أسعار الذهب اليوم بعد آخر ارتفاع في عيار 21 الآن الأربعاء 29 أكتوبر 2025    وزير الاستثمار يشارك في النسخة التاسعة ل " منتدى مبادرة الاستثمار" بالمملكة العربية السعودية    نائب الرئيس الأمريكي: وقف إطلاق النار في غزة ما زال صامدًا رغم المناوشات    ثروت سويلم: لن نؤجل اي مباراة وحلمي طولان يعلم ذلك قبل توليه تدريب المنتخب الثاني    ميلان ينجو من فخ أتالانتا بتعادل مثير في بيرجامو    «على موعد مع التاريخ».. نجم الزمالك السابق يكشف نصيحة حسن شحاتة بشأن انتقاله ل الأبيض    قبل الحكم عليها.. ماذا قالت سوزي الأردنية أمام النيابة في اتهامها بنشر محتوى خادش؟    تزيد حدة الألم.. 6 أطعمة ممنوعة لمرضى التهاب المفاصل    جيسوس يدافع عن رونالدو بعد هزيمة النصر ضد الاتحاد    "أسوشيتد برس": الاستخبارات الأمريكية حاولت تجنيد ربان طائرة مادورو    باسم يوسف عن لقائه مع المؤثرين Nelk Boys: إحنا في زمن الرويبضة    سعر التفاح والموز والفاكهة في الأسواق اليوم الأربعاء 29 أكتوبر 2025    اتحاد الغرف التجارية يكشف خطته لمواجهة التخفيضات الوهمية في موسم البلاك فرايداي    " الإسكان" تفوز بجائزة دولية عن مشروع معالجة الحمأة وتحويلها إلى طاقة بالإسكندرية    الفرق الثماني المتأهلة لربع نهائي كأس خادم الحرمين    ميدو: الكرة المصرية تُدار بعشوائية.. وتصريحات حلمي طولان تعكس توتر المنظومة    ميدو يتغزل في دونجا.. ويؤكد: «غيابه عن السوبر سيؤثر على الزمالك»    تدريب طلاب إعلام المنصورة داخل مبنى ماسبيرو لمدة شهر كامل    انتشال سيارة ملاكي سقطت من ترعة بالبدرشين ونجاة قائدها بأعجوبة    افحص الأمان واستخدم «مفتاح مرور».. 5 خطوات لحماية حساب Gmail الخاص بك    الحظ المالي والمهني في صفك.. حظ برج القوس اليوم 29 أكتوبر    خبراء وأكاديميون: إعادة تحقيق التراث ضرورة علمية في ظل التطور الرقمي والمعرفي    الفيلم التسجيلي «هي» يشارك في المهرجان المصري الأمريكي للسينما والفنون بنيويورك    الثقافة: سلسلة من الفعاليات احتفاءً بافتتاح المتحف المصري الكبير طوال نوفمبر    أسامة كمال: معنديش جهد أرد على الدعم السريع.. اللي حضّر العفريت مش عارف يصرفه    باسم يوسف يشكر طارق نور وقيادات المتحدة في نهاية سلسلة حواراته ب كلمة أخيرة    انتشال جثث 18 مهاجرًا وإنقاذ أكثر من 90 شخصًا قبالة السواحل الليبية    بمكونات منزلية.. طرق فعالة للتخلص من الروائح الكريهة في الحمام    إنقاذ شخص بعد إصابته نتيجة إنقلاب سيارة في ترعة بالبدرشين    حملة مكبرة لإزالة الإشغالات والتعديات بحي شرق كفر الشيخ.. صور    أمين الحزب الاتحادي السوداني: ما يرتكبه الدعم السريع بالفاشر جرائم ممنهجة لتفتيت السودان    الوزراء: تطوير سوق العتبة عملية شاملة لتحقيق سيولة مرورية وتوفيق أوضاع الباعة    بيراميدز يعلن تفاصيل إصابة مصطفى فتحي ومدة غيابه    رسميًا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 29 أكتوبر 2025    المصرية لحقوق الإنسان تدين تصاعد الانتهاكات في مدينة الفاشر بالسودان    الدكتور خالد أبو بكر: مصر دولة قوية تحترم وتملك رصيدا سياسيا كبيرا لدى شركائها الأوروبيين    قنديل: الصراع في غزة يعكس تعقيدات المشهد الدولي وتراجع النفوذ الأمريكي    الهروب ليس الحل.. برج الجدي اليوم 29 أكتوبر    ضبط مخللات مجهولة المصدر ومواد غذائية بدون فواتير في حملات تموينية بالشرقية    ضبط شخص يظهر في فيديو يمارس البلطجة بحوزته كرباج بدار السلام    لمسة كلب أعادت لها الحياة.. معجزة إيقاظ امرأة من غيبوبة بعد 3 سكتات قلبية    قافلة طبية بالدقهلية تقدم الرعاية الصحية ل 1736 شخصًا في ميت غمر    دعاية مبكرة.. جولات على دواوين القبائل والعائلات لكسب التأييد    هيئة الدواء المصرية تبحث مع شركة «وقاية» الإماراتية تعزيز منظومة إدارة المخلفات الطبية والدوائية    أمين الفتوى: زكاة الذهب واجبة فى هذه الحالة    "فتح": الإجماع على تنفيذ اتفاق شرم الشيخ خطوة استراتيجية    اتخاذ إجراءات ضد استخدام الهاتف المحمول.. وكيل تعليمية قنا يتفقد مدارس نقادة بقنا    ما هو سيد الأحاديث؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح أعظم حديث يعرّف العبد بربه    خالد الجندي: «الله يدبر الكون بالعدل المطلق.. لا ظلم عنده أبداً»    غدًا.. انطلاق ملتقى التوظيف الأول لأسر الصحفيين بالتعاون مع «شغلني» بمشاركة 16 شركة    أذكار المساء: أدعية تمحو الذنوب وتغفر لك (اغتنمها الآن)    قبل الشتاء.. 7 عادات بسيطة تقوّي مناعتك وتحميك من نزلات البرد والإنفلونزا    رسميًا مواعيد المترو بعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025 2026 بالخطوط الثلاثة    افتتاح المبنى الإداري الجديد لكلية الهندسة جامعة الأزهر في قنا    الطائفة الإنجيلية: التعاون بين المؤسسات الدينية والمدنية يعكس حضارة مصر    بث مباشر.. مباراة الأخدود والهلال في كأس الملك السعودي "شاهدها عبر الإنترنت"    ضمن «صحح مفاهيمك».. واعظات «الأوقاف» يقدمن لقاءات توعوية لمكافحة العنف ضد الأطفال بشمال سيناء    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 2026 ومكانته العظيمة في الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الثعلب» يغادر.. واشنطن تودع «كيسنجر» مهندس «كامب ديفيد»
نشر في المصري اليوم يوم 01 - 12 - 2023

رحل هنرى كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكى الأشهر، بعد أن احتفل بمئويته في شهر مايو السابق، غادر في كامل لياقته الذهنية، وقد ظل سنوات يبدى رأيه في مجريات الحوادث، بعد أن قاد أخطر انقلاب استراتيجى في الشرق الأوسط إثر حرب أكتوبر (1973)، ليبقى إرثه ماثلا لسنوات طويلة في المنطقة العربية.
على الجانب الآخر في الصراع «العربى- الإسرائيلى»، برز اسم الكاتب الصحفى الراحل «محمد حسنين هيكل»، طرفا رئيسيا في سجال مفتوح لا يزال ممتدا حتى الوقت الحالى، والقصة بين الرجلين بدأت في عام 1972.
لقاء «الأستاذ» ب«كيسنجر» في ألمانيا
تداولت وكالات أنباء وصحف عالمية وعربية، أن لقاء متوقعا قد يحدث بعيدا عن الأنظار في ألمانيا، بين الدكتور هنرى كيسنجر، مستشار الأمن القومى الأمريكى آنذاك، والكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير الأهرام، في ذلك التوقيت، برعاية مستشار ألمانيا «فيلى برانت»، حسبما يذكر الكاتب الصحفى عبدالله السناوى في كتابه «أحاديث برقاش- هيكل بلا حواجز»، قائلًا: «زكّى تلك المعلومات أن هيكل التقى في ذلك الوقت المستشار الألمانى، وكان كيسنجر عنده قبلها بأيام».
أدى تداول القصة على هذا النحو إلى معركة بين «هيكل» وآخرين تجاهل الكاتب الكبير ذكرهم في مقال كتبه في 29 ديسمبر 1972 بعنوان «أنا وكيسنجر- مجموعة أوراق»، لكن مجريات الأحداث كانت تفصح عنهم بوضوح. يذكر «السناوى» أن «برانت» سأل «هيكل»: «ماذا تريدون بالضبط؟»، ثم سأل: «هل سوف تلتقى بهنرى كيسنجر؟»، مشيرا إلى أن طريقة تفكيرهما متقاربة، وأجاب هيكل عن السؤال الأول بشرح مسهب للوضع السياسى في الشرق الأوسط، والسؤال الثانى أجاب عنه بالنفى القاطع «هذا ليس وقته».
يذكر «السناوى» أن الطريقة المستقلة التي تصرف بها «هيكل» ضايقت الرئيس الراحل محمد أنور السادات، فقد اعتذر عن لقاء كيسنجر دون أن يخطره بالدعوة، أو يتفاهم معه قبل اتخاذ أي موقف، وبأثر ذلك منح السادات في الأيام الأخيرة من عام 1972 الضوء الأخضر لرئيس تحرير الأخبار موسى صبرى، لكتابة مقال أراد فيه أن يقول: «القلم الوحيد» يوشك على الأفول، وأن العهد الجديد له رجال جدد، ليس بينهم ذلك القلم الذي يضفى على نفسه أهمية ليست له.
نشر «موسى صبرى» مقاله يوم جمعة، في ذات اليوم الذي يطل فيه «هيكل» على قرّائه بمقاله الأسبوعى «بصراحة»، ووفقا ل«السناوى»: «كانت الاتهامات مرسلة، ويسهل تفنيدها، لكنه لم يقترب منها، غير أن عبارة واحدة دعته للرد في الجمعة التالية، تقول العبارة التي استوقفته إن «هيكل» فوت خبرا على جريدة يمينية في بيروت من أبواق الداعية له يقول إنه طائر إلى ميونخ لعقد اجتماع سرى مع كيسنجر مستشار الأمن القومى الأمريكى، وتنقل وكالات الأنباء الخبر الكبير، ويصدر كيسنجر تكذيبا رسميا له. يكتب «هيكل» رده العاصف، بعنوان «أنا وكيسنجر- مجموعة أوراق» ويسند فيه كل حرف كتبه إلى وثائق ومراسلات وشهود، ويذكر «السناوى»: «بالمراسلات والشهود روى أن «دونالد كاندال» رئيس مجلس إدارة شركة «بيبسى كولا» والصديق الشخصى للرئيس الأمريكى «نيكسون» طلب أن يقابله حتى يسمع منه رؤيته لأزمة الشرق الأوسط، ووسط صديقهما المشترك المحامى الشهير «زكى هاشم» لإتمام هذه المقابلة.
كان تقدير «كاندال»، حسب ما يقول سعيد الشحات في كتابه «ذات يوم»، أن هناك أوجه تشابه بين «هيكل» وكيسنجر يفضل معها أن يلتقى الرجلان، ونقل تقديره إلى الرئيس الأمريكى، الذي التقى «هيكل» من قبل، فوافقه على ما توصل إليه، وكان كيسنجر نفسه شغوفا بلقاء هيكل بتأثير ما قرأ له وما سمع من أنهما لهما نفس طريقة التفكير، وتوالت الرسائل الأمريكية تلح على الفكرة، وتولى نقلها السفير أشرف غربال، القائم بأعمال المصالح المصرية في واشنطن، والدكتور محمد حسن الزيات، رئيس الوفد المصرى بالأمم المتحدة، موجهة إلى الدكتور محمود فوزى رئيس الوزراء ومنه إلى الرئيس السادات.
استشهد «هيكل» في مقاله بكل أطراف القصة وجميعهم كانوا لا يزالون في مناصبهم، ونشر نص الخطاب الذي أرسله «الزيات» إلى الدكتور محمود فوزى ومنه إلى السادات، واختتم مقاله، قائلا: «ليست لدى أحقاد قديمة أو جديدة أتلوى بتقلصاتها، وليست هناك سلطة أضع نفسى تحت مظلتها، أو أرضى بذلك لنفسى أو لها، لم أشتم أحدا، ولم أسق الكلام غامضا وجزافا، ولم أدع على الناس غير ما قالوه ثم أروح أناقشهم فيما ادعيته عليهم بصرف النظر عما قالوه، ولم أنسب للغائبين ما لم يجر على لسانهم، إنما رويت عن أحياء أقوياء ونسبت إليهم- بخط أيديهم وبألسنتهم- وفى استطاعة أي واحد منهم أن يناقض ما رويت، وفى النهاية فلقد وضعت نقطة واحدة على حرف، والحروف كثيرة والنقط أكثر، وليس عن عجز إنما عن عفة، «أقولها بغير تواضع وبغير ادعاء!»، ويقال لنا إن بعض ما نقرأ اليوم من صيحات المعركة وضروراتها، وأتذكر كلمة الأديبة الفرنسية الشهيرة مدام دى ستايل، عندما كان حكم الثورة الفرنسية يتراجع إلى الخلط بين الحرية والإرهاب ماديا أو معنويا، وكانت كلمة مدام دى ستايل بالأسى كله: «أيتها الحرية كم من الجرائم يرتكب باسمك»، ولعلى أطورها بالمناسبة لكى تصبح أيتها المعركة كم من الجرائم ترتكب باسمك!».
يضيف «السناوى»، أن السادات غضب مما كتبه «هيكل»، وأبلغه أن رقابة ستُفرض على مقالاته، لكنه مانع بحسم، واستأذن الرئيس في رحلة سفر إلى شرق آسيا مع وفد من كبار الصحفيين والباحثين في الأهرام، وابتعد لفترة طويلة نسبيا، وخلال الفترة بين 5 أكتوبر 1973، حتى أول فبراير 1974، قبل حرب أكتوبر بيوم إلى قبل خروجه من «الأهرام» بيوم، كتب «هيكل» مجموعة مقالات أسست للقطيعة النهائية بينه وبين السادات ضمها فيما بعد كتاب: «عند مفترق الطرق».
وقبل أن يصل كيسنجر القاهرة لأول مرة، طالع المقالات، وللمفارقة أبدى إعجابا شديدا بمنطقها عندما قابل «هيكل»، وشارك الأخير بصورة أو أخرى في المفاوضات معه، في المحاولة الأولى لفك الارتباط الثانى، وقد جرت بأسوان في مارس عام 1975. يقول هيكل: «لم تنجح هذه المحاولة، ولم أكن شديد الأسى على فشلها، بل إننى أحب أن أتصور أنه كان لى نصيب- ولو ضئيل- في إفشالها»، لكنه لم يخفِ إعجابه بقدرات كيسنجر، ورغم ذلك حذر كثيرا فيما يشبه الإلحاح من الوقوع في أفخاخه، وإضاعة ثمار العمل العسكرى والتضحيات التي بذلت في ميادين القتال.
اتصالات السادات وكيسنجر
تواصلت الاتصالات بعد ذلك بين السادات وكيسنجر، ويقول «الأستاذ» إنه كان أول من تحدّث عن هذه الاتصالات في حديثه لصحيفة «الأهالى» عام 1983، وقال «الأستاذ» إن ذلك كان قبل أن ينشر كيسنجر كتابه «سنوات القلاقل» الذي تحدّث فيه عن هذه الاتصالات، وقد ردّ عليه الدكتور عبدالمنعم سعيد في «الأهرام» في مقال بعنوان «تعليق لا بد منه على مقال الأستاذ هيكل»، وكان من بين الردّ، أن الرئيس عبدالناصر كان قد سمح بقناة اتصال بين مصر وأمريكا عقب هزيمة 1967، وأن الفريق أول أمين هويدى قد ذكر في كُتبه أن قناة الاتصال بين مصر وأمريكا بدأت عام 1968، وكان من بين الردّ أيضًا أن كتاب كيسنجر «سنوات القلاقل» قد صدر قبل أحاديث «الأستاذ»، فقد صدر كتاب كيسنجر عام 1982، أىْ قبل حديث «هيكل» بعامٍ كامل!.
كيسنجر يصف السادات ب«بهلوان» ويتراجع معترفا: «داهية سياسى»
في كتابه «أكتوبر 1973- السلاح والسياسة» يتناول هيكل اللحظات الحرجة سياسيا وعسكريا من لحظة وفاة عبدالناصر وتولى السادات التحضير لمعركة الحسم، ويستعرض بالوثائق كواليس السياسة الخفية لإحلال السلام قدر الاستطاع، دون اللجوء للحرب، بالإضافة إلى المشاكل مع الاتحاد السوفيتى.
يحكى «الأستاذ» في مقدمة الكتاب أنه حصل على بعض هذه الوثائق من الرئيس الراحل محمد أنور السادات في أعقاب الواقعة الشهيرة والمعروفة بمراكز القوى، وبعضها عثر عليها بطريقة أو بأخرى، وهى عبارة عن مراسلات دارت بين الرئيس السادات ووزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، هنرى كيسنجر، خلال عام كامل، وهو عام 73 الذي شهد حرب أكتوبر، كانت هذه الوثائق سببًا لغضب السادات من «الأستاذ» عندما علم في أثناء زيارته للولايات المتحدة في سبتمبر عام 1975 أن هيكل حصل عليها.
قبل 6 أكتوبر فإن «هنرى كيسنجر» كان يتهرب من السادات ويصفه بأنه «بهلوان سياسى»، وبعدها فإن لم يعد في مقدور أحد- بمن فيهم «هنرى كيسنجر»- إلا أن يعترف له بأنه «داهية سياسى».
كيسنجر يشعر بالقلق في طائرته إلى القاهرة
شعر كيسنجر ببعض القلق، وهو في الطائرة التي تحمله إلى القاهرة للقاء الرئيس السادات يوم 13 ديسمبر 1973، فلماذا كان على قلق وهو في الطائرة؟، وكيف وجد الأجواء في القاهرة؟.
يجيب محمد حسنين هيكل بقوله، إن كيسنجر عقد مؤتمرا سريعا لمجموعة الصحفيين المرافقين له في أثناء الرحلة، وكان عددهم ازداد، لأن أزمة الشرق الأوسط ودور كيسنجر فيها راحت تحتل كل عناوين الصفحات الأولى، ومكان الصدارة في نشرات الأخبار على الإذاعة والتليفزيون.
ينقل هيكل عن كيسنجر في الجزء الثانى «سنوات القلاقل» من مذكراته، أن وزير الخارجية الأمريكية شعر «ببعض القلق وهو في الطائرة، لأنه تلقى نص مقال نشرته «الأهرام» يحذر من رفع حظر البترول العربى قبل انسحاب الإسرائيليين من كافة الأراضى العربية، وأقلقه في المقال عبارة جاء فيها: «إن حل أزمة الشرق الأوسط لا يكمن في العثور على صياغات لدبلوماسية مغلفة بمعان مزدوجة تتيح لكل طرف أن يفسرها على النحو الذي يخدم أهدافه»، تساءل كيسنجر ما إذا كان هذا الرأى يعبر عن نفاد صبر في القاهرة سوف يجده في انتظاره، وقد راح في مؤتمره الصحفى في الطائرة يدافع عن نفسه قائلا: «إننى لا أتبع سياسة مكيافيلية».
يؤكد هيكل، أن قضية حظر البترول العربى ضد أمريكا والدول الأوروبية المساندة لإسرائيل في أثناء حرب أكتوبر، كانت واحدة من أهم القضايا التي تباحث بشأنها كيسنجر في زيارته الأولى إلى مصر 7 نوفمبر 1973، وحصل على وعد من السادات بتدخله لدى الدول العربية لرفعه، ولهذا فإن القلق ساوره حول ما إذا كان السادات يسحب وعوده في هذا المجال. غير أنه وطبقا لهيكل: «هدأت أعصابه عندما قابل السادات في استراحة القناطر الخيرية، ووجد أن عواطفه مازالت حيث تركها في اللقاء السابق يوم 7 نوفمبر؛ بل لعلها زادت، فالسادات استقبله معانقا ومقبلا، وقائلا له أمام الجميع بمن فيهم الصحفيون إنه «يعتبره أكثر من صديق، يعتبره أخا»، يعلق «الأستاذ»: «أصبح تقبيل كيسنجر بعدها عادة حتى إنه يروى في مذكراته، أنه قال للرئيس «نيكسون» إنه أصبح يشك في نفسه بسبب كثرة من قبلوه من الرجال في مصر».
انتهى اجتماع «13 ديسمبر» بموافقة «السادات» على خطة كيسنجر، بعد أن استطاع وزير الخارجية الأمريكى إقناعه بأن «جولدا مائير» رئيسة الحكومة الإسرائيلية لا تزال مهزوزة الأعصاب، لا تصدق أن السلام يطرق أبواب إسرائيل، وخير ما يفعله الآن هو أن تطمئن طوال الوقت، وقد أفزعها ما لاقوه في الحرب، وهى في حاجة إلى أن تستعيد ثقتها بالناس، ولا بد لها من وقت لتنسى ليالى الفزع التي عاشتها في بدايات الحرب، يؤكد «هيكل»: «تحمس الرئيس السادات ومضى إلى أكثر مما طلب إليه كيسنجر، وقرر أن يبعث برسالة مكتوبة بخط يده إلى «جولدا مائير»، وكتبها أمام كيسنجر، وسلمها له ليقوم بتوصيلها، جاء في الرسالة بالنص: «عندما أتكلم عن السلام الآن فأنا أعنى ما أقول، إننا لم نتقابل من قبل، ولكن لدينا الآن جهود الدكتور كيسنجر، فدعينا في هذه الأوقات نستخدم هذه الجهود ونتحدث إلى بعضنا من خلاله».
يذكر «هيكل» نقلا عن مذكرات كيسنجر، أن الرئيس السادات قال له إنه يوجه هذه الرسالة إلى جولدا مائير، لأنه خلال الأسابيع ال 4 الأخيرة أصبح مقتنعا بالرأى الذي سمعه منه، وهو أن مشكلة السلام مع إسرائيل هي بالدرجة الأولى عقدة نفسية، ولكن العقدة ليست مقصورة على الطرف الإسرائيلى وحده، وإنما الأطراف العربية هي الأخرى مصابة بها، ثم أضاف «السادات»، أنه سوف يمضى في الطريق وحده إذا اقتضى الأمر، وفهم كيسنجر معنى الإشارة، وترجمها على الفور بأن السادات عقد عزمه على صلح منفرد مع إسرائيل إذا لم يكن هناك سبيل آخر، ثم روى كيسنجر أن الرئيس السادات سأله بعد ذلك فجأة: «عما إذا كان يعتقد أن جولدا مائير قوية إلى درجة كافية لعقد اتفاقية سلام معه»، رد كيسنجر عليه: «إذا كنت تبحث عن القوة فإن مائير هي رجله».
ممهد كامب ديفيد
وابتداءً من يناير 1974، ذهب كيسنجر إلى الشرق الأوسط 11 مرة للترويج لاتفاقيات فض الاشتباك العسكرى التي من شأنها تسهيل حقبة جديدة من مفاوضات السلام. وتمكن من عقد اتفاق فض الاشتباك الأول في سيناء في يناير 1974، ومثله في الجولان في مايو من العام نفسه، وفى الاتفاق الثانى بين مصر وإسرائيل في سبتمبر 1975، بدأ الانتقال من الترتيبات العسكرية إلى تفاهمات سياسية غير مسبوقة، فقد نصت المادة الأولى فيه على اتفاق الطرفين على (أن النزاع بينهما وفى الشرق الأوسط لا يُحلُ بالقوة بل بالوسائل السلمية)، وأن الهدف هو (سلام عادل ودائم وفقاً لأحكام القرار 338).
ورغم أنه لم يُقدر ل«كيسنجر» أن يواصل البناء على الأساس الذي أرساه، إلا أنه لم يكن ممكنا الوصول إلى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل من دون ما فعله، ولهذا فهو يعتز بدوره ذاك، بل تمنى لو أنه نال نوبل للسلام عنه، وليس عن مهمته السلمية في فيتنام قبله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.