الحية: نأمل زيادة المساعدات للوفاء باحتياجات أهالي غزة    الباشا والزعيم    لم ينجح أحد    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الثلاثاء 21-10-2025 في الصاغة بعد ارتفاعه 80 جنيهًا    أسعار الطماطم والخضار والفاكهة في أسواق الشرقية اليوم الثلاثاء 21 أكتوبر 2025    رسميًا.. موعد بداية فصل الشتاء 2025 في مصر وإلغاء التوقيت الصيفي (تفاصيل)    قائد القوات البحرية: قواتنا قادرة على مواجهة التحديات لحماية الوطن    السر المُذاع في المغرب    ب 250 مليون دولار.. ترامب يعلن هدم جزء من الجناح الشرقي ل البيت الأبيض لبناء قاعة رقص    ياسين منصور يكشف إمكانية طرح شركة الأهلي في البورصة    وزير «الرياضة» يقرر إيقاف مجلس إدارة «الإسماعيلي» وإحالته للنيابة    منتخب السويس يواجه العبور.. النجوم يصطدم ب جمهورية شبين بدوري القسم الثاني «ب»    اندفاع كتلة هواء قادمة من أوروبا.. تعرف موعد تحسن حالة الطقس وسقوط الأمطار    السيطرة على حريق داخل مستشفى بالمنيا    تأييد المشدد 5 سنوات لربة منزل وآخرين بتهمة «تهريب المخدرات»    تعرف على برجك اليوم 2025/10/21.. «الحمل»: حوّل تركيزك لاتخاذ خطوات جريئة.. و«الجدي»: لا تنسى من يحبك    هنا الزاهد: فيه ممثلين كبار حواليهم ناس بيطبلوا لهم.. وأنا ما بحبش المجاملات    «50 سنة يسرا».. نصف قرن من مسيرة فنية ذهبية لأشهر نجمات مصر    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها؟.. دار الإفتاء تحسم الأمر    في نص ساعة جاهز للأكل.. طريقة تجهيز الخيار المخلل السريع    لا مزيد من الروائح الكريهة.. تنظيف الميكروويف ب 3 مكونات في المنزل    أهمها استنساق البخار والمحلول الملحي.. 6 حلول عاجلة لعلاج انسداد الأنف في المنزل    فيضانات مدمرة تجتاح ألاسكا ويُطلب من ترامب إعلان الطوارئ    إعلام: ترامب متحمس جدًا لإنهاء حرب أوكرانيا    المتحف المصري الكبير.. قلعة الحضارة المصرية في ثوب أمني غير مسبوق    واشنطن تتعهد بعدم الرضوخ للابتزاز الصيني    اتحاد "شباب يدير شباب" (YLY) ينظم جلسة تدريبية حول مهارات التواصل الفعّال ضمن برنامج "تماسك"    القبض على زوج ألقى بزوجته من شرفة المنزل في بورسعيد    جامعة قناة السويس تواصل فعاليات مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"    محمد الدماطي: ترشحت لخدمة الأهلي.. ونهائي القرن أغلى بطولاتي    عمر خيرت يعزف للحياة ويتابع حديث النغم مع البيانو بحفل مهرجان الموسيقى العربية    مصطفى هريدي يكشف ل واحد من الناس علاقته بالزعيم عادل إمام وأول أدواره    مصرع شاب صدمه قطارا أثناء عبوره السكة الحديد فى العياط    المغرب وموريتانيا يوقعان على برنامج عمل في مجال التحول الرقمي لمنظومة العدالة    بالأرقام.. قطار البناء والتنمية يواصل مسيرته بالمبادرات الرئاسية    خناقة اتحاد تنس الطاولة    إصابة 10 أشخاص إثر تصادم ميكروباصين بالبحيرة    امتحانات أكتوبر موحدة داخل الإدارات التعليمية وتقتصر على مقررات الشهر فقط    تعرف على موعد إضافة المواليد على التموين في أسيوط    مواقيت الصلاة في أسيوط اليوم الثلاثاء 21102025    شبانة عن تتويج المغرب بمونديال الشباب: "عندهم نظام.. واحنا عندنا أزمات"    موعد مباراة بنفيكا ونيوكاسل يونايتد في دوري أبطال أوروبا والقنوات الناقلة    تعرف على سعر طن الأرز في أسيوط الثلاثاء 21/10/2025    أول تحرك من أوقاف الإسكندرية في محاولة سرقة مكتب بريد عبر حفر نفق من داخل مسجد    كيف تعدل المركز الانتخابي قبل بدء التصويت في انتخابات مجلس النواب؟ الوطنية للانتخابات تجيب    وزير القرارات جمهورية بتعيين قيادات جامعية جديدة    قائمة بيراميدز في مواجهة فاركو بالدوري    كيف نحب آل البيت؟.. أمين الفتوى يجيب    متى وكيف تقيس سكر الدم للحصول على نتائج دقيقة؟    متحدث الحكومة: نهدف لتيسير الخدمات الحكومية من أجل المواطن والمستثمر    منتجة مسلسل "ورد" تنفي وجود خلافات مع مخرجته    بسمة داوود تكشف لتليفزيون اليوم السابع سبب توترها على الريدكاربت بالجونة    وزارة العمل: قرارات زيادة الأجور لا تصدر بشكل عشوائي بل بعد دراسات دقيقة    الأخبار العربية والعالمية حتى منتصف الليل.. حماس: ملتزمون بوقف إطلاق النار والاحتلال لديه ثوابت لاختراق الاتفاق.. ترامب يهدد بفرض رسوم على الصين تصل ل175%.. جهود لإنقاذ ناقلة نفط تشتعل بها النيران في خليج عدن    شوربة الشوفان بالدجاج والخضار، وجبة مغذية ومناسبة للأيام الباردة    هل يشترط وجود النية في الطلاق؟.. أمين الفتوى يجيب    أمينة الفتوى: الزكاة ليست مجرد عبادة مالية بل مقياس لعلاقة الإنسان بربه    وزارة «التعليم» تقرر تعديل لائحة ترخيص طبع ونشر الكتب المدرسية الخارجية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفتي الجمهورية: تجديد الخطاب الديني أصبح واجبَ الوقت وأولى الضروريات
نشر في المصري اليوم يوم 23 - 04 - 2021

قال فضيلة الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، إن قضية تجديد الخطاب الديني أصبحت واجبَ الوقت، وأوْلَى الضروريات التي يجب الاعتناء بها، وصرف الجهود لتحقيقها.
جاء ذلك في محاضرة مفتي الجمهورية التي ألقاها ضمن سلسلة المحاضرات الدينية لشهر رمضان التي تقدمها جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية بدولة الإمارات العربية، تحت شعار «القيم الكبرى في القرآن الكريم» التي تُعقد عبر الإنترنت، وتهدف إلى توعية الطلبة وعامة الناس بمنهج التفسير الحضاري للقرآن الكريم، والمبادئ الكلية لنصوص تفسير نصوصه.
وأضاف مفتي الجمهورية أن تلك الحقيقة التي نؤكدها هي ما فطنت إليه المؤسسات الدينية والنُّخَب والقامات العلمية والثقافية في الأمة الإسلامية في العقود الأخيرة، وتظهر انعكاسات ذلك التوجه والفَهم في الحضور الطاغي لقضية تجديد الخطاب الديني في أغلب منصات مؤتمراتنا العلمية، وتردُّد صداها في أروقة البحث العلمي الأكاديمي في المجال الشرعي، بل لما لها من كبير حضورٍ على نطاق النظر الاجتماعي والإعلامي.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن ذلك الاهتمام البالغ بتجديد الخطاب الديني تحديدًا ينطلق من الإيمان بأنه الخطاب الأكثر قدرةً وفعاليةً على التوجيه وتعديل المسارات السلوكية والأخلاقية في المجتمعات العربية والإسلامية؛ فرغم أهمية الخطاب التعليمي والثقافي والإعلامي فإن الخطاب الديني يبقى له هذا الدور المميز والمكانة الخاصة؛ نظرًا لما يُمثله الدين من ركيزة أساسية في تكوين الشخصية العربية والإسلامية.
وأوضح أن ما يمر به عالمنا العربي والإسلامي من شيوع التطرف الديني أو الطائفي أو المذهبي الذي يرتكز على أفكارٍ تخنُق الإبداع وتحدُّ من حرية الفكر والتعبير، ما يمر به عالمنا من ذلك كله يجعل من تجديد الخطاب الديني ضرورةً حياتية وحتمية حضارية.
وتابع مفتي الجمهورية: «مثل سائر قضايا التقدُّم والإصلاح والنهضة والتنمية لم تنشأ قضية تجديد الخطاب الديني مبتوتةَ الصلةِ بالشرع الشريف؛ بل تعلَّقت بمقاصد الشريعة العامة ومبادئها الكلية؛ فإن التجديد مقصدٌ شرعي أصيل مقارنٌ للإسلام ذاته، وليست دعوات حادثة؛ فقد أمر صلى الله عليه وسلم بتجديد الإيمان في القلوب فقال: «جددوا إيمانَكم»، وبيَّن أن ذلك التجديد وظيفةٌ دينيةٌ شرعية تكفَّل سبحانه وتعالى بتقييد مَن يقوم بها على الدوام فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة مَن يجدد لها أمر دينها».
وأضاف مفتي الجمهورية أن قضية التجديد قبل أن تكونَ قضيةً حياتية ضرورية هي قضية شرعية، والتجديد الحقيقي الذي نعنيه وندفع في اتجاهه هو العودة للمصادر الأصيلة للتشريع الإسلامي واستدعاء ما يوافق كل عصرٍ باختلاف جهاته الزمانية والمكانية والشخصية والحالية بما يحقق مصلحةَ الإنسان في زمانه، وفي إطارٍ من منظومة القيم والأخلاق التي دعا إليها ورسخها الإسلام.
ولفت مفتي الجمهورية إلى أن هذا التجديد لا يتحقق بطبيعة الحال إلا بفَهمٍ تامٍّ لمتطلبات العصر والواقع، وتحقيقٍ لمقاصد الشريعة الإسلامية الغراء من غير إخلالٍ بالثوابت أو إهدارٍ لأي معلومٍ من الدين بالضرورة.
وأوضح مفتي الجمهورية أنه لا يختلف أحدٌ على أن محورَ التجديد في خطابنا الديني هو الاجتهاد في فهم النصوص؛ فكلٌّ من التجديد والاجتهاد لا ينفصلان مطلقًا؛ فالتجديد من لوازم الاجتهاد الصحيح؛ والاجتهادُ طريقٌ له؛ وهذا الاجتهاد الذي تُناط به عملية التجديد برمتها ليس اجتهادًا مطلقًا لا ضابط له؛ بل اجتهادٌ كما ينبني على فهم النصِّ فإنه ينبني أيضًا على إدراك الواقع وفهم تطوراته ومتغيراته، وإدراك أن أي محاولات تجديدية لن تُثمر ثمرةً حقيقيةً إلا بدراسة هذا الواقع والتعمق في علومه وفهم تفاصيله وما يطرأ على أعراف الناس وثقافاتهم من تغيير إيجابي أو سلبي.
وأضاف: «من هنا تظهر الأهمية الكبيرة للدراسات الإسلامية التجديدية التي تجعل النصَّ محورًا لها؛ وتُعيد النظر فيه طبقًا للمنهج العام والمبادئ العامة والمقاصد الشرعية وليس وقوفًا عند مفردات الألفاظ وجزئية الأحكام المقيدة بخصوصية الأزمان واختلاف الأحوال وطبائع الأماكن وقاطنيها».
وأشار مفتي الجمهورية إلى أنه لا شك أن أول النصوص وأهمهما في هذا السياق هو دستور الإسلام؛ القرآن الكريم؛ مأدُبة الله تعالى في أرضه، الكتاب الذي نزل لخير البشرية جمعاء، قال عنه الإمام الشاطبي: «إنه عمدة الملة لمن رام الاطلاع على كليات الشريعة وإدراك مقاصدها».
ولأنه لا تنقضي عجائبه، ولأنه صالح لكل زمان ومكان، وفيه كليات الشريعة ومقاصدها؛ فإنه كان -وما زال- محطَّ نظر المفسرين؛ وكان نظر كل مفسِّرٍ فيه نابعًا من زمانه ومكانه وثقافته ورؤيته لحال الإنسانية في عصره، ومن هنا كان من اللازم في عصرنا هذا الاهتمام بالتفسير الحضاري للقرآن الكريم والوقوف على الرؤية الكونية الحضارية الاجتماعية والنفسية التي جاء بها الكتاب الحكيم انطلاقًا من المبادئ الكلية للتفسير، وذلك لعِظَم هذا الاتجاه في تصوُّر وبناء تجديد الخطاب الديني في ظل قِيَم الإسلام الأصيلة وثوابته الراسخة وأخلاقه المحمدية.
وحول تحقيق الغايات المرجوة من التفسير الحضاري للقرآن الكريم، أوضح الدكتور شوقي علام، أنه منوطٌ بأن ينبني على عدة دعائم ومبادئ تفسيرية؛ لعل من أهمها الفَهم الدقيق للكليات الأخلاقية والقِيمية التي سعى القرآن الكريم لترسيخها وأناط بها أحكامه وتشريعاته، وجعلها زاويةً ينظُر من خلالها الإنسان إلى الكون والحياة، وهذا لا يتأتَّى إلا بالتدبر التام للقرآن الكريم، وبهذا التدبُّر يمكن الوقوف على القيم القرآنية الكبرى، فعلى سبيل المثال يجب فهم حقيقة الخير والصلاح، وفهم طبيعة الصراع الدائم بين الدوافع البشرية وبين السمو الأخلاقي والإنساني، وتدبُّر الآيات التي عالجت تلك القضايا بشكل دقيق جدًّا، وتتبع سبل التزكية القرآنية للنفس البشرية لمساعدتها على الانتصار في تلك المعركة الدائمة، والتخلُّص من طغيان قيم المادة والمصالح الشخصية، وإعلاء قيم الحب والسلام والإخاء، وكذا الفهم الدقيق لسائر القيم الكلية التي زخر بها القرآن الكريم.
وأكد مفتي الجمهورية على ضرورة فَهم البُعد الحضاري لقضية الاختلاف أثناء تفسير القرآن العظيم، وكيف أن ذلك الاختلاف أحد الدعائم المميزة للبناء الحضاري الإسلامي، والذي كان سببًا في تكوين ثروة فكرية دعمت المنظومة الفقهية والإسلامية على المستوى المحلي والصعيد الإنساني، وأثمر رحمةً بين العباد وتعايشًا بينهم في جوٍّ آمن يسوده الحب والرحمة والسلام؛ ولذلك فإن الإفادة من ذلك الخلاف مبدأ أصيل في عملية التفسير الحضاري؛ لأن الوقوف عند اتجاه فقهي أو فكري معين بالتصويب له وتخطئة غيره أثناء تناول آيات القرآن الكريم يُكرِّس لحالةٍ من الجمود، تتعارض تمامًا مع الرؤية التفسيرية الحضارية التي تنبني في الأساس على المرونة وسعة الأفق وتعدد الخيارات.
وأضاف مفتي الجمهورية أنه من المبادئ والقيم الكلية الضابطة التي ينبغي أن ينبُع منها التفسير الحضاري أن القرآن الكريم قد اهتم ببناء الإنسان داخليًّا ولم يقصر اهتمامه على التشريعات الظاهرية فقط؛ بل إنما شرع هذه التكليفات والتشريعات لأنها تعود بالأثر على كينونة الإنسان وقناعاته فتنعكس في اتجاهاته وأفعاله في سياقه الاجتماعي؛ فجعل القرآن من أولى دعائم بناء الإنسان الإيمان بالله، ومن الإيمان تفرعت بقية الأمور الاعتقادية الأخرى، التي أوجب بعضها إنهاض العقل للتعرف على حقائق الكون ومظاهر الحياة الدنيا، فالتفكير فريضة إسلامية على حد تعبير العقاد.
وأشار إلى أن من هذه المبادئ أيضًا الحث على عمارة الأرض، وهي قيمة عظمى ترتبط بأصل خلق الإنسان ووجوده في هذه الحياة، يقول تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، ويقول: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}؛ فهاتان الآيتان وغيرهما كثيرٌ تدلان على أن من مهام الإنسان الأولى التي خُلق من أجلها تعمير الأرض بشتى صنوف الخير وأنواع البر، وعدم الفساد بأي صورة.
وأوضح مفتي الجمهورية أنه إذا كانت جُل عبارات المفسرين في معنى إعمار الأرض تدور على المعنى المادي إلا أن مجال إعمار الأرض أرحب من ذلك؛ فهو يشمل كل ما فيه تنميتها ورُقيها سواء في الجانب المادي أو المعنوي؛ وهو ينبني في المقام الأول على التعاون الإنساني؛ وهذا الأخير لا يكون إلا بتحقيق الأمن العام للبشر في كل زمان ومكان.
ومن هذا المنطلَق حفظ الإسلام حرية الاعتقاد؛ حيث قال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}؛ وذلك لأن الاطمئنان الداخلي للإنسان اعتقادًا وفكرًا شرطٌ أساسي لانتمائه ثم عمله واجتهاده وتعايشه وتعاونه مع غيره لتحقيق النماء والإعمار.
وقال مفتي الجمهورية: «ومن هذا المنطلق كان العدل والحكم بالقسط من قيم القرآن الكبرى، وقد جاءت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم تؤسس للعدالة بين البشر على السواء لأهمية هذا المعنى في استقرار المجتمع وانتفاء الخوف من ضياع الحقوق، فيتوفر الأمن والطمأنينة، وهو رافد مهم من روافد البناء الحضاري.
ومن هنا أيضًا كان من القيم القرآنية العملُ على تحقيق معاني الأخوة والتواصل بين المجتمعات؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}؛ ففي هذه الآية بيان وحدة الجنس البشري، والأصل الواحد الذي خُلقت منه جميع شعوب الأرض، وقد أفصحت الآية عن الغاية من هذا التنوع والاختلاف وهو التعارف والتعايش بين شعوب الأرض، فمن هنا كان من القيم القرآنية أن تسود بين أفراد هذه الأسرة الكبيرة الممتدة عبر الزمن علاقات المودة والبر، وكان من هذه القيم الحاكمة لتفسير القرآن الكريم أن الإسلام دين تواصل وتعايش ونفع للبشرية كلها على اختلاف عقائدها وأعراقها وألوانها.
وأوضح أن من المبادئ الكلية لتفسير نصوص القرآن الكريم الالتفات إلى هذه المعاني لبيان أن ما تفعله جماعات التشدد والإرهاب هو محاولة لعزل الأمة الإسلامية عن العالم كله، بل عزل طائفة من الأمة ذاتها داخل الأمة من أجل دعاوى ما أنزل الله بها من سلطان.
وهكذا كان التفسير الحضاري للقرآن الكريم دافعًا إلى معاني التآزر الإنساني وتكامل المجتمعات الإنسانية في مواجهة القضايا الإنسانية الكبرى كالتأمين العام للغذاء والدواء، ومقاومة الجوائح العالمية كفيروس «كورونا»، والتعاون الإنساني في الحفاظ على النفس البشرية في مواجهة الكوارث الطبيعية، ومحاربة الجرائم العالمية كالاتجار بالبشر وصناعة وترويج المخدرات، وغير ذلك من أوجه التعاون الإنساني.
وعن تعاملنا مع التراث التفسيري، قال مفتي الجمهورية: إن التراث الذي خلَّفه علماء الأمة تراثٌ عظيم وثروةٌ بيانية وبلاغية ومعرفية ساعدت في فهم آيات القرآن الكريم؛ ومع كل ذلك فيجب أن يُفهَم ذلك التراث في إطار الجهد العلمي البشري بإنزال النصوص على الواقع من وجهة نظر المفسرين على اختلاف عصورهم، دون خلطٍ بين ما هو مقدس وما هو بشري، وبين ما هو ثابت وما هو متغير، فإن ذلك الخلط مثَّل حائط صدٍّ أمام التجديد على طوال السنوات الماضية؛ ومن هنا فينبغي تقبُّل فكرة إعادة النظر فيما دوِّن ومناقشته علميًّا في ضَوء المقاصد الربانية الثابتة، والقواعد الكلية المستقرة، والتي فسر هؤلاء العلماء العظام القرآن في ضوئها.
وتابع: «من هنا، يجب مراعاة الظرف الزماني والمكاني أثناء النظر في تفاسير الكتاب العزيز، وضرورة التوقف عن استدعاء النصوص التفسيرية دون عرضٍ على الظروف الراهنة، فإن من العبث استجلاب هذا التراث بتفاصيله إلى زماننا الحاضر ليتحرك في أرض الواقع الحالي ويحكم هذا الحاضر ويضع حلولًا لمشاكله كأنه الماضي؛ فينبغي أن يُنظَر في هذا النتاج العلمي التراثي لا لاستدعاء الجزئيات بل لاستخراج مناهج الاستنباط والتطبيق في ظل المبادئ الكبرى للشريعة».
ولفت فضيلة المفتي إلى أن التفسير الحضاري للقرآن الكريم يمثل حلقة من حلقات انفراج الأزمة القائمة في تجديد الخطاب الديني، ويساعد على بناء ذلك النموذج المعرفي والأخلاقي وترسيخه في النفوس، انطلاقًا من القيم الأخلاقية القرآنية الخالصة، فإن الله تعالى أنزل القرآن الكريم ليكون كتاب هداية للخلق أجمعين، ودستورًا حاكمًا في سائر المجالات، وإن تلك الأمة قد أسست حضارتها وَفق ذلك الدستور المحكَم الرباني، ووفق قيمه الكبرى ومبادئه الكلية، وتفعيل تلك القيم بشكل حقيقي في مناحي الحياة كافةً؛ فالحضارات لا تقوم بمجرد الاعتقاد، والمسلم لم يؤسس حضارته لكونه مسلمًا اعتقادًا فقط؛ بل لكونه متبعًا لمبادئ الشرع الحنيف ومحققًا لمقاصده في الخلق كافةً، وقد جرت سنن الله تعالى بذلك، فلا إنجاز بلا عمل، ولا حضارةَ بدون الأخذ بمقوماتها كاملة، ولذلك فنحن بحاجة لتتابع الجهود في مجال التفسير الحضاري، إحياءً للمبادئ القرآنية، وتجديدًا لدين تلك الأمة.
واعتبر مفتي الجمهورية أن الحاجة لهذا التفسير ليست مطلبًا إسلاميًّا فقط؛ فإن البشرية جميعًا تحتاج إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى، فإنها في أمس الحاجة للتخلص من المحددات الأخلاقية المادية الطاغية على العالم اليوم، والانتقال من تلك المبادئ المدمرة إلى المبادئ والقيم الربانية القرآنية التي تُعلي من قيم الوحدة والتماسك والتعايش والتعاون البشري.
واختتم مفتي الجمهورية محاضرته بقوله: «خلاصةُ الأمر أن منهج التفسير الحضاري الذي ندعو إليه هو ما يأتي في إطار تجديد الخطاب الديني، ويتمثل ذلك في أن يهتم بما ينفع الناس ويُعينهم على حركة الحياة، وأن ينشر قيم الاعتدال والتسامح العالمي، ويحاصر الغلو والتطرف، ويركز على جوهر الدين ويحفظ ثوابتنا، وينفتح على العالم، وأن يكون تفسيرًا بعيدًا عن الخرافات، ويعتمد على فقه الأولويات كعنصرٍ أساسي في التجديد. وبذلك يكون هذا المنهج عامًّا، لا يقتصر أثره على الأمة الإسلامية فحسب؛ بل يشمل الجنس البشري عمومًا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.