لم أكن بحاجة إلى محرك البحث الشهير (جوجل) على شبكة الإنترنت، لأستعيد ما نشرته الصحافة القومية بحق تركيا وزعمائها أثناء أزمة أسطول الحرية.. لاتزال مقالات بعض الكتبة الحكوميين بهذا الخصوص طازجة فى الذاكرة، خاصة أولئك الذين بذلوا جهدا وفيرا لإقناعنا بأن خطر (العثمانيين الجدد) على العرب أكبر بعشرات المرات من خطر إسرائيل!.. هكذا، مرة واحدة، بلغ توتر الأعصاب مداه، فأصاب هؤلاء بالعمى اللونى، وجعلهم يدخلون فى حالة (هرتلة) ساذجة ومضحكة فى آن واحد.. والسبب حسب رؤيتهم الثاقبة أن تركيا تسعى لزيادة نفوذها فى الشرق الأوسط على حساب مصر!.. دعك من حق تركيا أو أى دولة أخرى فى تعزيز وجودها وتنشيط دبلوماسيتها، دفاعا عن مصالحها القومية، وتساءل معى: ما الذى يبرر رسم رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوجان على غلاف مجلة قومية فى صورة كاريكاتورية كأحد سلاطين الإمبراطورية العثمانية، فيما تزدحم صفحات المجلة بملف دسم هدفه الرئيسى إقناعك بأن أردوجان فى وقتنا الراهن هو الشيطان الأكبر بعينه! تذكرت ذلك أثناء متابعة حفل تخرج طلاب الكلية الحربية، الأسبوع الماضى، الذى حضره الرئيس التركى عبدالله جول بدعوة من الرئيس حسنى مبارك!.. حملتْ تلك اللفتة الذكية الكثيرَ من المعانى، أهمها أن هناك عقلاء فى النظام الحاكم لا يلتفتون إلى الغبار الذى تثيره معارك مفتعلة لبعض الكتاب الرسميين، ذلك أن حضور أى رئيس أجنبى حفل تخرج فى الكلية الحربية التى توصف بأنها درة تاج الكليات العسكرية هو قمة التكريم للرئيس الضيف ولدولته!.. كان الرئيسان مبارك وجول يتابعان الحفل الذى تضمن عزف السلام الوطنى التركى، بينما كنت أسأل نفسى: ماذا لو استمع الرئيس مبارك إلى آراء رؤساء تحرير الصحف القومية أثناء هجومهم غير المسبوق على تركيا.. هل كان جول سيحصل على تأشيرة دخول إلى القاهرة؟!.. أعادنى هذا السؤال إلى الوراء قليلا، فاستحضرت صور زيارة الرئيس مبارك إلى الجزائر لتعزية رئيسها عبدالعزيز بوتفليقة فى وفاة شقيقه.. وبغير إرادتى، قفزت من الذاكرة فصول الحملة الشعواء التى شنها صحفيون وإعلاميون ضد الجزائر حكومة وشعبا فى أعقاب مباراة أم درمان الشهيرة!.. كانت الجزائر، آنذاك، عدوة شريرة، تتربص بمصر وتحيك ضد المصريين المكائد، فأصبحت بعد زيارة العزاء دولة شقيقة، وقفت إلى جانب مصر وشعبها فى الشدائد!.. الأمر بسيط للغاية، ولم يتطلب حتى استبدال القلم أو تغيير ماركة الميكروفون! يحتفظ التاريخ الصحفى بالعديد من الحملات الإعلامية، التى تجاوز منظموها الخطوط الحمراء والحدود الأخلاقية والمهنية، سعيا وراء رضاء السلطة، وهم فى ذلك كانوا ملكيين أكثر من الملك نفسه!.. تذكروا مقالات رؤساء تحرير الصحف القومية فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات ضد الزعيم الليبى معمر القذافى أثناء توتر العلاقات المصرية - الليبية، أو تذكروا كاريكاتورات جريدة «الأخبار» التى كانت ترسم القذافى، جالسا على (قصرية) كتلك التى يستخدمها الأطفال الصغار عند قضاء الحاجة! صدقونى، ليس من قبيل المبالغة القول بأن بعض الكتاب والإعلاميين الحكوميين يشكلون خطرا بالغا على الأمن القومى!.. يتصور هؤلاء أنفسهم كذراع إعلامية يحتاجها النظام، لكنهم يتحولون إلى (شومة) كتلك التى كان يستخدمها فى الماضى فتوات الحوارى!.. خطورة الأمر أننا لا نضمن أن يحتفظ النظام فى المستقبل بعقلائه الذين باستطاعتهم تجاهل المهرتلين! [email protected]