نزار قبانى كانت أشعاره مرجعية الخبراء فى حملة تحفيز المواطنين على المشاركة السياسية.. بروباجندا الانتخابات تقول فيها سيدة ما: أنا اللى اخترت لون شعرى.. ويقول رجل: أنا اللى اخترت نوع السيارة.. وتقول زوجة: زوجى هو الذى اختارنى.. ويرد زوج آخر: أنا من اختار زوجتى، ثم يحرضك الإعلان فى النهاية على اختيار واحد من المرشحين فى الانتخابات.. «اختار..انتخب.. شارك»، وعندما تنظر إلى نتيجة الانتخابات ستجد أنهم سمحوا لأربعة أشخاص من قيادات حزبية غير الوطنى، بالنجاح فى الانتخابات ثم لا شىء.. لا أحد آخر.. طبعاً كانت الرسالة واضحة للجميع.. والمواطن المصرى يفهمها وهى طايرة، ويقول لك صدق المثل غير الشعبى الشهير «الإنسان عاوز تحيره.. خيره».. الاختيار إذن حيرة وعملية مرهقة، وبالتالى فهو يتمنى أن يبادر الخبراء بمساعدته فى الأمر، وهى حيرة مفهومة من أيام سبارتاكوس وثورة العبيد لأنهم عندما حصلوا على حريتهم احتاسوا ولم يدروا ماذا يفعلون بها وإلى أين يذهبون، وقالوا إنا ها هنا قاعدون وأنتم أيها السادة قولوا لنا ماذا نفعل وأريحونا من عذابات الاختيار، ونحن فى مصر لدينا خبرات نادرة فى إدارة العمليات الانتخابية بداية من اختيار رموز معبرة من الناخبين خير تعبير.. فلان رمز الجردل.. فلانة رمز الكنكة.. فلان رمز الديك.. وصولا إلى الفوز باكتساح.. لدرجة أنهم يروون نكتة قديمة عن استعانة رئيس أمريكى بزعيم مصرى راحل أن يرسل له خبراء يساعدونه فى حملته فى أمريكا، فأرسل له الخبراء وأدوا المهمة على الوجه الأكمل وعندما عادوا سألهم الزعيم ما هى الأخبار وما هى أرقام النتيجة؟ قالوا: تمام يا فندم تسعة وتسعين وتسعة من عشرة فى المائة، وعندما سألهم من الذى فاز بالانتخابات الأمريكية قالوا له بتلقائية شديدة: طبعاً سيادتك يا فندم، على أى حال عملية التسويق السياسى أصبحت الآن عملية تدار بأسلوب مختلف واختفت الأربع تسعات من قاموس الانتخابات إلى غير رجعة والنتائج أصبحت فى «التمانيات»، وهذا تقدم كبير جداً نحو الوصفة الديمقراطية، ولكن تظل عملية الترشيح مغامرة مجنونة إذا أقبل عليها المثقفون والنخب فى مصر، وقد جربت أن أشاغب الدكتور مصطفى الفقى وأورط الشاعر محمد أبودومة فى حوار ثقافى سياسى، فقلت للدكتور الفقى: أبودومة يريد ترشيح نفسه فى الانتخابات عن دائرة دمنهور، فضحك وقال: أعلم أنه صعيدى، ولكن فليجرب، وليلعم مقدماً أنها معركة غير متكافئة مع المرشحين من رجال الأعمال، فتدبروا أحوالكم أيها الشعراء، شكراً يا دكتور، ولكن دع الشعراء يحلمون، فنحن هذه الأيام فى حاجة إلى خيال سياسى جديد أكثر من أى وقت مضى، خيال يتجاوز ديمقراطية نزار قبانى الذى يقول: إنى خيرتك فاختارى ما بين الموت على صدرى أو بين دفاتر أشعارى. [email protected]