يلخص ما حدث لطبيب الأسنان الشاب أحمد حرارة، ثورة مصر، فقد أصيب فى عينه اليمنى يوم 28 يناير فى ميدان التحرير، وأصيب فى عينه اليسرى يوم 19 نوفمبر فى ميدان التحرير. فقد أحمد الإبصار بعينيه، فلم يعد يرانا، ولكننا نراه، ونرى من أفقده البصر. التاريخ لا يتكرر، وإنما يتقدم «عبر منحنيات قذرة» على حد تعبير ماركس، ونحن فى قلب هذه المنحنيات القذرة. ثار الشعب من أجل الحرية فى 25 يناير، وكل ثورة توجد معها ثورة مضادة، وقد بدأت فى 28 يناير، وما بدأ يوم 19 نوفمبر ثورة ضد الثورة المضادة. غضبت شادية عندما اعترضت على قولها فى أغنية تحرير طابا «الكلام مش وقته خالص العمل هو المفيد»، ولم تدرك ما أقصده، فالقول الشائع «بلاش فلسفة» يعنى فصل العمل عن الفكر، وأى عمل لا تكون له قيمة حقيقية من دون فكر، أى من دون فلسفة، وقد يغضب البعض من هذه الكلمات، ويقول «بلاش فلسفة» والشباب يقتل فى ميادين مصر، ولكننا فى حاجة إلى الفلسفة أكثر من أى وقت مضى لأن الشباب يقتل فى الميادين، فالمفاهيم الخاطئة التى يروج لها فى وسائل «الإعلام»، والكلمة بين قوسين عن عمد. لأن الإعلام ضد التجهيل، والشىء يعرف بنقيضه، ومن هذه المفاهيم الخاطئة قياس المظاهرات بأعدادها، والقول بأنها لا تمثل ال80 مليون مصرى. لم يحدث فى التاريخ، ولن يحدث فى المستقبل، أن قام شعب بأكمله بثورة، أو اشترك بأكمله فى أى انتخابات أو استفتاءات، فهناك دائماً نسبة من الشعب تمثل أغلبيته وتعبر عن طموحات هذه الأغلبية. وليس من الممكن إحصاء أى مظاهرات بدقة، مثل إحصاء الإيرادات والمصروفات، ولكن المؤكد يقيناً أن الملايين اشتركت فى ثورة 25 يناير، وتشترك فى الثورة ضد الثورة المضادة منذ 19 نوفمبر. ومن المفاهيم الخاطئة أيضاً الترويج بأن الاعتراض على أسلوب «إدارة البلاد» منذ نجاح الثورة فى الإطاحة برئيس النظام الذى قامت الثورة ضده، واعتبار هذا الأسلوب يخدم الثورة المضادة بوعى أو من دون وعى، هو اعتراض على الجيش المصرى لأن قيادات الجيش هى التى تدير شؤون البلاد، وقد فزعت من اقتراح إجراء استفتاء حول استمرار قيادات الجيش فى إدارة هذه الشؤون أو عدم استمرارها، لأنه يعنى عملياً الاستفتاء حول علاقة الجيش بالشعب، وهى علاقة أقوى وأعمق من أن تكون موضوعاً لأى استفتاء. والجيش مسؤول عن أمن الوطن فى جميع الأوقات، وفى كل العهود مهما كان النظام السياسى، وثقة الشعب فيه لا تحتاج إلى استفتاء. ليس من السياسة فى شىء اعتبار التراجع عن خطة معينة أو خارطة طريق حسب التعبير الشائع هذه الأيام، «إهانة» على أى نحو. وقع ستالين معاهدة مع هتلر وكلاهما يعلم أن الحرب قادمة بينهما لا محالة، وهذا ما حدث، ووقع النحاس معاهدة مع بريطانيا عام 1936 وألغاها، وقال قولته المأثورة «من أجل مصر وقعت المعاهدة، ومن أجل مصر ألغى المعاهدة». فماذا على قيادات الجيش لو قالت اليوم من أجل مصر وضعت خارطة طريق تبدأ بالانتخابات، ومن أجل مصر نلغى هذه الخارطة، ونضع خارطة أخرى. [email protected]