بينما تتجه أنظار العالم فى شهر أكتوبر إلى عواصم الموضة فى العالم، حيث استقبال باريس وميلانو ونيويورك ولندن، أسبوع الموضة، الحدث الأبرز فى عالم صناعة الأزياء- علينا الالتفات إلى الوجه المظلم لهذه الصناعة. فبينما تتنافس العارضات على منصات العلامات التجارية الراقية لطرح منتجاتها، تظل خلفية عروض الأزياء ملبدة بغيوم التدهور البيئى الذى تسببه نفايات صناعة الموضة، ففيما تتوارى خلفها أصوات خافتة لعمال وعاملات يعانون من تدنى أجورهم، رغم إسهاماتهم فى صناعة هذه العوالم النخبوية الراقية. على أنقاض البشر والحجر وتعد صناعة الموضة إحدى أكثر الصناعات الملوثة للبيئة فى العالم؛ إذ يُسهم إنتاج وتوزيع المحاصيل والألياف والملابس المستخدمة فى الموضة، فى مختلف أشكال التلوث البيئى، بما فى ذلك تلوث المياه والهواء والتربة، غير أن صناعة النسيج تعد ثانى أكبر مصدر لتلوث المياه العذبة المحلية فى العالم. وحسبما أورد موقع «marieclaire» تحقق العلامات التجارية الشهيرة أرباحها العملاقة على أنقاض البشر والحجر؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر يتعرض ما يقرب من 85 فى المائة من عمال الملابس فى لوس أنجلوس لسرقة أجورهم، أو الحصول على أجر منخفض يعادل حوالى 5 دولارات فى الساعة، غير أن حوالى ما لا يقل عن 46 ألف امرأة من العاملات فى هذا القطاع، بينهن مهاجرات من ذوات البشرة السمراء، لا يحصلن على الحد الأدنى للأجور. من جهة أخرى، تشكل صناعة الأزياء خطرًا داهمًا على البيئة؛ إذ لا تلتزم معظم العلامات التجارية الشهيرة بمعايير التنمية المستدامة للحفاظ على البيئة، فيما لا تستخدم معظم هذه العلامات ومن بينها Forever 21 وFashion Nova وUrban Outfitters، Charlotte Russe فى سلاسل توريدها للمنسوجات أقل من 1% من المواد المعاد تدويرها، لتتحول هذه الملابس ذات الأقمشة غير القابلة للتحلل الحيوى إلى عبء ثقيل على البيئة، نظرًا لتراكمها فى مكبات النفايات لمدة تصل إلى 200 عام. خطر النفايات البلاستيكية على أجسادنا وتتقاطع صناعة الموضة مع العديد من القضايا البيئية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بنفايات البلاستيك الذى يكمن نحو 99% من مخاطره فى الوقود الأحفورى؛ فعندما نستخدم ملابسنا تبدأ الجسيمات البلاستيكية الدقيقة التى تكمن الألياف الاصطناعية بها فى التساقط والتحلل. وفور غسل هذه الملابس، تمر تلك المواد البلاستيكية الدقيقة عبر نظام المياه بحيث لا يمكن تصفيتها فى إدارة النفايات لتصل إلى البحار والأنهار والمحيطات، والضرر بسلتنا الغذائية من المأكولات البحرية قبل أن ينتهى بها الأمر فى أجسادنا. الموضة تشكل ربع ميزانية العالم من الانبعاثات الكربونية من جهة أخرى، وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن مؤسسة «إلين ماك آرثر Ellen MacArthur Foundation» المختصة بتعزيز الاقتصاد الدائرى وحماية البيئة، حول الآثار البيئية للموضة، فإنه فى حال واصل صناع الأزياء والموضة السير على نفس المسار ضاربين بالقضايا البيئية عرض الحائط، فستشكل الموضة ربع ميزانية العالم من الانبعاثات الكربونية خلال الثلاثين عامًا القادمة. مطالب بوضع سياسات حازمة ومع انتباه العالم للمخاطر البيئية التى يخلفها التلوث والتغيرات المناخية فى الآونة الأخيرة، برزت مطالب سياسية فى العواصم الأشهر لصناعة الموضة بوضع سياسات حازمة للحد من مخاطر صناعة الأزياء على الإنسان والكوكب، وتعالت الأصوات المطالبة بأن تلعب الحكومات دورها فى التعامل مع شركات الأزياء المملوكة للقطاع الخاص؛ للعبور بنا نحو مستقبل أكثر استدامة.
