د.محمد صفى الدين خربوش تتباين النظم الانتخابية بين نظم تأخذ بنظام الانتخاب الفردى، وأخري تتبنى نظام الانتخاب بالقائمة، وثالثة تجمع بينهما، بحيث تخصص مقاعد للمرشحين الفرديين وأخرى للقوائم الحزبية. ويسعى كل من هذه النظم إلى تحقيق أفضل تمثيل ممكن للمواطنين، استناداً إلى أن النواب يمثلون الأمة، ويضطلعون- نيابة عن المواطنين الذين يقومون بانتخابهم- بالدور الرئيسى فى التشريع أو سن القوانين التى يلتزم بها المواطنون، وفى الرقابة- نيابة عن المواطنين- على أعمال الحكومة. ولا ريب أن أى نظام انتخابى لن يتمكن- مهما تعددت مزاياه- من تحقيق التمثيل العادل تماما لملايين المواطنين، الذين يقومون بانتخاب مئات من النواب، كى يقوموا بتمثيلهم كسلطة تشريعية تتحدث باسم الأمة، وتقرر باسمها، وتدافع عن حقوقها، أى تنوب عن الأمة باعتبارها «مصدر السلطات». وقد أخذت مصر منذ دستور 1923 بعدة نظم انتخابية غلب عليها النظام الفردى، باستثناء مرة وحيدة تم خلالها تطبيق نظام الانتخاب بالقائمة فى انتخابات مجلس الشعب عام 1984، وأخرى تم خلالها الجمع بين نظامى القائمة والفردى، مع انحياز واضح لنظام القائمة فى انتخابات مجلس الشعب عام 1987. ولأن كلتا التجربتين لم تكن متسقة آنذاك مع الدستور، تم العدول عن نظام القائمة والعودة إلى النظام الفردى، منذ عام 1990 وحتى انتخابات 2010. ويؤخذ على نظام الانتخاب الفردى إسهامه- مع عوامل أخرى- فى استمرار ضعف الأحزاب السياسية، وهو الأمر الجلىّ منذ عودة الأحزاب السياسية عام 1979. فى حين يتميز هذا النظام بضمان العلاقة المباشرة بين المواطن ونائبه، الأمر الذى يسمح للأول بالتعبير عن مطالبه الخاصة والعامة من خلال القناة التى تتيحها العلاقة المباشرة مع النائب. وعلى النقيض، يتمتع نظام الانتخاب بالقائمة بمزية الإسهام فى تقوية الأحزاب السياسية، لكن يعيبه القضاء على العلاقة المباشرة بين الناخبين والنواب. ومن الأهمية بمكان أن يسعى النظام الانتخابى إلى تحقيق العدالة- أو أقصى ما يمكن تحقيقه من عدالة على الأقل- فى تمثيل المواطنين، وذلك من حيث عدد السكان، والتوزيع الجغرافى للمواطنين، والتباينات داخل المجتمع، بحيث يسمح النظام الانتخابى بتمثيل جميع المناطق والمحافظات والمراكز والأقسام والقرى، والفئات الاجتماعية التى يتكون منها المجتمع، وألا يكون متحيزاً لصالح مناطق أو فئات اجتماعية على حساب باقى مناطق وفئات المجتمع. ولا ريب أن المواطن المصرى قد اعتاد على نظام الانتخاب الفردى، ويجب أن يؤخذ ذلك فى الاعتبار، لأن المواطن هو صاحب الحق فى اختيار ممثليه بالأسلوب الذى يراه مناسباً. ومن الصعوبة بمكان إقناع المواطن المصرى بالتحول فوراً إلى نظام القائمة وإلغاء النظام الفردى. ومن الناحية الأخرى، يكاد يستحيل الانتقال إلى نظام حزبى ذى فاعلية دون الأخذ بنظام الانتخاب بالقائمة. ومن ثم، يُقترح تبنى نظام انتخابى جديد يجمع بين نظام الانتخاب الفردى- تحقيقاً لرغبة معظم المواطنين- ونظام الانتخاب بالقائمة، لتقوية الأحزاب السياسية. ويسعى- فى الوقت نفسه- لتحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة بين فئات المجتمع ومناطقه. ويقوم هذا النظام المقترح على مراعاة التقسيم الإدارى القائم، بحيث يتسق تقسيم الدوائر الانتخابية مع تقسيم الوحدات المحلية. وفى هذه الحالة، تعتبر المحافظة هى الدائرة الانتخابية بالنسبة للقوائم الحزبية، فى حين يعتبر المركز الإدارى و/أو القسم هو الدائرة الانتخابية فى الدوائر الفردية. ويتم التقسيم وفقاً لمعيار عدد السكان فى دوائر القائمة، وعدد الناخبين فى الدوائر الفردية. ففى دوائر القائمة، يُقترح تقسيم محافظات الجمهورية إلى أربعة أقسام، وفقاً لعدد السكان فى المحافظة وتوزيع المقاعد وفقاً لهذا المعيار على النحو التالى: القسم الأول: ويضم المحافظات التى يزيد عدد سكانها على خمسة ملايين نسمة، حيث يخصص لكل منها اثنا عشر مقعداً فى القائمة. القسم الثانى: ويضم المحافظات التى يزيد عدد سكانها على ثلاثة ملايين نسمة ويقل عن خمسة ملايين نسمة، ويخصص لكل منها عشرة مقاعد فى القائمة. القسم الثالث: ويضم المحافظات التى يتراوح عدد سكانها بين مليون وثلاثة ملايين نسمة، ويخصص لكل منها ثمانية مقاعد فى القائمة. القسم الرابع: ويضم المحافظات التى يقل عدد سكانها عن مليون نسمة، ويخصص لكل منها ستة مقاعد فى القائمة. وفى المقاعد الفردية، يُقترح تخصيص مقعد لكل مائتى ألف صوت انتخابى فى المتوسط، أى (220) مقعداً إذا كان عدد المقيدين فى الجداول الانتخابية أربعة وأربعين مليون مواطن. وحيث تنقسم المحافظات إلى أقسام ومراكز إدارية، يراعى الالتزام بهذا التقسيم الإدارى عند تقسيم الدوائر الانتخابية. وفى حالة تطبيق هذا المقترح، ستكون لدينا (120 - 130) دائرة انتخابية فردية، بحيث يخصص لكل دائرة من دوائر الانتخاب الفردى مقعدان يكون أحدهما للعمال أو الفلاحين. فإذا زاد عدد المقيدين فى القسم أو المركز الإدارى على أربعمائة ألف صوت انتخابى، يخصص لهذا المركز أو القسم دائرة انتخابية واحدة. ويقوم الناخبون فى هذه الدائرة بانتخاب نائبين أحدهما عن العمال أو الفلاحين. وفى الحالات التى يقل فيها عدد المقيدين فى الجداول الانتخابية عن العدد المحدد للدائرة- يُضم مركزان إداريان متجاوران، ليكونا معاً دائرة انتخابية واحدة. وفى حالة وجود قسم إدارى ومركز بنفس الاسم (مثل قسم ومركز المنصورة- قسم ومركز الزقازيق- قسم ومركز أسيوط) تكون أولوية الدمج لتكوين دائرة انتخابية واحدة بين القسم والمركز. ويطبق معيار الدمج بين المراكز المتجاورة على الأقسام المتجاورة فى المحافظات الحضرية مثل (القاهرة- الإسكندرية- بورسعيد) بحيث يتسق عدد الناخبين فى الدائرة مع العدد المحدد. ويرتبط بعدالة النظام الانتخابى، ألا يتحايل البعض للحصول على صوت العامل أو الفلاح، الأمر الذى يفقد هذا التخصيص معناه ويمنع تحقيق الهدف من وجوده، باعتبار أن هذه الفئات- كما ذُكر عند تطبيق هذه النسبة- هى الفئات التى طال حرمانها. ويقتضى ذلك إعادة تعريف العامل والفلاح تعريفاً واضحاً ومحدداً بدقة يمنع وجود حالات استثنائية، ولا يفتح الباب واسعاً أمام التحايل على اكتساب هذه الفئة من قِبَل مواطنين لم يكونوا يوماً ما عمالاً ولا فلاحين. ويقترح أن يتم تعريف الفلاح بأنه مَنْ يملك أقل من خمسة أفدنة، ودخله الوحيد- وليس الرئيسى- من الزراعة، وأن يكون مقيماً إقامة دائمة فى نطاق الدائرة التى تقع فيها ملكيته الزراعية، وألا يكون قد عمل بمهنة غير الزراعة طوال حياته المهنية السابقة. وفى حالة تبنى هذا التعريف، يتم قصر تعريف الفلاح على الفلاحين الحقيقيين، ويخرج من هذا التعريف المتقاعدون أصحاب الملكيات الزراعية، الذين أتاح لهم التعريف السابق التحول إلى فلاحين بعد إحالتهم للتقاعد، بينما كانوا من الفئات قبل التقاعد. ويقترح تعريف العامل بأنه مَنْ يتقاضى أجراً نظير عمله اليدوى أو الذهنى فى الحكومة أو قطاع الأعمال العام أو القطاع الخاص، على ألا يكون شاغلاً لدرجة المدير العام وما فوقها. وفى حالة تبنى هذا التعريف للعامل، يخرج من تعريف العامل مَنْ أُحيل إلى التقاعد شاغلاً درجة المدير العام والدرجات الأعلى، بغض النظر عن بداية حياته الوظيفية، وبغض النظر عن النقابة المنتمى إليها. ويخرج من التعريف أيضاً شاغلو الدرجات العليا فى الجهاز الإدارى للدولة وقطاع الأعمال العام والمؤسسات الحكومية الأخرى، الذين كانوا يستمرون فى الاحتفاظ بصفة العامل، استناداً إلى استمرار انتمائهم للنقابات العمالية، حتى لو حصلوا على درجة الدكتوراه، أو شغلوا مناصب رؤساء مجالس إدارات شركات ومؤسسات كبرى. وتقتضى العدالة أيضاً ضمان تمثيل للمرأة، ونقترح تحقيق ذلك من خلال اشتراط وجود مرشحة من السيدات فى المقاعد الأربعة الأولى فى جميع القوائم الحزبية، الأمر الذى يضمن للمرأة قدراً من التمثيل، إلى جانب حقها فى الترشح على باقى المقاعد الفردية. * أستاذ العلوم السياسية رئيس المجلس القومى للشباب