يتعامل الكثيرون مع تلك الورقة الموجودة داخل علب الأدوية باستهانة، فهى عادة ما تكتب بخط صغير، كما أن التفاصيل الدوائية العلمية لا يمكن فهم الكثير منها، والأهم أننا كأشخاص لدينا ثقة بشكل أو بآخر بأنه ما دام الدواء يُصرف من خلال وصفة طبية وتحت إشراف طبيب متخصص فنحن بأمان، وهى الثقة التي لا يمكن أن تستمر على إطلاقها بعد مشاهدة مسلسل Painkiller «مسكن الألم». مسلسل Painkiller القصة التي يقدمها مسلسل Painkiller مأخوذة عن قصة حقيقية عن انتشار «وباء الأفيون» في الولاياتالمتحدة، وهو مصطلح يشير إلى زيادة انتشار تعاطى المواد المصنعة التي تحتوى على أفيون، وتسبب الإدمان، ويتم الحصول عليها بوصفات طبية، ويتناول المسلسل على وجه التحديد قصة عائلة ساكلر الأمريكية وشركتها المنتجة لعقار أوكسى كونتن OxyContin. كانت الأزمة التي سببتها عائلة ساكلر داخل المجتمع الأمريكى كبيرة بالفعل، وامتد النزاع القضائى مع الشركة لسنوات، وكانت «ساكلر» الرابح في أغلب الجولات، بل إنها بعد كل معركة قضائية تحسم لصالحها تزيد من مبيعاتها وتتزايد نسب الإدمان لعقارها الأشهر أوكسى كونتن، وتتزايد معه المآسى الإنسانية، والتى تنتهى في كثير منها بحالة وفاة. وربما هذا ما دفع إلى ظهور قصة أسرة ساكلر في الكتب، وأشهرها Empire of Pain: The Secret History of the Sackler Dynasty للصحفى باتريك رادن، وفى الأفلام الوثائقية كما في فيلم «جريمة القرن» The Crime of the Century، الذي قدمته HBO عام 2021، وهو الفيلم الذي عرض وثائق مسربة، ومقابلات حصرية، وشهادات واقعية من ضحايا الإدمان على المواد الأفيونية. مسلسل Painkiller وفى نفس العام أنتجت شبكة Hulu مسلسل Dopesick عام 2021، وهو المسلسل الذي أشاد به النقاد بشكل كبير، وهذا الشهر بدأت شبكة نتفليكس عرض مسلسل Painkiller، والذى سريعا ما أصبح في قائمة الأكثر مشاهدة. قصة عائلة ساكلر، وحتى اسم دواء أوكسى كونتن غير معروفين في مصر، وفى مسلسل Painkiller وفى بداية كل حلقة من الحلقات ال6 تظهر سيدة أو رجل ليخبرنا بأن المسلسل مبنى على أحداث حقيقية، لكن تم تغيير بعض الشخصيات والأحداث لدواع درامية، لكن قصة ابنهم ومعاناته مع الإدمان حقيقية وانتهت بفقدانه، وهو ما يدخلك في قلب الأحداث. تبدأ أحداث المسلسل من عام 2019، وهو العام الذي تحركت فيه آلاف الدعاوى القضائية ضد «بيردو فارما»، ووسط رغبة المحققين في فهم أبعاد القضية كان عليهم الاستعانة ب «إدى فلاور»، المحققة التابعة لمكتب المدعى العام الأمريكى، والتى شاركت لفترة طويلة في التحقيقات في قضية شركة «بردو» لتعود بنا الأحداث إلى نقطة البداية، وأسرة «ساكلر»، المكونة من 3 أشقاء من الأطباء، لكن يبرع فيهم آرثر الذي يدرك أن قوته في القدرة على الترويج والإقناع، فيبدأ في تأسيس عدد من الشركات، ومنها شركة أدوية بيردو التي لا تنتج سوى عقارا واحدا لتخفيف ألم مرضى السرطان، ومع موت آرثر يرث إمبراطوريته، والأهم موهبته في البيع والترويج، ابن أخيه ريتشارد عام 1987، ليضع خطة لتطوير العقار الذي تنتجه الشركة ليكون أوسع انتشارا، ويتم وصفه لقطاع أكبر من المرضى. مفتاح ريتشارد ساكلر لنجاح حملته الترويجية للعقار الجديد، والذى حمل اسم «أوكسى كونين»، كان اللعب الدائم على الغرائز الإنسانية، والرغبة في التخلص من أي شىء يمكن أن يسبب الألم ليحقق المتعة الدائمة، لم يقتصر الأمر على مخاطبة المرضى ممن يريدون تخفيف آلامهم فحسب، فحملته مجموعة من الحلقات المترابطة، بداية من اختيار الفتيات المثيرات وتدريبهن بشكل مكثف على الترويج لأوكسى كونتن لدى الأطباء، مستغلا أعمارهن الصغيرة، ورغبتهن في تحقيق أموال كثيرة والتواجد وسط حالة الزخم الإعلامى التي خلقها إطلاق العقار الجديد، كذلك رغبة الأطباء في الثراء والحصول على الهدايا والظهور الإعلامى، والقدرة على التهوين من جملة صغيرة كتبت داخل الإرشادات الخاصة بالمنتج، وهى أنه «لا يسبب الإدمان إلا في حالة 1% فحسب»، وهى بالطبع نسبة صغيرة. في مسلسل «Painkiller» فتحت عبارة «لا يسبب الإدمان إلا في حالة 1% فحسب» مساحة جدل كبيرة أثارتها «إدى فلاور»، المحققة التابعة لمكتب المدعى العام الأمريكى، أثناء تناولها لقضية شركة بردو، ففعليا أي عقار يتم تداوله لا بد من حصوله على الإجازة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA، وهى إدارة حكومية، ومثل غيرها في الجهات المشابهة، يراجع الموظفون ما تمنحهم له الشركة التي طلبت الترخيص من بيانات ونتائج الاختبارات دون اختباره ومراجعته بأنفسهم، وحتى في حالة ظهور شخص يدقق في التجارب ويرفض منح الترخيص مثل كيرتس رايت، موظف FDA في حالة أوكسى كونتن، فالشركة تستطيع الوصول لتسوية معه للحصول في النهاية على إجازة العقار. مزج المسلسل بين الدراما التخيلية والأحداث الحقيقية، ليقدم شخصيات ريتشارد ساكلر، رئيس شركة بيردو، والذى يعانى من تخيلات وهلاوس بوجود مثله الأعلى، وهو عمه آرثر، ليرشده أو يدله على الطريق الصحيح، وأحيانا ليعنفه إذا أخطأ، كذلك طرح المسلسل نموذجين مختلفين لمندوبات المبيعات، وهما شانون شيفر، وبريت هوفر، يجمعهما حب المال والرغبة في الثراء السريع، لكنهما اختلفتا في القدرة على تحمل رؤية موت الآخرين بسبب عملهما، أيضا عرض المسلسل نموذجا لتجربة أحد المرضى ومعاناتهم، بداية من ظروف الإصابة وسبب إدمانهم لعقار أوكسى كونتن، كما في حالة جيلن كريجور. تنقل المخرج بين شخصيات العمل لينقل حكاية كل منهم وكيف تشابكت حياتهم وقادتهم في النهاية ليكونوا إحدى حلقات خطة عائلة ساكلر في ربح المليارات من وراء عقار يسبب الإدمان، والحقيقة أن المسلسل نجح في خلق حالة من التعاطف مع كل أغلب الشخصيات التي وقعت في فخ أوكسى كونتن وأسرة ساكلر، فالألم أيا كان، سواء كان فقرا أو ألما جسديا أو حتى هموم وألما نفسيا، قد يدفعك للدخول في طريق لا ترى مشاكله، كما أن الإحساس باختفاء هذا الألم وأنه أصبح جزءا من الماضى قد يضع غمامة أمام عينيك، فلا ترى الإشارات ولا تسمع لمن حولك. المسلسل اعتمد على طريقة النقلات الزمنية والسردية، ففى كل حلقة يجد المشاهد نفسه ينتقل بين الوقت الحاضر في غرفة الاستماع لشهادة المحققة «فلاورز»، ثم العودة إلى بداية التسعينيات، وبداية الألفية، وأيضا النقلات في تتبع حكايات الشخصيات التي نادرا ما تلتقى أو تجمعهم علاقة مباشرة، لكن ما يربطهم جميعا هو علاقاتهم بعقار أوكسى كونتن. ربما تكون قصة شركة بردو وعائلة ساكلر قد رويت لأكثر من مرة، سواء في الأخبار أو من خلال الدراما، لكن المؤكد أنه مع تقارير منظمة الصحة العالمية، والتى تفيد بوفاة نصف مليون شخص في العالم بسبب تعاطى المخدرات، وارتباط أكثر من 70% من هذه الوفيات بتعاطى المواد الأفيونية، يجعل قصة عقار أوكسى كونتن، والخداع الذي قامت به الشركة المنتجة للأدوية، تستحق أن تروى وربما أكثر من مرة. مسلسل «مسكن الألم» بطولة ماثيو برودريك وأوزو أدوبا، ووست دوشوفنى ودينا شهابى.
