أول اجتماع للحكومة اللبنانية الجديدة لبحث أزمات البلاد

عقدت الحكومة اللبنانية الجديدة، برئاسة نجيب ميقاتى، التى تشكلت إثر 13 شهرًا من الفراغ، أول اجتماعاتها، أمس، لإنقاذ لبنان من حافة الانهيار، فى حين تواجه الحكومة تحديات صعبة وسط أزمة اقتصادية غير مسبوقة متواصلة فى البلاد منذ عامين، وعُقدت الجلسة فى القصر الرئاسى فى بعبدا بحضور رئيس الجمهورية ميشال عون.
وقال الرئيس اللبنانى إنه يأمل أن يتضمن بيان الحكومة الجديدة استكمال التفاوض مع صندوق النقد الدولى للحصول على قرض لإنقاذ البلاد من أزمتها الاقتصادية غير المسبوقة، وأضاف عون: «مطلوب من الحكومة إيجاد الحلول العاجلة لمعالجة الأوضاع المعيشية للمواطنين، وعلى الحكومة أن تعمل كفريق عمل واحد متجانس متعاون لتنفيذ برنامج إنقاذ». وقال وزير الإعلام اللبنانى، جورج قرداحى، إن الرئيس ميشال عون أكد خلال أول اجتماع للحكومة الجديدة على حاجة لبنان إلى مساعدة صندوق النقد الدولى والبنك الدولى والمؤسسات الدولية المانحة.
بدوره، أكد رئيس الوزراء اللبنانى، نجيب ميقاتى، أن لبنان يتطلب إجراءات استثنائية، وأكد أن الحكومة ستركز على معالجة موضوع المحروقات والدواء بما يوقف إذلال الناس، ووصف الوضع بأنه صعب للغاية، ولكن بالإرادة والتصميم نستطيع أن نحقق لشعبنا بعضًا مما يأمله ويتمناه.
وتعمل الحكومة على تشكيل لجنة لصياغة البيان الوزارى الذى سيتم عرضه لاحقًا على البرلمان خلال جلسة التصويت لمنح الثقة للحكومة الجديدة.
وجاءت ولادة الحكومة الجمعة بعد 13 شهرًا من استقالة حكومة رئيس الوزراء السابق حسان دياب، إثر انفجار مرفأ بيروت المروّع فى 4 أغسطس 2020، وفشلت محاولتان سابقتان لتشكيلها على وقع الخلافات الحادة بين الفرقاء السياسيين.
وتنتظر حكومة ميقاتى تحديات جسيمة، وتأمين حلول «سحرية» تضع حدًا لمعاناة اللبنانيين اليومية جراء تداعيات انهيار اقتصادى صنّفه البنك الدولى من بين الأسوأ فى العالم منذ عام 1850. ويقع على عاتق الحكومة الجديدة التوصل سريعًا إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولى كخطوة أولى لإخراج لبنان من أزمة نقص السيولة والنقص الحاد فى الوقود والكهرباء، وارتفاع الأسعار مع تهاوى قيمة الليرة، بما ينعكس سلبيًا على كل جوانب الحياة، كما أن على الحكومة الإعداد للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها فى مايو المقبل.
وأعلنت وزارة المالية اللبنانية، أمس، أن لبنان أُبلغ من صندوق النقد الدولى أنه سيتسلم يوم 16 من الشهر الحالى حوالى مليار و135 مليون دولار أمريكى، بدل حقوق السحب الخاصة على أن تودع فى حساب مصرف لبنان، الذى حذر من نضوب احتياطى الدولار لديه. وقال بيان صادر عن الوزارة إن المخصصات الجديدة لاحتياطيات صندوق النقد تتكون من 860 مليون دولار عن 2021، و275 مليون دولار عن 2009.
ووافق صندوق النقد الدولى، الشهر الماضى، على منح دوله الأعضاء حقوق السحب الخاصة بما يتناسب مع حصتها لديه، ما سيسمح بزيادة المساعدات للدول الأكثر ضعفًا، بهدف دعم الاقتصاد العالمى الذى أرهقه تفشى وباء «كوفيد- 19».
وحقوق السحب الخاصة ليست عملة وليس لها وجود مادى، بل تستند قيمتها إلى سلة من 5 عملات دولية رئيسية، ويمكن استخدامها بمجرد إصدارها كعملة احتياطية تعمل على استقرار قيمة العملة المحلية أو تحويلها إلى عملات أقوى لتمويل الاستثمارات.
وشرعت السلطات اللبنانية منذ أشهر فى رفع الدعم تدريجيًا عن سلع رئيسية، أبرزها الطحين والوقود والأدوية، ولكن ذلك لم يخفف من أزمة المحروقات الحادة التى تشهدها البلاد، ولايزال السكان ينتظرون فى طوابير لساعات طويلة لتعبئة سياراتهم بالبنزين.
وأعلنت نقابة اصحاب المحطات، أمس الأول، أن أكثر من 90% من المحطات أقفلت أبوابها بسبب عدم تسلمها المحروقات من الشركات المستوردة بسبب نفاد الكمية وعدم قيام مصرف لبنان بفتح اعتمادات مصرفية جديدة للدفع للشركات المستوردة.
وعلى وقع أزمة المحروقات، تراجعت تدريجيًا قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على توفير التغذية، ما أدى الى رفع ساعات التقنين لتتجاوز 22 ساعة يوميًا، ولم تعد المولدات الخاصة قادرة على تأمين المازوت اللازم لتغطية ساعات انقطاع الكهرباء.
وتشمل لائحة التحديات أمام حكومة ميقاتى استقرار العملة الوطنية، ومكافحة التضخم المفرط، والشح المالى، وارتفاع الأسعار الجنونى، إذ قفزت تكلفة الغذاء بنسبة 700% فى العامين الماضيين، كما يعيش 78% من اللبنانيين حاليًا تحت خط الفقر، مقابل أقل من 30% قبل الأزمة. ورأى الخبير الاقتصادى اللبنانى، مايك عازار، أن الاتفاق النهائى مع صندوق النقد الدولى يعنى إعادة هيكلة القطاع المصرفى والمصرف المركزى وديون القطاع العام.
وسياسيًا، يقول خبراء إنه سيتعين على الحكومة الجديدة استعادة الثقة المفقودة تمامًا فى الدولة، وتمهيد الطريق للانتخابات التشريعية المقبلة، بعدما خرجت احتجاجات متواصلة شابتها اشتباكات وأعمال عنف أدت إلى سقوط قتلى وجرحى بين المواطنين وقوات الأمن، وبين المواطنين والعاملين فى محطات الوقود، وكان ميقاتى أكد أن الانتخابات المحددة فى مايو 2022 ستجرى فى موعدها، ويعد هذا الاقتراع محوريًا لبدء تجديد النخبة السياسية التى لم تتغير تقريبًا منذ الحرب الأهلية (1975- 1990).