«هروح أشحن حالة وأجيبها من أشمون لحد المصحة عندنا في شبرامنت بالجيزة»، كان آخر اتصال بين «زغلول»، العامل بمصحة إدمان، ووالده، قبل انطلاقه إلى المنوفية رفقة 3 من زملائه، بعدها تلقى الأب صدمته برحيل الابن برشق مُدمن بلطة بمنتصف جبهته أثناء محاولته الهرب رافضًا العلاج، وإصابة 2 من زملائه، يتذكر أحلام ولده صاحب ال29 عامًا، وتدمع عيناه: «دخل علينا عيد الفطر، وإحنا في نكد من غيرك». محدش هيشحنى وياخدنى «زغلول»، على مدار 3 سنوات مدة عمله، تلقى المئات من الطلبات ما يُطلق عليه ب«الشحن»، إذ يتصل أولياء أمور مدمنى المواد المخدرة، اعتاد وفق والده، أن يرى أمًا تبكى وتتوسل وأبًا يقسم أنه مستعد لدفع الغالى لعلاج الابن أو الابنة، لم يتأخر يومًا عن مساعدة محتاج إليه، وكان يحكى لأبيه أن هذا أكل عيشه أيضًا، وهروب المدمنين من بين أيديهم حينًا وإشهارهم السلاح في مواجهتهم حينًا آخر: «بس ربنا بيسلم». الشاب العشرينى، لما أخبره مديره بالمصحة: «فى حالة محتاجة شحن من أشمون»، شجع 3 من زملائه على التحرك سريعًا، توجهوا إلى مكان أرسلته إليه شقيقة مُدمن بودرة، فكانت الدموع تسبق كلامها «أخويا بيضرب ماما وبابا»، فيما «زغلول» يهدئها: «فترة هيتعالج وهيبقى زى الفل». 4 ساعات، كانت مدة سفر زغلول وزملائه إلى أشمون، طرقوا باب مسكن الشاب «محمد» كثيرًا، فكان يستشعر قدومهم، ويواجههم كأنهم خطر عليه وعلى أمنه، هم اعتادوا مثل تلك المواقف، فلما صاح المُدمن في أخته: «هاتى لى الآلى هموتهم، عايز سكينة هقطعهم»، لم يقفوا مكتوفى الأيدى، تقدموا نحوه لكنه فجأة «فص ملح وذاب». لم يعرف أحد من العاملين بالمصحة، عما إذا كان المُدمن قفز من البلكونة، أو صعد السلالم إلى سطح أحد العقارات المجاورة، حيث بحثوا عنه طويلًا ولما يئسوا من العثور عليه وأعلنوا أن مهتهم كُللت بالفشل، باغتهم هو من تحت بير السلم لدى نزولهم، برشق بلطة في منتصف جبهة «زغلول»، ليسقط على الأرض ميتًا وسط حالة من الرعب، ومعها لاذ المتهم بالفرار، قبل أن يُعلنها: «محدش هيشحنى وياخدنى». آثار ضربه البلطة توجع القلب في منزله، كان الأب ينتظر «زعلول» وسماع جملته الأثيرة حين ينجح في جلب أو إقناع مريض للعلاج بالمصحة «المهمة تمت بحمد الله»، لكنه تلقى اتصالًا من أصدقاء الابن يزفون له الخبر الأسوأ بحياته، حسب كلامه: «على طول قالوللى ابنك مات، الشاب المُدمن ضربه بآلة حادة وروحه طلعت، وضرب 2 مننا». من القاهرة إلى مشرحة مستشفى أشمون العام، كانت رحلة الأب لاستلام جثمان «زغلول»، خلالها مر عليه شريط الذكريات: «ده ابنى الكبير، أول فرحتى، حبيبى الحنين عليا، اشترى معايا ميكروباص وكنا بنسدد الأقساط سوا، مفرقش معاه بتاعة مين، حياته كانت بسيطة وإنه يعيش مستور وبس». يطالع الأب الجثمان مسجيًا أمامه على تروللى، الدماء تغرق وجهه، ملامحه اختفت تمامًا، آثار ضربه البلطة توجع القلب، تنساب الدموع من عينيه كأنها شلال لا يتوقف: «دى جزاته، يعمل خير يقوم يتقتل، عمرى ما تصورت نهايته أبدًا كده، على طول كان يحكى لىّ إنهم وأصحابه بيجيبوا المدمنين برغبتهم، وأحيانًا غصب عنهم بس بيتكاثروا عليهم للشحن بالمصحة». قصاص قانونى عاجل فوجئ والد «زغلول»، بشهادة شقيقة المتهم بقتل ابنه، تقول: إنه استل السلاح متعمدًا إيذاء القادمين ناحيته لحمله إلى المصحة، وقولها في محضر الشرطة إنها التي استدعت الضحية وزملائه بناء على رغبتها وأسرتها في علاج أخيها، وإنه ليس مريضًا نفسيًا وبكامل قواه العقلية لكن المخدرات تذهب عقله. قوة أمنية، لاحقت المتهم وتمكنت من ضبطه وأمرت النيابة العامة بحبسه 4 أيام على ذمة التحقيقات، ولم يكن لدى والدة المجنى عليه سوى مطلب وحيد: «عايزه قصاص قانونى عاجل، عشان نار قلبى تبرد، مقتل ابنى حول العيد إلى كابوس».
