ترسانة أسلحة تلوث الماء والهواء والتربة.. والفسفور الأبيض يقضي على الأخضر واليابس

الصواريخ التي تدوي في سماء غزة وقنابل الفسفور الأبيض التي تسقط على رؤوس الأهالي، وكافة أنواع القذائف والمتفجرات التي وصلت إلى عدة أطنان، لم تسفر عن آلاف الشهداء فقط، بل تسببت في جريمة بيئية ربما تعيش لسنوات، فالهواء أصبح ملوثًا، والمياه غير نظيفة، حتى المياه الجوفية التي تخرج من باطن الأرض اختطلت بمياه الصرف الصحي بعد أن استهدف الاحتلال الإسرائيلي كل مرافق وسبل الحياة في غزة.
حتى التربة لم تسلم من آثار الحرب العنيفة على القطاع، فأشجار الزيتون اقتلعت من جذورها والمساحات الخضراء لم يعد لها وجود، وبحسب وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا»، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي اقتلع وحرق أكثر من 120 شجرة زيتون، تتجاوز أعمارها 130 سنة، مؤكدة أن قطع أشجار الزيتون ليس ضار بالبيئة فقط إنما هو تدمير للإرث الفلسطيني الذي يعود تاريخه إلى آلاف السنين، وفي بيان لمنظمة «هيومان رايتس ووتش»، أكدت أن الجيش الإسرائيلي استخدم قنابل فوسفورية محرمة دوليًا لما يترتب عليها من آثار خطيرة على الإنسان والبيئة، حيث تصيب بحروق مروعة عندما تتلامس موادها الكيميائية مع جسم الإنسان، كما تدمر الأشجار والمحاصيل الزراعية.
خطورة قنابل الفسفور الأبيض على البيئة، كشفها الدكتور مجدي علام أمين عام اتحاد خبراء البيئة، قائلا إنه نوع من الأسلحة المحرمة دوليًا لأنه يحتوي على مادة كيميائية تشتعل عند تعرضها للأكسجين وينتج عنها حرارة شديدة تصل إلى 815 درجة مئوية، ودخان كثيف يعمل على تلوث الهواء والتربة لفترة طويلة ويغطي مساحة كبيرة على سطع الأرض، فيحرق الأراضي الزراعية ويجعل التربة غير صالحة للزراعة خلال سنوات مقبلة.
وأوضح «علام» ل«المصري اليوم»، أن القوات الأمريكية سبق أن استخدمت الفوسفور الأبيض كسلاح حارق في معركة الفالوجا الثانية في العراق سنة 2004، «بهدف إخراج المقاتلين المختبئين، مما تسبب في احتراق المزرعة، مؤكدًا أن المياه في غزة أصبحت غير صالحة للشرب بعد أن تعرضت للقصف المتواصل من جيش الاحتلال، فاختلط الماء العذب بالصرف الصحي، بالإضافة إلى تراكم النفايات في الشوارع والطرقات وأصبح هناك صعوبة في نقلها، وترتب على ذلك تغلغل المواد السامة والعفنة التي تفرز من تلك النفايات ومخلفات المستشفيات إلى المياه الجوفية خاصة مع سقوط الأمطار.
«لا توجد أرقام واضحة عن حجم الكوارث البيئية التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع عزة»، بحسب الدكتور عبدالمسيح سمعان أستاذ الدراسات البيئية بجامعة عين شمس، ولكن من المؤكد وجود تلوث في الهواء والماء والتربة نتيجة أطنان المتفجرات التي قصفت بها غزة خلال الشهرين الماضيين.
ويرى «سمعان» في حديثه ل«المصري اليوم»، أن جميع القنابل والصواريخ التي اُستخدمت في الحروب خلال السنوات الأخيرة تحتوي على مواد كميائية سامة، تظل عالقة في الهواء لفترات طويلة وتسبب أضرارًا في الجهاز التنفسي وتصل إلى الموت في حالة استنشاق كميات كبيرة منها، كما يكون لها تأثير خطير على التربة يستمر لفترات طويلة.
وأكد أن الأشجار هي رئة الحياة وقيام جيش الاحتلال بحرق المزارع فهو يرتكب جريمين في حق البيئة، الأولى انبعاث غازات سامة نتيجة عملية الاحتراق تؤدي إلى زيادة الاحتباس الحراري، والثاني أن الشجرة الواحدة تمتص طن من الكربون في العام الواحد، فهي بذلك تلعب دورًا مهمًا في امتصاص ثانى أكسيد الكربون، وإخراج الأكسجين وتحقيق التوازن البيئي، مضيفا أن البيئة هي الشيء الوحيد الذي يشترك فيه جميع دول العالم وليس مرتبط بحدود دولة، فلا تجد حواجز للبيئة فالهواء الملوث ينتقل من دولة إلى أخرى، بالتالي ما يحدث في غزة سوف يكون له تأثير سلبي على معظم دول العالم.
وانتقد أستاذ البيئة في جامعة عين شمس، تجاهل مؤتمر المناخ العالمي C0P28 الذي يعقد حاليًا في الإمارات للوضع البيئي في غزة، وما يحدث من انبعاثات ضارة بالبيئة نتيجة الاحتراقات بقذائف الصواريخ والقنابل، بالإضافة إلى تلوث المياه والتربية وتأثير كل ذلك على المناخ خلال السنوات المقبلة، قائلا إن تلك الملوثات تؤدي إلى أكبر تغير في المناخ فلا بد من تدخل دول العالم لمواجهة خطورتها.