5 قرارات جمهورية مهمة وتكليفات حاسمة من السيسي لمحافظ البنك المركزي    تحرك برلماني بشأن نقص الأطباء في المستشفيات الحكومية    كونتكت المالية تحقق نتائج قوية خلال النصف الأول من 2025    غرفة المطاعم السياحية تنشئ إدارة جديدة لخدمة الأعضاء والمستثمرين الجدد    وزيرا الإسكان والسياحة ومحافظ الجيزة يتابعون مخطط تطوير منطقة مطار سفنكس وهرم سقارة    بعد أزمتها الاخيرة.. هيفاء وهبي تحذف منشورها على "إنستجرام"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 19-8-2025 في محافظة قنا    وزيرة التنمية المحلية: الانتهاء من التأثيث النمطي ل332 مجمع خدمات حكومية    حازم الجندى: جولة وزير الخارجية بمعبر رفح صفعة على وجه مروجى حملات التشويه    سقوط 21 شهيدا بنيران جيش الاحتلال في عدة مناطق بقطاع غزة منذ فجر اليوم    رئيس الوزراء يلتقى وزير الدولة للاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني    الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية: تكثيف الهجوم على غزة سيؤدى لأثر إنسانى مروع    الأهلي يواصل استعداداته لمواجهة غزل المحلة    أمن الجيزة يلقى القبض على قاتل ترزى الوراق    بحضور رئيس الوزراء.. الإعلان عن توقيع 12 اتفاقية وخطاب نوايا بمنتدى الاستثمار المصري اليابانى.. الاتفاقيات ذات عائد استثمارى كبير وتسهم في تعميق الإنتاج المحلي والقيمة المضافة ودعم سلاسل التوريد وتنمية الصادرات    تراجع سعر اليورو اليوم الثلاثاء 19 أغسطس 2025 أمام الجنيه بالبنوك المصرية    الدكتور جمال شقرة: «من النيل إلى الفرات» شعار دعائي للحركة الصهيونية    ارتفاع أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 19 أغسطس في بداية التعاملات    بدء تشغيل عيادة العلاج الطبيعى للأطفال بمركز طب أسرة العوامية بالأقصر    وزارة الصحة: "100 يوم صحة" قدّمت 52.9 مليون خدمة مجانية خلال 34 يوما    مركز الأبحاث الإكلينيكية بالمعهد القومى للأورام يحصل على التسجيل والاعتماد    الأرصاد تحذر من ارتفاع مؤقت في درجات الحرارة    ضبط ترسانة أسلحة بيضاء ومواد مخدرة متنوعة بمطار القاهرة الدولي (صور)    وزير الأوقاف يكلف السيد عبد البارى برئاسة القطاع الديني    باحث: اتفاق ألاسكا أنهى ملف تبادل الأراضي بين روسيا وأوكرانيا    رئيس الوزراء يصل مقر انعقاد منتدى مجلس الأعمال المصري الياباني في طوكيو    يعرض قريبا، تعرف على قصة وأبطال مسلسل أزمة ثقة    نجلة طلعت زكريا تكشف سر عن أحمد فهمي تجاه والدها الراحل    وزارة الأوقاف تعلن عن وظيفة وكيل دائم (الشروط وطريقة التقديم)    موعد مباراة المصري وبيراميدز في الدوري الممتاز والقناة الناقلة    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الثلاثاء 19 أغسطس    بحثاً عن جثمان صغير.. رفع عبّارة نيلية بطهطا ابتلعه النيل أثناء التنزه بسوهاج "صور"    ياسمين صبري ناعية تيمور تيمور: «صبر أهله وأحبابه»    دراسة تحذّر من الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في الفحوص الطبية    ضبط سائق دهس شابًا وفر هاربًا بالفيوم    وزير الزراعة: نستهدف 12 مليار دولار صادرات زراعية هذا العام.. وإضافة 3 ملايين فدان خلال 3 سنوات    جميع ما أعلنته وزارة التعليم عن البكالوريا المصرية الجديدة ومقارنتها بالثانوية العامة (المواد والمسارات وفرص الامتحان)    زيلينسكي يعلن استعداده للقاء الرئيس الروسي.. ماذ سيبحث معه؟    رئيس وزراء السودان يطالب الأمم المتحدة بفتح ممرات إنسانية في الفاشر    رسميًا.. 24 توجيهًا عاجلًا من التعليم لضبط المدارس قبل انطلاق العام الدراسي الجديد 20252026    "الجبهة الوطنية بالفيوم" ينظم حوارًا مجتمعيًا حول تعديلات قانون ذوي الإعاقة    تفاصيل إصابة علي معلول مع الصفاقسي    «زي النهارده».. وفاة الكاتب محفوظ عبد الرحمن 19 أغسطس 2017    هناك الكثير من المهام والأمور في بالك.. حظ برج العقرب اليوم 19 أغسطس    الزمالك يطمئن جماهيره على الحالة الصحية ل«فيريرا»    د. إيهاب خليفة يكتب: الثورة المعرفية الجديدة .. الاستعداد لمرحلة الذكاء الاصطناعي «العام»    السيطرة على حريق بمخزن للتمور في الوادي الجديد    "أقنعني وتنمر".. 5 صور لمواقف رومانسية بين محمد النني وزوجته الثانية    رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2025 بعد انتهاء تسجيل رغبات طلاب الثانوية العامة 2025 للمرحلتين الأولي والثانية    حقيقة إصابة أشرف داري في مران الأهلي وموقف ياسين مرعي من مباراة غزل المحلة    مفاجأة حول عرض لانس الفرنسي لضم ديانج من الأهلي    محافظ الدقهلية يفتتح حمام سباحة التعليم بالجلاء بتكلفة 4.5 مليون جنيه.. صور    ضياء السيد: الأهلي سيواجه أزمة أمام بيراميدز.. والتسجيل سيدين محمد معروف    «لو العصير وقع علي فستان فرحك».. حيل ذكية لإنقاذ الموقف بسرعة دون الشعور بحرج    ما علاج الفتور في العبادة؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى: تركة المتوفاة تُوزع شرعًا حتى لو رفضت ذلك في حياتها    هل يجوز قضاء الصيام عن الميت؟.. أمين الفتوى يجيب    هل المولد النبوي الشريف عطلة رسمية في السعودية؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا ينتحر المصريون؟
نشر في المصري اليوم يوم 04 - 07 - 2010

لا يمر يوم إلا وينفذ فيه مصرى أو اثنان أو ثلاثة حكم الإعدام فى أنفسهم ويقررون مغادرة الحياة بأيديهم. فقد ارتفعت معدلات الانتحار بين المصريين بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة. وقد أشار أحد التقارير الصادرة مؤخراً إلى أن عدد حالات الانتحار قد ارتفع من 1160 حالة عام 2005 إلى 4200 حالة عام 2008.
وأتصور أن الرقم مرشح للزيادة خلال عام 2010 ليصل إلى عشرة آلاف منتحر، والدليل على ذلك التقرير الصادر عن المركز القومى للبحوث منذ أيام الذى أكد انتحار 2500 فتاة سنوياً بسبب العنوسة. ومهما تعددت الأسباب فالانتحار واحد، سواء كان بسبب الفشل فى الحب أو الفشل فى الزواج أو الفشل فى الإنفاق على الأبناء أو العجز عن مواجهة ضغوط الحياة بجميع أشكالها.
ومن المؤكد أن الزيادة المطردة فى أعداد المنتحرين تتناقض مع ما هو شائع عن المصريين من تدين، مما يشى بغلبة المسائل المظهرية على تدين البعض وعدم تمكنه من القلوب، لأن القلب الذى تمكن منه الإيمان يعلم أن كل صغيرة وكبيرة فى حياته هى من أمر الله وأن رحمة الله قريب من المؤمنين، وبالتالى لا يعرف اليأس إلى قلوبهم سبيلاً لأنهم على يقين بأن الأيام دول وأن «كل يوم هو فى شأن»، وأن ما يعجز الإنسان عن تغييره يتكفل به الزمن ودوران الأيام، ومسيرة الأعوام. فارتفاع معدلات الانتحار لا يمكن تفسيره بعيداً عن ضيق الأفق الفردى والاجتماعى الذى يسيطر على الواقع المصرى المعاصر.
ونعنى بضيق أفق الفرد إصراره على النظر إلى الحياة من ثقب إبرة، وغرامه بأن يكون ابن اللحظة التى يعيشها دون أن يفكر فيما سواها. فالمواطن الذى ينتحر بسبب فشله عاطفياً هو ابن اللحظة التى يعيش فيها، وهو لا يفكر فى لحظة أخرى– آتية لا ريب فيها- يمكن أن يفتر فيها هذا الحب أو أن يتحول إلى كراهية. إنه إنسان لا يؤمن بالتغيير وأن الغد لن يحمل جديداً يختلف عما يعيشه اليوم.
وعذره الوحيد فى ذلك هو الواقع الذى نعيش فيه الذى يعاند أى تفكير فى التغيير ويجرم أى سعى فى اتجاه تعديل الأوضاع التى نحيا فى ظلها ويحتفى بثباتها أو تكرارها فى صور وأشكال مختلفة. فهذا المنتحر الذى لا يؤمن بفكرة التغيير وأن كل لحظة من لحظات الحياة قد تحمل جديداً هو بالضبط المواطن الذى يؤمن بأنه لا جديد تحت الشمس وأن الغد لن يحمل أى تغيير على المستوى السياسى أو الاقتصادى أو الاجتماعى وبالتالى يستسلم لفكرة اليأس بسبب حالة ضيق الأفق التى تسيطر عليه.
وقد ينتج ضيق الأفق الفردى عن حالة عكسية عندما يحاول الشخص تغيير أوضاعه ويظل يحلم بلحظة آتية تختلف فيها الظروف، لكن هذه اللحظة لا تأتى، هنا يدخل فى دائرة اليأس من انتظار ما لا يجىء، كالشخص الذى يبحث عن عمل دون أن يجد، أو يحاول الاجتهاد فى الحصول على سكن يؤويه فيخيب سعيه، أو يبحث عن عمل إضافى يحسن من قدرته على الإنفاق على أولاده فيفشل فى ذلك، وتكون النتيجة أن يدخل هذا الشخص فى دوائر اليأس ليجد نفسه على الطريق السريع إلى الانتحار.
وهذا الإنسان يعانى هو الآخر من ضيق أفق بيّن لأنه ينتقم من نفسه وممن حوله وقد كان الأولى به أن ينتقم ممن تسبب فى إفقاره وإذلاله وحرمانه. فالأب الذى ينتحر بسبب عجزه عن الإنفاق على أسرته يعرف جيداً الجهة التى ينبغى أن يوجه إليها انتقامه. وقد كان الأولى به، وقد تمنى الموت، أن يموت فى اتجاه أشرف.
وهناك من يحققون الكثير فى هذه الحياة، على مستوى المال والأسرة وخلافه، لكن فشلهم فى شأن معين قد يدفع بهم إلى الانتحار. فقد يفشل مليونير أو ملياردير فى الوصول إلى منصب يشتهيه أو امرأة يحبها فيؤدى به ذلك إلى الانتحار، مما يعيدنا من جديد إلى حالة ضيق الأفق الإنسانى التى يظن البعض أنها ترتبط بفقراء الوطن وحدهم، رغم أنها مرض يعم الجميع.
ولو أن أياً من هؤلاء وأولئك تأمل بعمق قول الله تعالى «أم للإنسان ما تمنى» لاختلف حاله. فليس كل ما يتمناه المرء يدركه. وأنت لا تعلم ما يخبئه لك القدر فيما تظنه خيراً لك، وما يدخره من خير فيما تظنه شراً لك. والعاقل لا يحزن على ما فاته ولا يفرح بما أتاه لأنه لا يعلم ما وراء الأشياء «لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور».
أما ضيق الأفق الاجتماعى فحدث عنه ولا حرج. فتلك الفتاة التى يوشك أن يفوتها قطار الزواج هى ضحية لهذا النوع من ضيق الأفق. فماذا لو طلب القرب منها رجل متزوج؟ إنها سوف تقع فى دوائر الحيرة أمام المجتمع الذى يمكن أن يعايرها بذلك وأنها اضطرت إلى الموافقة تحت ضغط «العنوسة»، أما المجتمع نفسه فسوف تندلع ناره لاعنة فكرة الزواج الثانى ورافضة له (رغم أنه شرع الله). وليس بعيداً أن تتحرك مؤسسات الدولة ضد هذه الزيجة، وعلى رأسها المجلس القومى للمرأة، بل المجلس القومى لحقوق الإنسان، وسوف يبدأ الجميع فى إسماعنا وصلة غنائية لا تنقطع عن حقوق المرأة (الضائعة)!
وشكل آخر من أشكال ضيق الأفق الاجتماعى يرتبط بتراجع الأساليب التقليدية للتكافل الاجتماعى والارتماء فى أحضان المؤسسات الرسمية والمدنية الجديدة التى تجمع أموال الموسرين والقادرين «وتبزنس» فيها دون أن تمنح المحتاجين إلا القليل.
فالبعض يلقى زكاته وصدقاته فى يد أقرب فرد أو مؤسسة تقابله، لأنه لا يريد أن يتحمل عبء البحث عمن يستحقها، وقد يكون أقرب إليه مما يظن. قد يكون أخاه الذى لا يعرف عن أحواله شيئاً، قد يكون أحد أقاربه الذين لا يصل رحمهم، قد يكون جارا له أو أكثر فى الحى القديم الذى نشأ فيه، لكن فى ظل غياب قيمة الاجتهاد وتراجع قيمة السعى فى حياة الكثيرين يكسل الفرد عن بذل أى جهد لكى يصل بما ينفقه من مال إلى من يستحقه حتى يمنحه أملاً فى الحياة ويؤكد له أن «الدنيا ما زالت بخير».
فالمال الذى يجمع ب«الراحة» تلقى زكاته وما يحق عليه من إنفاق فى أقرب يد، أما المال الذى يرزقه الإنسان بالتعب فإن البحث عمن هو أولى بزكاته يكون بالتعب أيضاً حتى يوضع فى يد من يستحقه من الأهل الذين تسحقهم الحكومة، لأن «اللى ما لوش أهل.. الحكومة تاكله»!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.