر لأخيه «إسلام»: «تعالى ننزل نبيع حتتين لحمة، نطلع مصروفنا»، تقول والدتهما حزينة «مسافة ما راحوا، مسافة ما حصلت المصيبة، (أبوسجدة) وأخوه كانا في انتظارهما، استقبلاهما بضرب ابني الكبير ولما مقدروش عليه، حدفوا شماريخ داخل المحل، عشان يجبروا أخوه على الخروج، حيث طعنه صاحب محل الكشري وأخوه بسكين». خبر المشاجرة انتشر سريعًا حتى وصل إلى شقيقة «إسلام» و«بدر»، لطمت خديها ما إن سمعت خلال اتصال هاتفى من جيرانها، أن أخيها الصغير قٌتل، سمعت الأم، انهارت ثم سقطت مغشيًا عليها، وأفاقت في المستشفى حيث يرقد ابناها أحدهما في ثلاجة حفظ الموتى والثاني بغرفة العمليات. «خلعوا حجابي وجابوا لي واحد تاني ألوان» الأهالي منعوا الأم من الدخول على ابنها «بدر» لساعات، حتى أفلحت بعد رجاء أن تلقى عليه نظرة وداع، تذكر تفاصيلها «منظره صعب عليا، كل ما أفتكره منمش الليل، مصارينه كانت طالعة بره، وقلبه ممزق، وضهره باين عليه آثار الطعنة اللي خدها»، وقالت «معقول ابني لسه هيتمّ 30 سنة، شاب لسه متجوز يروح مني لسبب بسيط؟، عيالي كانوا هيشيلوا الفريزر بتاعهم، وده كان مجرد وقت، ابني الضحية كان العائل الوحيد لزوجته وابنتهما الوحيدة اللي عمرها سنة ونصف». حال الأم تدهور، إذ حقنها الأطباء ب«المهدئات» وهكذا عملوا على إيقاف «جلطة» كادت تصيبها، لكن سرعان ما انتابتها حالة صراخ هستيرية أخرى «يا بدر، إصحى مش بترد عليا ليه؟، أنا أمك بناديك»، رددتها حين طلبها ابنها الثاني «إسلام» للدخول عليه في غرفته بالمستشفى عقب إفاقته من العمليات، إثر طعنه في صدره، تروى «قالولى ابنك عايزك، خلعوا حجابي وجابوا لي واحد تاني ألوان، عشان أروح له، لأننا كنا مخبيين عليه وفاة أخوه، قلتلهم لو شافني هيعرف اللي حصل من شكلي». «بنتي الوحيدة متعلقة بأبوها» تشبثت والدة «بدر» بموقفها، حتى باغتت إحدى السيدات «إسلام» بقولها: «أخوك تعيش أنت»، وفق الأم «ابني قام من مكانه، كسر الدرنقة الخاصة بتصريف السوائل الزائدة من منطقة الجراحة اللى عملها، وصمم يشوف أخوه»، تكمل «حبيبى قبل ما يعرف بوفاة نصه التانى، كان بيقول للى حواليه، عايزين نودي أخويا مستشفى خاص عشان يتعالج أحسن، لما كانوا بيكدبوا عليه ويقوله: (ده مطول في العمليات ومخرجش لسه)». زوجة «بدر»، شابة في ال23، بجانبها طفلتها الرضيعة، تقول «بنتى كانت متعلقة بأبوها، أول ما يرن التليفون تقول بابا جه، ونفس الحال لما يرن جرس الباب، إحنا فقدنا الحنية والسند، وطفلتنا الوحيدة هتكبر ومش هتشوف أبوها، لأنها إتحرمت منه». بدورها، ألقت أجهزة الأمن في الجيزة القبض على مرتكبى الجريمة وأمرت النيابة العامة بحبسهما 4 أيام على ذمة التحقيقات.