«مقتول بطلق آلى في الرأس».. الرحلة الأخيرة ل«سائق بركة السبع» تنتهى وسط أرض زراعية

شابة تندب حظها، حولها طفلاها، لا تدرى ماذا تصنع لهما بعد أن قُتل رب الأسرة- سائق- غدرًا في رحلته الأخيرة ب«توك توك» لتوصيل «زبون» استدرجه إلى مكان ناءٍ وسط أرض زراعية في بركة السبع بالمنوفية، حيث لا أحد يمر بعد أذان المغرب، وبمعاونة اثنين آخرين قتلوه بطلق نارى اخترق الرأس ليعثر الفلاحون على الجثة صباحًا.
أبلغت الزوجة الشرطة بتغيب زوجها بعد مرور 48 ساعة من عدم عودته إلى المنزل، 48 ساعة مرت عليها وهى في جحيم خوفًا من حدوث مكروه لزوجها وعائلها الوحيد، أخبرت الشرطة الزوجة التي كانت تجلس بشقتها في انتظار عودة «راجل البيت» بالكارثة، وأن زوجها عُثر عليه مقتولًا بطلق نارى، وبعد ساعات من الحادث ضبطت أجهزة الأمن مرتكبى الواقعة، وكشفت التحريات أنهم من أرباب السوابق.
لم تمنع إصابة باهر عزوز، 35 عامًا، بعجز في قدمه اليمنى استلزم تركيب شرائح ومسامير بسبب حادث سير من استمراره في العمل، وفق زوجته: «كان حمّال قسِيّة، بعد وفاة والديه متفحمين في حريق شقتهما بتسريب الغاز الطبيعى، أصبح سندًا لشقيقيه ال2- أصغرهما 15 عامًا، بجانب إنفاقه على بيته وطفلينا (آمال)، 6 سنوات، و(رضا)، سنتين، فلا سبيل له للراحة يومًا واحدًا، فالجميع أصبحوا عبئًا معلقًا في رقبته لا يستطيع التنصل منه، فضلًا عن أنه كان يرى أن ما يفعله واجب عليه، وأنه سيفعل ما بوسعه حتى يصبح شقيقاه الصغيران قادرين على تحمل مسؤولية نفسيهما، وينجح في العبور بطفليه إلى بر الأمان».
ودع «باهر» زوجته قبل خروجه إلى العمل، وكأنه يستشعر خطرًا، إذ أوصاها: «خلِّى بالك من العيال»، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يوصى فيها زوجته، لكنه هذه المرة كررها عدة مرات وكأنه يعلم ما يخفيه له القدَر، انتظرته مساءً على الغداء لم يأتِ ولما حان وقت العشاء اتصلت به، وجدت هاتفه مغلقًا، بعد أن «كنسل» عليها على غير عادته، كانت الدقائق تمر عليها ساعات، ومذاق الطعام أضحى مُرًّا في حلقها، والنوم يطير من عينيها، ومر يومان على هذا الحال حتى قررت إبلاغ الشرطة بتغيب الزوج في ظروف غامضة، الابن الأكبر يبكى، حتى بُحَّ صوته وهو ينادى: «فين بابا؟!» عبارة كانت تجعل الأم تعتصر ألمًا على غياب الزوج والسند.
أحد أعضاء فريق البحث الجنائى يطلب منها التوجه إلى مشرحة مستشفى الحميات للتعرف على جثة الزوج المقتول بطلق نارى، أُصيبت الزوجة بلوثة أفقدتها توازنها، عقب سماعها الخبر، تقول له غير مصدقة: «جثة، جثة مين دى؟!»، وتستبعد قتله: «مش معقول يموت كده، عمره ما عمل حاجة وحشة في حد!»، لكنها هرولت إلى المشرحة وهى تُحدث نفسها بعبارات غير مفهومة من شدة الصدمة، وطالعت «أبوالعيال» مُسجى أمامها على «تروللى»، ورأسه يقطر دمًا، وملامحه هادئة، وترتسم على الوجه ابتسامة كأنه «ارتاح خلاص»، تتشبث بملابسه، وتصرخ: «مين عمل فيك كده؟!».
كاميرات المراقبة، تكشف لغز الجريمة، وترصد توقف «عزوز» تحت الكوبرى العلوى في قويسنا، وركوب اثنان «التوك توك» رفقته، وفى منتصف الطريق ينزل أحدهما، ويكمل الآخر معه حتى منطقة الخضراوية التي تبعد مسافة 15 كيلومترًا من مكان الكوبرى، حيث العثور على جثة السائق مضروبًا بالنار ببندقية آلية.
وعند ال11 مساءً، كانت زوجة «عزوز» تكرر الاتصال، لتزداد حيرتها بإغلاق الهاتف بعد رنين مستمر وكنسلة دائمة، ولما لقاه الفلاحون ميتًا اتصلوا على الشرطة التي حضرت رفقتها الأدلة الجنائية وبتعميم صوره على أقسام الشرطة، اٌستدعت السيدة الثلاثينية للتعرف على الجثة لتنهى إجراءات التصريح بالدفن غير متصوره ما ألم برب الأسرة: «ده خرج على أكل عيشه رجع لنا مقتول، وبيتنا اتخرب من بعده».
رأت الزوجة، آثار الطلق النارى الذي أخترق رأس «عزوز»، وسمعت من المحققين أنه أحدث فتحة دخول وخروج وكان مصدره سلاحًا آليًا، فارتعبت وقالت: «(التوك توك) إحنا شاريناه بعرق الجبين والتقسيط، ومش معقول كان جوزى يفرط فيه أكيد قاوم الجناة حتى الموت».
أمام نعش المجنى عليه، يتوقف طفلاه مع أمهما تحملهما، ملتاعة «يرضى ربنا اللى حصل ده؟ّ!، ساب ليا طفلين هيفضلوا طول عمرهم بيسألوا: (بابا فين؟) وأنا أدفع سنين عمرى أحاول أعيش دور الأم والأب، إحنا ناس غلابة، أولاد الحرام ملقوش غيره يعملوه فيه كده».
النيابة العامة باشرت التحقيقات، وتوصلت إلى أن مرتكبى الجريمة يتاجرون في المواد المخدرة، وباعوا «التوك توك» الخاص بالمجنى عليه لعميل سيئ النية، كما أصدرت قرارات عدة، من بينها رفع ما عُثر عليه من آثار فوارغ بموقع الجريمة ومضاهاتها بالمستخرج من جسد المجنى عليه، واستعجال الطب الشرعى بشأن تحديد سبب الوفاة وتوقيتها وكيفية حدوثها وتحديد مسافة إطلاق النار.