تتوق أفئدة وقلوب نحو 1.8 مليار مسلم حول العالم لزيارة الكعبة المشرفة، بيت الله الحرام، أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركًا، حيث تمثل الكعبة المشرفة قبلة التوحيد ل 1.8 مليار شخص يشكلون 24.1% من سكان العالم، وما إن يرى أي مسلم اللباس الأسود المزركش بالذهب الخالص يغطى الكعبة المشرفة حتى ينجذب إلى هذا المظهر الربانى، الذي يتسم بالجلال والعظمة الإلهية، حيث «الكون يعظم خالقه». جلال ربانى يتجلى على الكعبة المشرفة، لتظل طوال 24 ساعة يطوف حولها المريدون والعاشقون والهائمون في حب الله ورسوله، من المسلمين الموحدين للتبرك بها ونيل شرف الاحتماء بها من هوس الشياطين وادعاءات النفس البشرية، لترك الدنيا بما فيها ومنح الروح والعقل والفؤاد لصاحب البيت الذي يضفى على زائره تعظيما وإجلالا وتشريفا، مصداقا لقول النبى، صلى الله عليه وسلم: «اللهم زِد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا.. وزد من زاره تشريفًا وتعظيمًا». «المصرى اليوم» تلقى الضوء على كسوة أول بيت وُضع للناس في الأرض «الكعبة المشرفة». كسوة الكعبة المشرفة.. الكون يُعظّم خالقه تقول فريدة الحسينى، مدير بينالى الدرعية في السعودية، إن البينالى المقام حاليا في المملكة حتى أبريل المقبل أَولى الكسوة عناية خاصة، حيث يعرض في جناح مكة نماذج (قطعة) من الكسوة الشريفة، من متاحف مصرية وقطرية، وينفرد بعرض قطعة من ستارة باب الملتزم من عهد الملك فهد بن عبدالعزيز. وأضافت «الحسينى» أن إدارة البينالى أحضرت أحد الصناع السعوديين المهرة المتخصصين في صنع الكسوة، لعرض فنون وطرق تطريز الكسوة الشريفة للجمهور حضور البينالى، ولاقى هذا العرض رضا واهتمام الزائرين. وقالت الدكتورة أمنية عبدالبر، المشرف على بينالى الفنون الإسلامية، زميلة صندوق بركات في متحف فيكتوريا وألبرت، إن قطعة الكسوة الشريفة المصرية المعروضة في البينالى تم ترميمها وصيانتها وإتاحتها للعرض بصورة مشرفة تليق بعظمة وجلال هذه القطعة الشريفة. كسوة الكعبة المشرفة.. الكون يُعظّم خالقه وأضاف المهندس أنس صيرفى، صاحب ورئيس مجلس إدارة مؤسسة متحف دار الفنون الإسلامية في جدة، أول متحف للفن الإسلامى في المملكة العربية السعودية، أن المتحف ينفرد بأنه يضم أكبر مجموعة من كساوى الكعبة المشرفة ونماذج متعددة من المحمل الشريف، ويضم أول (ريبليكا) نموذجا حقيقيا لأبواب الكعبة معلقة عليها هذه الأستار والكساوى، حتى يتمكن الجمهور من رؤية ومعاينة كل تفاصيل الكسوة وأستار الكعبة. كسوة الكعبة المشرفة.. الكون يُعظّم خالقه وقال الدكتور حسام عبدالباسط، الباحث في علم الآثار: «الكسوة يستلزم تصنيعها 670 كيلو من الحرير الخالص المطلى باللون الأسود، ويتم استيرادها من إيطاليا، و170 كيلو من خيوط الذهب الخالص المستورد من ألمانيا». وأضاف «عبدالباسط»، يتم إكساء الكعبة صبيحة يوم عرفة سنويا، بخلاف ما كان يحدث في الماضى من تغيير كسوتها إذا تعرضت ل«القدم» وأصبحت بالية، حيث ظلت كسوة الكعبة المشرفة ترسل إلى السعودية من مصر عبر القرون، باستثناء فترات زمنية قصيرة ولأسباب سياسية، إلى أن توقف إرسالها نهائيًا من مصر سنة 1381 هجرية، بعدما اختصت المملكة العربية السعودية بصناعة كسوة الكعبة المشرفة حتى اليوم. كسوة الكعبة المشرفة.. الكون يُعظّم خالقه وقال الباحث في علم الآثار: بالرجوع للمصادر والدراسات التاريخية، يتبين أن عدد العاملين في إنتاج الكسوة يبلغ 240 عاملًا وموظفًا وفنيًا وإداريًّا، لينالوا شرف تصنيع الكسوة، وتصنع الكسوة المشرفة من الحرير الطبيعى الخالص المصبوغ باللون الأسود المنقوش عليه بطريقة الجاكار عبارة «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، «الله جل جلاله»، «سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم»، «يا حنان يا منان».. وتشكل الآيات القرآنية ما يعرف باسم «حزام الكعبة»، ويتكون من 16 قطعة، ويحيط بالكعبة من الجهات الأربع، ويبلغ محيط الكعبة نحو 47 مترًا، طول القطعة الواحدة 240 سنتيمترًا وعرضها 95 سنتيمترًا، ويستغرق تطريزها طوال العام. كسوة الكعبة المشرفة.. الكون يُعظّم خالقه وعن تغيير الكسوة والتخلص من القديمة، قال، إنه بعد انتهاء الحج، وإنزال الكسوة القديمة واستبدال الكسوة الجديدة بها، تقطع الكسوة القديمة إلى قطع صغيرة وتوزع على شخصيات بارزة ومنظمات دينية، إذ تعتبر هذه القطع تراثًا نفيسًا. وأوضح «عبدالباسط» أنه على الرغم مما يتواتر زمانيًا بتعدد ألوان كساء الكعبة إلا أنه يعد اللون الأسود أكثر الألوان بقاءً على الكعبة المشرفة حتى الآن، وهو اللون الأشهر الذي رسخ في ذهن المسلمين وغير المسلمين حول العالم ك«لون مميز للكعبة المشرفة»، مشيرا إلى أن الآيات والإطارات طرزت في الوقت الحالى، بينما استُخدم اللونان الأبيض والأحمر بشكل متوازٍ على الكعبة المشرفة في نفس الوقت عندما استخدمت الثياب اليمانية المخططة بالأبيض والأحمر.. ويعد الديباج والحرير أشهر خامتين استخدمتا في أثواب الكعبة المشرفة، وكانت أثواب الكعبة توضع بعضها فوق بعض حتى تثقل جدرانها ولا تستطيع حملها. فريدة الحسينى وعن القصة التاريخية في عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، فيما يتعلق بكسوة الكعبة، قال إنه من الثابت تاريخيا عندما دخل الرسول، صلى الله عليه وسلم، مكة فاتحًا لم يغير الكسوة التي وضعتها قريش وأبقاها وغيرها عندما احترقت الكعبة على يد امرأة كانت تبخر وتطيب الكعبة، وكساها الرسول بالثياب اليمانية المخططة بالأبيض والأحمر، ثم تعاقب الخلفاء والحكام والملوك على كسوة الكعبة المشرفة، وبألوان مختلفة، مشيرا إلى أن هناك أماكن محددة لتصنيع كسوة الكعبة، ففى عام 1346 صدر قرار الملك عبدالعزيز بإنشاء دار خاصة لكسوة الكعبة، وكلف بهذا العمل وزير المالية آنذاك عبدالله بن سليمان، بعد أن غيرت كسوة الكعبة لأول مرة في الدولة السعودية الثالثة عام 1345 بعد حادث المحمل الشهير، ومنذ ذلك التاريخ وكسوة الكعبة تُصنع في مكة على أيدى نساجين مهرة، واعتمد اللون الأسود وخامة الحرير، مع تطريزات ذهبية على ثوب الكعبة للزينة، وتتخذ الكسوة حاليا لونين هما «الأسود والذهبى»، وخامتها من «الحرير الطبيعى»، فيما تستخدم الستارة الداخلية من الأخضر. وعن التعامل مع الكسوة القديمة، قال «عبدالباسط»: يتم التعامل مع كسوة الكعبة القديمة من خلال التصرف فيها للمتاحف أو تقديمها هدايا لضيوف الدولة بعد تخزينها في مستودعات خاصة تتم تجزئتها وفق معايير النسيج وفك المطرزات الذهبية والأحزمة والأجزاء الرئيسية من كسوة الكعبة المشرفة. وعن تاريخ الكسوة قبل الإسلام، أكد الباحث في علم الآثار أنه في عهد الدولة المملوكية والسلطان الظاهر بيبرس، كانت الكسوة ترسل من مصر، وكان المماليك يرون أن هذا شرف يجب ألا ينازعهم فيه أحد حتى ولو وصل الأمر إلى القتال، فقد أراد ملك اليمن «المجاهد» في عام 751ه نزع كسوة الكعبة المصرية ليكسوها كسوة من اليمن، فلما علم بذلك أمير مكة أخبر المصريين فقبضوا عليه، وأرسله مصفدا في الأغلال إلى القاهرة، وأوقف الملك الصالح إسماعيل بن عبدالملك الناصر محمد بن قلاوون، ملك مصر، في عام 751ه وقفا خاصا لكسوة الكعبة الخارجية (السوداء) مرة كل سنة، واستمرت مصر في نيل شرف كسوة الكعبة بعد سقوط دولة المماليك وخضوعها للدولة العثمانية، إلا أنه ظلت كسوة الكعبة ترسل بانتظام من مصر بصورة سنوية يحملها أمير الحج معه في قافلة الحج المصرى، وفى عهد محمد على باشا توقفت مصر عن إرسال الكسوة. وعن مراحل التصنيع، قال الباحث في علم الآثار إن التطريز يمر ب7 مراحل، أولاها الصباغة، وهى أولى مراحل إنتاج الكسوة في المصنع؛ حيث يزود قسم الصباغة بأفضل أنواع الحرير الطبيعى الخالص، ويتم تأمينه على هيئة شلل خام، عبارة عن خيوط مغطاة بطبقة من الصمغ الطبيعى تسمى (سرسين) تجعل لون الحرير يميل إلى الاصفرار، ويتم استيراده من إيطاليا، ثم مرحلة النسيج الآلى، وخُصص هذا القسم للكسوة الخارجية التي استخدم في تصنيعها نظام الجاكار الذي يحتوى على العبارات والآيات القرآنية المنسوخة، والآخر خالٍ لكى توضع عليه المطرزات، ثم مرحلة التسدية، ثم تمرر الأطراف الأولى بهذه الخيوط خلال أسنان الأمشاط الخاصة بأنوال النسيج، وتوصل إلى مطواة السدى التي تلف آليًّا حسب الطول المحدد من قبل، وبعد الانتهاء من عملية التسدية، تنقل خيوط السدى إلى مطواة المكنة نفسها بالطول والعدد المطلوب.. أما خيوط اللحمة (العرضية)، فتجمع كل ست فَتلات منها في فتلة واحدة على (كونات) خاصة تزود بها ماكينة النسيج، ثم مرحلة المختبر لمطابقة الخيوط للمواصفات من حيث رقمها وقوة شدها ومقاومتها، كما يقوم بتركيب ألوان الصبغة وتجربتها على عينات مصغرة من الخيوط لاختيار الأفضل، والمرحلة الخامسة هي الطباعة، ثم التطريز بالأسلاك الفضية والذهبية، تتم أولًا بوضع الخيوط القطنية بكثافات مختلفة فوق الخطوط والزخارف، والمرحلة السابعة هي الخياطة والتجميع.