توفي داخل الأسانسير بسبب فصل الكهرباء.. حارس عقار حاول إنقاذ أطفال من النيران فدفع حياته ثمنًا لشهامته

التقط أحمد رجب أنفاسه هذا اليوم، إذ يستريح فيه من إجهاد حراسة العقار محل عمله الذى يقع داخل كمباوند سكنى شهير فى المعادى بالقاهرة، واتصل على زوجته وشقيقه ووالديه يخبرهم بقدومه لبلدته، وفى الخلفية سمع أصوات استغاثة أطفال من شرفات المنزل الملاصق لمكان عمله والنيران تحاصرهم بالطابق ال8.
لحظات مؤلمة مرّت على الصغار وانتهت بقرار من الحارس للصعود إليهم ومحاولة إنقاذهم، ليدفع حياته ثمنًا لشهامته، حيث لقى حتفه داخل الأسانسير بسبب الأدخنة وفصل الكهرباء وتأخر اكتشاف مكانه لنحو 6 ساعات، إذ كان يصارع الموت.
«أحمد» الذى يعمل منذ 7 سنوات حارسًا بكمباوند شهير، أقدم على إنقاذ الأطفال من الحريق المروع، ليواجه مصيره المؤلم وحيدًا فى مصعد العقار محل سكنهم، ليفخر به شقيقه «محمد»: «اللى عمله أخويا شرف كبير لينا»، ويحكى أن الصغار أصوات استغاثاتهم لم تلفت سوى انتباه شقيقه الذى لم يفكر لحظة ولم يتردد فى الصعود إليهم، ركب الأسانسير الخاص بمنزلهم، وما إن ضغط على زر الصعود للطابق ال 8 حتى كانت الكارثة «واحد فصل الكهرباء، منعرفش مين هو لحد دلوقتى، والمصعد تعلق ما بين الدورين ال 8 و9».
الحارس صاحب ال30 عامًا الذى تزوج حديثًا، وكان يُحلم بأن يكون أبًا، والشهير ب«شهامته»، وفق شقيقه، ظل يصارع الموت 6 ساعات متواصلة «مات وحيدًا مختنقًا داخل الأسانسير»، يبكى وهو يذكر التفاصيل المؤلمة لوفاة الضحية «لما أخويا حاول يفتح باب المصعد لقى أمامه حائط، ولا أحد يسمع صوت صراخه المدّوى مع قدوم المطافئ، ولاستنشاقه الأدخنة مع احتجازه وعدم قدرته على الخروج من الباب لفظ أنفاسه».
تأخر اكتشاف مكان «أحمد»، كان أحد أسباب وفاته، فلم ينتبه أحدًا لاختفائه رغم رؤية الأهالى له يصعد إلى سكن الأطفال، ولدى الالتفات إلى تعليق المصعد وعودة التيار الكهربائى بعد السيطرة على النيران «الناس داست على نزول الأسانسير، لقوا جثته»، يجهش شقيق الحارس الشهم بالبكاء: «كنت عمال أتصل على أخويا كتير قوى، ومش بيرد، وكان سايب تليفونه بمدخل العمارة اللى شغال فيها، ولما زميل له شاف الاتصالات قعد يدور عليه، وفوجئ بنزول جثته».
الحماية المدنية أنقذت الأطفال، ورغم تنفس الأهالى الصُعداء إلا أنهم يشعرون بصدمة كبيرة بعد وفاة «أحمد» لقسوة تفاصيل الواقعة التى يكمل شقيقه سردها: «صاحب أخويا قاللى إنه مات، ولما جيت للمكان عرفت إنه من ساعة العصر حتى العشاء تقريبًا كان محبوس داخل الأسانسير، نحو 6 ساعات يصارع الموت»، يتهم مسؤولى الأمن بالكمباوند بالتقصير والإهمال «مفروض كانوا يشوفوا المصعد المتعلق، لما الكهرباء رجعت اشتغلت أو ينتبهوا لاختفاء أخويا لأن زملاءه بحثوا عنه بكل مكان حتى وجدوا جثته فى المصعد!».
وفاة الحارس أفقدت والديه النطق، عجزا عن الكلام، اعتزلا الناس ولم يصدقا وفاة «أول فرحتهم» والابن البار بهما، والذى كان ينفق عليهما كونه كبير أشقائه، فى حين تطالع زوجته صوره ببذلة الفرح، تقول باكية: «ملحقش يتهنى، راضية بقضاء الله».
أسرة الضحية حررت محضرًا بالواقعة، وطالبت ب«حق شهيد العمل»، كما وصفته، فيما تم نقل جثمان «أحمد» إلى مشرحة زينهم تحت تصرف النيابة العامة التى أمرت بتشريحه من قبل خبراء مصلحة الطب الشرعى للوقوف على أسباب الوفاة وكيفية حدوثها وتوقيتها، كما طلبت تحريات أجهزة الأمن ولاتزال التحقيقات مستمرة.