مكالمة سرية

لو لم تكن تحمل خطراً على مستقبل مصر أولاً.. وعلى قضاء عادل نحترمه ونقدره ثانياً.. ما كنت قد أفشيت تفاصيل «مكالمة سرية» أبلغنى بها أحد القضاة.. سأكتب تفاصيلها دون أن أذكر اسم القاضى أو اسم بطل المكالمة، وليسامحنى مصدرى.
كنت أتابع عملى اليومى بشكل عادى، اتصلت بمصادرى من رجال القضاء لأتابع تحقيقات النيابة وجلسات المحاكمات وتحقيقات القضاة المنتدبين من وزارة العدل للتحقيق فى بعض القضايا، وسط تلك المكالمات الكثيرة كانت واحدة تفاصيلها خطيرة جداً.. فسألت القاضى الذى يحدثنى: هل تتيح لى أن أنشر تفاصيل ما قلته الآن؟ فبادر مسرعاً: «لا أنا باحكى معاك فقط.. وبقولك أد إيه إحنا مضغوطين ونتعرض لهجوم ونحن لسنا طرفاً فيه».
أبلغته بأنى سأكتب دون أن أذكر اسمه، أو اسم من دارت حوله المكالمة، فسكت قليلاً ثم طلب منى أن أمهله وقتاً للتفكير، ولم يرد على حتى الآن، أما تفاصيل المكالمة فقد بدأت باستفسار منى عما دار فى التحقيقات مع أحد المتهمين فى قضايا فساد وقضايا جنائية، فكان الرد بعد نصف ساعة من المكالمة: «الراجل ده إحنا جبناه وحققنا معه.. وكانت هناك أدلة مادية تستوجب حبسه لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيقات لاتهامه فى إحدى الوقائع الجنائية، وكان هناك شهود لأشخاص تدينه فى التحقيقات، وقبل أن نصدر قراراً بالحبس فوجئنا بهذا الرجل يقول: (هناك 5 آلاف عامل معلقون فى رقبتى. وصدور قرار بحبسى معناه تسريح تلك العمالة.. وتسريح 5 آلاف عامل يعنى تشريد 5 آلاف أسرة)».
كلام المتهم الذى لم يتم إثباته بناء على طلبه فى التحقيقات، وهذا له مغزى متروك لكم فهمه، يحمل معنيين على القاضى أن يحللهما.. الأول إما أن يكون على سبيل الاستعطاف.. والثانى يحمل نوعاً من التهديد.. لم يتأثر القاضى بأى من المعنيين وقرر حبسه 15 يوماً على ذمة التحقيقات.. لكنه فوجئ بمحامى المتهم يطلب من المتهم أن يضغط بهؤلاء العمال لإخلاء سبيله بشكل علنى، وللعلم تمت إحالة المتهم إلى المحاكمة الجنائية.
الجزء الأخير من المكالمة تحدث عما يفعله المتهم من داخل السجن ومحاميه من الخارج للضغط على القضاء بهؤلاء العمال، ولن أتطرق إلى تفاصيل أكثر من ذلك حتى لا أفشى عن مصدرى.. ولكن أعتقد أن القضية قد وصلت، وأخشى من تفاصيل أكبر خشى مصدرى أن يقولها لى.. ولم يعد عندى غير سؤال واحد فقط: «هل يصبح عمال الشركات الخاصة دروعاً بشرية يستخدمها البعض لحمايته من الذهاب إلى طرة لاند؟».
ashallabi@gmail.com