يوجد هذا السبيل فى شارع النحاسين أمام مسجد الناصر محمد بن قلاوون ومدرسة الظاهر برقوق بشارع المعز لدين الله الفاطمى، وظل يقدم خدماته لطلاب العلم والمغتربين وأصحاب الحاجة، وكانت أبوابه مفتوحة أمام هؤلاء طوال أيام السنة. قام بإنشاء هذا السبيل محمد على باشا، وذلك صدقة على روح ولده إسماعيل باشا، الذى توفى فى السودان فى عام 1238 ه - 1822 م، ويكسو واجهة السبيل الرخام المحلى بنقوش وكتابات جميلة، وواجهته مكونة من أربعة أضلاع يغطى كل منها شباك نحاسى مصبوب به رسومات بيضاوية يتخللها توريق، وقد كسيت هذه الأضلاع بالرخام من أسفلها إلى أعلاها، وحليت خواصر عقود الشبابيك بزخارف مورقة أقرب إلى الزخرف، يعلو كل شباك لوحة مكتوبة بالتركية، يعلوها عقد بداخله زخارف ويغطى الجميع رفرف خشبى حلى بزخارف مذهبة، وتتصل به من طرفيه أبنية المدرسة. بهذا السبيل كسر محمد على باشا التقليد المعمارى المملوكى، الذى امتد قرونا، فاختار موقعا بارزا فى المنطقة التجارية النشطة على الشارع الرئيسى فى المدينة، واستورد أخشابا ورخاما أبيض من تركيا، وربما جلب منها بعض الحرفيين أيضا، واختار أن يشيد مبنى بهذه الضخامة والفخامة ليبرز سلطته السياسية. كان الماء يحفظ فى صهريج ضخم تحت الأرض عمقه تسعة أمتار، ومسقوف بتسع قباب حجرية، وجدرانه مبطنة بمونة غير منفذة للماء، على غرار المبانى الرومانية القديمة، وكانت تغذيه بالماء أنابيب تملؤها سواقٍ منصوبة على الخليج المصرى الذى كان يخترق المدينة وقتها، وتبلغ سعة الصهريج 455 ألف لتر، تكفى لملء مليون ونصف المليون كوب من الماء، وعادة ما يكون الناس الذين يشربون من السبيل يتركون عملات رمزية عرفانا للجميل، ووجد منها الكثير خلال الترميم تحت الدرجات وفقا للعرف الشعبى، وكان باستطاعة الذين يرتقون الدرجات من الشارع ليصلوا إلى النوافذ المغطاة بالقضبان ليشربوا، أن يلمحوا باطن القبة المزخرف فوق قاعة السبيل، فتوحى لهم المدينة الخيالية والنقوش النباتية المزهرة المنقوشة عليها بصور الجنة.