شرف المقاطعة

ربما تكون مثلى لا تعرف معنى «مقاطعة» جماعة سياسية، أو الدخول فى «خصومة» مع صحيفة قد تختلف معك، لكنها تعطيك «فرصة» التعبير عن رأيك، وتحاورك، وتنقل عنك، فالذى يقاطع هنا هو الخاسر، خصوصاً إذا كانت الصحيفة تفتح ذراعيها لأصحاب الآراء المتعارضة والمتناقضة، وتعطيك «الحق كاملا» فى الرد والنفى. فما الذى تريده «جماعة الإخوان» من إعلانها مقاطعة «المصرى اليوم»؟ هل ستحجب عنها المعلومات، كما تفعل الأنظمة الفاشية والتسلطية، وتمنع «قادتها» من التصريح لمحررى الصحيفة، وتفتش ملابس الحاضرين لمؤتمراتها، لتضبطهم متلبسين بحيازة «المصرى اليوم»، وبالتالى وجب ربطهم فى جذوع الشجر و«جلدهم» أمام المارة ليكونوا عبرة لمن يقرأ «الصحيفة»؟ أم ستمنع أبناءها من شراء الصحيفة، وبذلك تكون صاحبة أول قرار «مصادرة» بعد الثورة؟ أم أن «الجماعة» تريد «المصرى اليوم» ناطقة بلسانها، وحارسة لمصالح رجالها الكبار، وداعمة لأفكارها «الغريبة»، دون أن تلتفت لأى تيار آخر، خصوصاً من يعارض «الجماعة»؟
وهل «المقاطعة» من الأدوات والوسائل السياسية التى تتماشى مع ما نحلم به من حرية وعدالة، وهل عجزت جماعة ترى نفسها «الأهم والأكبر والأحق» فى أن تشتبك مع «صحيفة مصرية» بالرأى والحجة والمنطق، بدلاً من إشهار سيف «المقاطعة» الذى تظنه بتارا، وهو ليس كذلك بكل تأكيد، بل هو سيف من ورق يتلهى به الصغار. «الجماعة» تريد منبطحين ومؤيدين وخائفين ومرتعشين، ومسبحين بحمدها، ومشيدين بمجدها، ومهللين بفضائلها، ومباركين لسياستها، ولا تطيق المخالفين، ف«الجماعة» تمقت، كالنظام السابق، كل المعارضين وتعادى كل المخالفين، وتتسلح بسلاح «الدين» وترفعه فى وجه من «يؤمنون بالله ورسوله».
ومنذ تنحى مبارك و«الجماعة» تعطى لنفسها ما لا تعطيه لغيرها، وترتدى ثوب «الثورية» وتنزعه عن غيرها، مع أن الثوب فضفاض ولم يكن يوماً ثوبها، وتأخذ لنفسها حق «الرأى والفتوى والتشريع ووضع الدستور»، وتباهى بما ليس عندها من سطوة ونفوذ، وتهدد وتتوعد معارضيها حتى إنها جاوزت ما كان يفعله «الحزب الوطنى» فى عز سطوته وفساده، والذى لم يعلن مقاطعته ل«صحيفة» واحدة.
هكذا بدت جماعة «الإخوان» بعد «25 يناير» وكأنها بالفعل تحكم وتتحكم فى هذا الوطن، فإن هاجمت سياستها ستجد نفسك «آثماً»، فى أبسط الحالات، ومعادياً للإسلام إن أثبت «كذب» أحد قادتها، وستكون عدوانيا إن نقلت عن «قيادى» خاض فى كلام تخفيه «الجماعة» ولا تجاهر به إلى حين، مثل كلام محمود عزت عن «الحدود»، والذى قاله فى إمبابة ونقلته «المصرى اليوم» وحدها، ولهذا ينبغى أن يفهم الجميع أن الرسالة وصلت وهى رسالة «تهديد صريح» لكل من يتجاسر على «الجماعة»، وإذا كانت «المقاطعة» شرفاً اليوم، فربما تكون وبالاً غداً حين تطغى «المصادرة».
إذن نحن الآن، وبشكل لا لبس فيه، أمام جماعة «تحكم» أو هكذا ترى نفسها، مسيطرة على البلاد والعباد، وتريد أن «تسلسلنا» فى صحفنا، أو تقعدنا فى بيوتنا لنترك لها «الجمل بما حمل» أو توجهنا شطر «المنيل» أو «المقطم»، حيث يحكم قادتها، وإلا فإنها تتوعدنا ب«الحرمان» من جنتها، فهى تظن أنها أنزلت ب«المصرى اليوم» العقاب المستحق ب«المقاطعة»، وهى لا تدرى أو تدرى أن عصر مصادرة الرأى وحجب الفكر وطمس الحقائق ولّى ولن يرجع إلا إذا حكم «الإخوان» مصر وساعتها ستعصم عيوننا برابطات سوداء، وستسد آذاننا بالرصاص المذاب، وستضع على صدورنا حجارة أشد ثقلاً من تلك التى وضعت على صدر «بلال بن رباح»، وستكون المصادرة شعاراً، وتكميم الأفواه هدفا، وقمع وسجن المعارضين ضرورة، والجلد عند النواصى وعلى قارعة الطرق أقل درجات العقاب.