للديمقراطية وجوه عديدة، تجعل البيوت أولى بتطبيقها من الدوائر السياسية، فالمنزل هو البروفة الأولى للمجتمع الكبير، وممارسة الديمقراطية المنزلية تصنع مواطناً صالحاً. هذا ما تؤكده الدكتورة هالة حماد، استشارى الطب النفسى، وتقول: الأسر الديمقراطية تنتج أفراداً أقوياء الشخصية قادرين على اتخاذ القرارات، وتغيير الواقع للأفضل، مسالمين، ومتفاهمين مع الآخر، بعكس الأسر الديكتاتورية التى تفرز أفراداً إما مهزوزين الشخصية، أو متمردين على كل شىء وعدوانيين تجاه الجميع وأنفسهم. والديمقراطية بناء تراكمى يجب إرساء قواعده فى السن الصغيرة، منذ العامين تقريبا نقوم بترك بعض الخيارات للطفل لأبداء رأيه بشأنها، ففى كل بيت لابد من وجود مجموعة من الخطوط التى تحدد طبيعة التعامل بين أفراده من جهة وبينهم والمجتمع الخارجى من جهة أخرى، الأولى تعرف بالخطوط الحمراء، وتتعلق بأشياء لا تهاون فى أدائها، ويرتب إهمالها عقابا ما، كالتلفظ بألفاظ جارحة واستخدام العنف والسرقة والتطاول على الذات الإلهية، وخطوط أخرى برتقالية، تتعلق بأشياء يجب فعلها ولكن فى الوقت وبالطريقة التى يرتاح لها الابن، كالاستحمام اليومى، والوفاء بواجباته الأسرية المكلف بها، وخطوط أخرى خضراء لأشياء له كامل الحرية فى فعلها كنوع طعامه وملابسه، وهواياته. ويمكن لكل أسرة أن تضع لنفسها دستوراً ينظم تعاملاتها ويحدد أولويات قيمها والعقوبات المقررة لتجاوز الخطوط الحمراء، ثم تستفتى عليه أفرادها وتدخل عليه التعديلات إذا تعرض لبعض الاعتراضات، وليس بالضرورة أن يكون مكتوباً وإنما متفق عليه. ويتم اللجوء للتصويت لاتخاذ القرارات الخاصة بالأسرة، وإن لم تحظ أحدها بإجماع أو أغلبية تجب معاودة مناقشتها فإن لم تثمر الإعادة عن شىء، فيكون القرار حينها للأب أو الأم. وعن تجربته مع الديمقراطية الأسرية، يقول الدكتور عماد جاد، الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية: كل قراراتنا الأسرية حالياً تخضع للتصويت منى وزوجتى وأولادى، سواء تعلقت بمكان قضاء العطلة الصيفية، أو ماركات بعض الأجهزة المنزلية التى ننوى شراءها، حتى طعام الغداء يخضع للتصويت، وبدأت هذه الممارسات مع أولادى من سن السادسة، وتركت لهم مسؤولية اتخاذ قراراتهم كاملة بسن العاشرة. بالطبع هنالك قرارات فى حياة الأسرة أتخذها مع زوجتى دون الرجوع إليهم، وهى القواعد العامة لحياتنا كبرامج تربيتهم، وطبيعة مدارسهم، وأصدقائهم وفى مرات قليلة أحيد عن ديمقراطيتى ولكن زوجتى سرعان ما تنبهنى وتحثنى على تدارك خطئى، ونفس الشىء أفعله معها. ويقول الشاعر شعبان يوسف: لى أربعة أبناء، أحاول بقدر الإمكان أن أعاملهم بديمقراطية، ولكن تطبيقها ليس مرهوناً فقط بنيتى الطيبة ورغبتى فيها وإنما محكوم بعوامل خارجية أخرى قد تؤثر فى ممارستى لها كالظروف الاجتماعية والمادية، وعوامل الأمان فى المجتمع، فلدى هواجس تدفعنى للتعامل بعنف وديكتاتورية أحياناً كثيرة، ولست متصالحا مع ديكتاتوريتى هذه، ولكننى مجبراً عليها، نعم لست ديمقراطياً بالشكل الذى أقبله أو أتمناه ولكننى ديمقراطياً بالقدر الذى تتيحه الظروف المحيطة وممارسة الديمقراطية الحقيقية لن يتسنى إلا حينما يتطور المجتمع ويكتمل تحضره ويسوده العدالة والأمن.