والدة الطفل «بيتر»: ابنى مات صعقًا بالكهرباء داخل مصنع بلاستيك

صوت بكاء الأب كان عاليًا وهو يسمع زوجته تحكى تفاصيل مصرع طفلهما، «آخر العنقود»، صعقًا بالكهرباء، داخل مصنع بلاستيك بعزبة الزرايب فى القاهرة، وتتفقد مكانه بحجرته، فلا تعثر عليه فيُجن جنونها وتصرخ بأعلى صوتها: «عاوزة حق ابنى.. شغّلوه بالإجبار من ورانا، ضربوه علشان يشغّل المكنة، اتكهرب لمّا المَيّة جت على الأسلاك».
بيتر جاب الله، طالب بالصف الأول الإعدادى، لم يهنأ بطفولة كأقرانه، بعد إصابة والده ب«جلطة ومرضى السكرى والكبد، وتركيب دماعات بالقلب» وشقيقه الأكبر «جون» بمرض نادر، وحين عرض عليه صديقه: «تعال نروح مصنع البلاستيك، لازم تشتغل بدل ما أنت قاعد»، الطفل وافق على الفور، «علشان ظروفنا بايظة».
والدة «بيتر» تؤكد حزنها على أن «فلذة كبدها» خرج للعمل بالمصنع دون أن يعرفوا، موضحة: «طول النهار بكون فى شغلى، وأبوه تعبان»، حتى فوجئت برجوع ابنها ذات يوم «وشه أصفر»، وبسؤاله: «مالك يا ابنى؟»، «حضنِّى وقال لى يا ماما أنا نزلت اشتغلت من أسبوعين، وفى عواميد كهربا وأسلاك عريانة جنب المكن صعقتنى».
الطفل بيتر الضحية
الأم نهرت ابنها: «إياك تنزل تانى المكان ده»، مطالبة إياه بالانتباه لمستقبله، قائلة: «بشتغل علشانكم لما تكبروا تكونوا سند لىَّ، وربنا له حكمة فى اللى حاصل لنا»، فأكد لها: «لىَّ عندهم 50 جنيه»، فقالت له والدته: «بناقصها»، وتبددت نصيحتها، تحكى: «جه صاحب ابنى مرة تانية، وقال له: تعال عاوزينك تيجى معانا».
والدة الطفل، بصوت مبحوح، تكمل بقية تفاصيل اليوم المشؤوم: «لقيت واحد غريب جايب ابنى، ورماه قدام البيت.. ابنى كان ميت، رُحنا بيه المستشفى، أكدوا وفاته.. (بيتر) لا يمكن إنه يروح المصنع من نفسه مرة تانية.. ده كان مضروب، وآثار التعذيب ظاهرة على جثته»، وتصمت قليلًا، وتحاول استجماع قواها التى خارت، متابعةً: «صاحب المصنع رجّع الولد يشتغل.. حتى ماصلّحش الكهربا.. دول بياخدوا الأطفال قسرًا».
أحد الأطفال العاملين بالمصنع روى لوالدة المجنى عليه، وكله خوف: «يا طنط كنت رايح الشغل.. خبطت على الباب جامد، فتحوا لى بالعافية لما تأكدوا من هويتى.. لقيت ابنك مرمى على الأرض.. سألتهم: سايبينه ليه؟.. تحرك ناحيته صاحب المكان، أعطاه شربة مياه.. وبعدين فقد النطق».. ثم أكمل لها: «عرفت من صاحبى إن (بيتر) كان عاوز يمشى قبل ما الكهربا تمسك فيه.. وصاحب المصنع أجبره يشغّل المكنة بنفسه، وهو بيزعق له: اشتغل».
تخرج كلمات غاضبة من الأم المكلومة: «خرجت اشتغل وشقيت على عيالى، وشقايا راح هدر، كنت عاوزة أشوفهم رجالة.. فى الآخر رُحت أغسِّل ابنى بإيدى.. ربنا ما يورِّى حد.. يوم جنازته صاحب المصنع عرض علىَّ نص مليون جنيه للتنازل عن المحضر.. قلت له: آخد ابنك بدل الفلوس!. دى روح مافيهاش فصال.. مش هبيع حياة ابنى بملايين الدنيا.. المصيبة ان مافيش حد عايز يشهد معايا.. رغم إن كاميرات المراقبة مسجّلة كل حاجة».
وتضيف الأم وهى حزينة: «جوزى كان شغال فى صاغة الدهب، وقت أحداث ثورة يناير اتسرق منه 10 كيلوجرام دهب، أُصيب بجلطة وركِّب دعامات وأُصيب بأمراض تانية.. وابنى (جون) أُصيب بمرض نادر. (بيتر) كان بيقعد فى البيت لمراعاة والده.. قرر العمل لظروفنا.. وأصحاب المصانع بالزرايب بيستغلوا الأطفال وبيشغّلوهم.. ابنى هو الضحية الخامسة للمصنع ده». عدد من المنظمات المعنية بحقوق الطفل وغيرها تواصلت مع والدة المجنى عليه، وقالت لهم: «حملات كتيرة حضرت للزرايب لرصد جرائم عمالة الأطفال وتعرضوا للخطر».
حاولت «المصرى اليوم» التواصل مع أصحاب المصانع، لكنهم رفضوا التحدث، وبعضهم حاول التعدى علينا.. وتشير «أم بيتر» إلى أنهم «كلهم إيد واحدة».