في اليونان فقط، يمكنك التسوق والحصول على كافة احتياجاتك، دون أن يكون لديك مليماً واحداً. فقد أدت السياسة التي انتهجتها الحكومة اليونانية من خفض في الرواتب وزيادة الضرائب إلى قيام بعض اليونانيين بالبحث عن طرق مبتكرة للتعامل مع المشهد الاقتصادي، الذي تغير جذريا. ففي مدينه «فولوس»، التي تبعد 350 كلم عن العاصمة أثينا، لجأ الأهالي منذ بضعة شهور، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، إلى واحدة من أقدم نظم التبادل التجاري التي عرفتها البشرية، وهي «المقايضة»، التي يتم خلالها استخدام وحدة محلية لتبادل السلع، بدلاً من اليورو (المتداول) والدراخما (الملغاة)، وسميت هذه العملة الجديدة تيم (تعادل 1 يورو)». بدأت شبكة «فولوس» للمقايضة ب 4 أشخاص، والآن وصلت إلى أكثر من 500 عضو، ونظامها يمزج بين العملة البديلة، والمقايضة، والسوق المفتوحة، فهو يقوم على مبادلة السلع بما يمكن تقديمه من خدمات، مثل رعاية الأطفال، وصيانة الأجهزة، وإعداد الوجبات المنزلية، عن طريق تبادل وحدات من العملة تحمل ختما خاصا، يصعب تزويره. ويعبر المتعاملون عبر شبكة المقايضة هذه عن سعادتهم، مؤكدين أن أي يوناني فقير يمكنه الآن التسوق والحصول على كافة احتياجاته، دون القلق من عدم وجود مال لديه، بل إن أي شخص يمكنه الالتحاق بالمجموعة والاشتراك في نشاطها عن طريق شبكة الإنترنت، بملأ قاعدة بيانات خاصة بالأعضاء. وفي حديث ل «المصري اليوم»، علق «نيكوس ماجيناس»، الخبير الاقتصادي في البنك الوطني اليوناني، على نشاط هذه الشبكة، قائلا «من واجب الحكومة تدعيم هذه الشبكات، ولو عن طريق الاعتراف بها على أنها منظمات غير ربحية. برأيي أن مثل هذه الشبكات ستقوم بمعالجة كثير من الفجوات التي تعجز الحكومة عن حلها، بالرغم من ضخامة القطاع العام فيها». وأضاف «هذه الشبكات ستلبي احتياجات قطاع كبير يحتاج إلى المساعدة، في حين يتعذر على الحكومه مد يد العون نتيجة الظروف التي تمر بها البلاد». وبالفعل، يحظى هذا النظام بدعم رسمي، إذ يؤكد رئيس بلدية «فولوس»، «بانوس كوستاديني»، أن البلدية تدعم هذه المبادرة، خاصة وأنها لا تتعارض مع النظام الاقتصادي لليونان. ويؤكد أن مؤسسي الشبكة ليست لهم أي برامج سياسية قد تضر بمصلحة البلاد، ولا أهداف اقتصادية سوى تسهيل مبادلاتهم التجارية. وأشار إلى أنهم لا ينخرطون مثلا في الحملات الداعية إلى إخراج اليونان من منطقة اليورو والعودة إلى استخدام الدراخما. بل إنه وفي حالة تردي الأزمة المالية في اليونان، سيكون أعضاء هذه الشبكة الناجين الوحيدين من أضرارها، لأنهم سيكونون مستعدين للتعامل مع الوضع. وعن مدي جديتهم في استمرار التعامل بهذه الطريقه، التي بدأت قبل بضعة أشهر، يقول «آراي متياليس»: «إن استمرارنا نابع من وجود الثقه فيما بيننا، لأننا أبناء مدينة واحدة. لكن في الوقت نفسه، لم ننتشر بما فيه الكفاية بعدم، نظرا لعدم قدرة الشبكة على تقديم كافة التخفيضات في كل المجالات، لكني أرى أن كثير من الناس سينضمون إلى الشبكة مع الوقت، لأنها توفر الإحساس بالانتماء للمجتمع واحترام الذات».