روى في الأثر أن سيدة عجوز أوقفت الصحابي قيس بن سعد بن عبادة، تشكو إليه «قلة الجرذان (الفئران)»، فما كان رده إلا أن قال «ما أحسن هذه الكناية! املؤوا بيتها خبزا ولحما وسمنا وتمرا»، ورغم تضعيف البعض لتلك الرواية، جاء بعد مئات السنين عدد من خبراء الاقتصاد وأساتذة الجامعات ليسيروا على نهج تلك العجوز في التدليل على الأوضاع المعيشية والحالة الاقتصادية بأمور بسيطة، تنوعت بين الملابس الداخلية للرجال ومستويات القمامة والنفايات وساندوتش البرجر. وخلال القرن الماضي مع تطور علم الاقتصاد والتسويق، ظهر عدد من النظريات والمؤشرات الاقتصادية التي سعت للتنبؤ بالنشاط الاقتصادي والتدليل على مستوى الرفاهية الاجتماعي. مؤشر طول التنورة من الممكن رصد أول مؤشر اقتصادي من هذا النوع في عشرينيات القرن الماضي وبالتحديد في 1926 حين افترض الاقتصادي الأمريكي جورج تايلور أن هناك ارتباط بين زي المرأة في بلد ما ومستوى النشاط الاقتصادي فيها، ودلل على ذلك بمدى طول التنورة (الجيبة)، فعندما يزدهر الاقتصاد تميل السيدات لارتداء التنانير القصيرة، وذلك لأن النساء أردن التباهي بالجوارب الحريرية باهظة الثمن التي يمكنهن شرائها، أما في أوقات الانكماش الاقتصادي بإن النساء يملن إلى ارتداء التنانير الطويلة. وأثار فضول الباحثين على مر السنين، ما يسمى ب «مؤشر Hemline»، خاصة مع توافق تلك الفرضية مع الواقع خلال فترة الكساد العظيم في عام 1929، ومع الوقت صادقت تلك الفرضية الواقع في حقب عدة مثل الستينات حيث ارتفعت التنانير، حيث أصبحت أقصر. وبعد مرور عشرات السنوات وفي عام 2010، حلل باحثان هولنديان بيانات من المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية وقياسا أطوال الجيب، وخلصوا إلى وجود علاقة بين طول التنورة والنشاط الإقتصادي، لكنهم رجحوا أن المؤشر متأخر بثلاث سنوات تقريبًا عن الاقتصاد، أي أنه لا يمكنه التنبؤ بالركود والكساد قبل حدوثه. وفي تقرير أخير لموقع ديلي ميل البريطاني دلل على شكك في صحة النظرية، مشيراً إلى انتشار الملابس المكشوفة والقيصرة رغم مرور البلاد في الأوقات الحالية بإحدى أقسى الأزمات الاقتصادية. مؤشر أحمر الشفاه في مؤشر آخر ارتبط بمظهر المرأة وهو مؤشر أحمر الشفاه «Lipstick index»، هو مصطلح صكه ليونارد لودر، رئيس مجلس إدارة شركة إستي لودر «Estee Lauder»، لتفسير زيادة مبيعات مستحضرات التجميل ذات التكلفة المعقولة، خلال فترة الركود الاقتصادي في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ادعى لودر أن مبيعات أحمر الشفاه يمكن أن تكون مؤشرا اقتصاديا، من حيث أن مشتريات مستحضرات التجميل- خاصة أحمر الشفاه- تميل إلى أن تكون مرتبطة بشكل عكسي مع النشاط الاقتصادي، حيث كانت التكهنات هي أن النساء يستبدلن أحمر الشفاه بالمشتريات الأكثر تكلفة مثل الفساتين والأحذية في أوقات الضائقة الاقتصادية، ودعم عدد من الأطباء النفسيين تلك الظاهرة مشيرين إلى وجود أدلة على أن الناس يحاولون تحسين مزاجهم بتصرفات بسيطة في الأوقات الصعبة. في ذلك الوقت، بدا الأمر وكأنه تفسير معقول لسبب ارتفاع مبيعات أحمر الشفاه في شركته حتى مع انخفاض الإنفاق الاستهلاكي الإجمالي، لكن مع اغلاق عام 2020، والأزمات الاقتصادية التي تبعت ذلك لم تثبت تلك الفرضية صحتها، مع إغلاق متاجر مستحضرات التجميل باعتبارها شركات غير أساسية ومن المرجح أن تهتم النساء بشكل أقل بالمظهر أثناء الحجر الصحي. مؤشر الملابس الداخلية للرجال مؤشر أخر يتعلق بالملابس لكن تلك المرة بملابس الرجال، كما أن تلك المرة تبنى المؤشر مسؤول أمريكي وليس مجرد رئيس شركة أو خبير اقتصادي، وافتراض آلان جرينسبان رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق (البنك المركزي الأمريكي)، أن الرجال يميلون لشراء الملابس الداخلية في فترات الاستقرار والانتعاش الاقتصادي، في المقابل تقل مبيعات الملابس الداخلية للرجال في الأوقات الاقتصادية الصعبة، حيث يميلون لتأجيل عملية الشراء، فيما يعرف ب «مؤشر الملابس الداخلية الرجالية»(MUI) . كما توجد عدد من القرائن التي تؤكد صحة هذه الفرضية، وفي تقرير لشركة Hanes، ذكرت أن مبيعات الملابس الداخلية انخفاض بنسبة 11٪ في الربع الثالث من عام 2022 على أساس سنوي. مؤشر صندوق الكرتون مؤشر أخر يبدو غريباً بعض الشئ تبناه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لكن بالتدقيق يبدو أنه أكثر منطقية، وهو ما يعرف بمؤشر «صندوق الكرتون» يعتمد المؤشر على حقيقة أن كل شيء تقريبًا في العالم يتم شحنه في صندوق من الورق المقوى، في الأساس، كلما زاد الطلب على الصناديق الكرتونية، زاد نمو الاقتصاد لأن المصانع تقوم بشحن البضائع، والعكس صحيح أيضًا. كلما قل الطلب، زاد انكماش الاقتصاد بسبب قلة المصانع التي تحتاج إلى الصناديق. لكن موقع « investopedia» المتخصص في الاقتصاد، ذكر أن المؤشر لم يظهر ارتباط واضح بينه وبين الأداء الاقتصادي، وفي بعض الأحيان كانت نتائج المؤشر لا تعكس الوضع الاقتصادي. مؤشر الشامبانيا يقوم مؤشر الشامبانيا على افتراض أن مبيعات الشمبانيا تنخفض مع فترات الركود فيما تزيد في أوقات الرواج الاقتصادي، يذكر أن شحنات الشمبانيا إلى الولاياتالمتحدة وصلت إلى 23.1 مليون زجاجة في عام 2006. ثم حدث الركود، وانخفضت الشحنات إلى 12.5 مليون زجاجة بحلول عام 2009. مؤشر القمامة والنفايات «الناس يرمون الأشياء، المباني تُهدم- إذا كنت ستبني مبنى جديدًا، فقد يكون هناك مبنى موجود بالفعل. إذا اشتريت أريكة، فقد تتخلص من أريكة قديمة. إذا ذهبت إلى ماكدونالدز واشتريت شيئًا ففي المقابل سترمى شيئاً ما»، بهذه العبارات برهن الاقتصادي مايكل ماكدونو على صحة نظرية حول الارتباط بين مستويات النفايات والنشاط الاقتصادي. وكشفت إحصائيات عن عدد الشحنات التي نفذتها سيارات النفايات في الولاياتالمتحدة وبين الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة ات لتجد أن النظرية أثبتت صحتها بنسبة 82.4 % منذ عام 2001. مؤشر البيج ماك عادة ما يجد خبراء الاقتصاد صعوبة في إيصال عدد من المفاهيم الاقتصادية للجمهور، كمفهوم تعادل القدرة الشرائية للعملاء (purchase power parity) أو ال PPP، أو مدى عدالة سعر صرف عملة ما مقابل الدولار، لكن مجلة الإيكونوميست إحدى أكبر المجلات الاقتصادية في العالم طرحت مؤشر البيج ماك في عام 1986، لقياس تكافؤ القوة الشرائية في الدول المختلفة. ويقيس المؤشر تكلفة ساندوتش بيج ماك في الولاياتالمتحدة والتي بلغت في يناير الماضي، 5.36 دولارًا، في المقابل بلغ تكلفة نفس المنتج في مصر 55.00 جنيهًا أي 1.8 دولار أمريكي (سعر صرف 30.5 جنيه للدولار الواحد تقريباً)، ما يعني أن القدرة الشرائية أعلى. بصيغة أخرى بإن ال 5.36 دولار أمريكي في الولاياتالمتحدة كان بامكانها شراء ساندوتش واحد من البيج ماك، لكن نفس القيمة من الدولارات كان بإمكانها شراء ثلاث سندوتشات تقريباً (2.9) من البيج ماك، وهذا يفسر لماذا الأسعار في مصر تكون رخيصة مقارنة بباقي دول العالم، رغم غلاء الأسعار. من جانب آخر خلص المؤشر إلى أن الجنيه المصري مقوم بأقل من قيمته الحقيقية بنسبة 65.6٪، وذلك رغم ما يتردد من أن الجنيه المصري معرض لأن تنخفض قيمته خلال الفترات المقبلة، كون المؤشر يقارن بين سعر الصرف الرسمي، وبين سعر الصرف الضمني هو 10.26، لتكون تكلفة البيج ماك في الولاياتالمتحدة مساوية لتكلفة في مصر (10.26 * 5.36 = 55 تقريباً). وهذا يقودنا إلى إحدى أهم الانتقادات للمؤشر، وهو أنه لا يمكن الاعتماد عليه لتحديد أسعار الصرف، كما أن ساندوتش بيج ماك يختلف من حيث قيمته الغذائية من مجتمع لآخر، وفي بعض الأحيان يختلف في مكوناته سعراته الحرارية. ورغم كل ذلك يعد المؤشر هو الأشهر من بين جميع المؤشرات المذكورة في التقرير، كما أن الإيكونوميست تصدره بشكل دوري، ودفع ذلك إلى سعى عدد من الباحثين لاستنساخ نفس المؤشر في منتجات عالمية أخرى مثل مؤشر ستارباكس.