يبدوا أن أسطورة اللي بني مصر في الأصل كان حلواني كانت صحيحة ويبدوا أنه زود العسل شويه فجعل عمليه الرسوخ فيها شيئا مؤصلا أما الآن طعمها حلو أو من تلزيق السكر على الكراسي فيجعل القيام من عليه شيئا صعباً لايتم إلا بشق الأنفس، ولهذا فأنى قد سودت هذه الأوراق فجمعت فيها بعض الوقائع الجلية والعجائب الخفية في أمور غالبا أدركتاها وأمور شاهدناها ووعيناها فأردت أن أطلعكم عليها فإنها حوادث غريبة وكلمات عجيبة عن الرسوخ والتطويد ( وسميته ) بعجائب الأخبار في تراجم الطود الجبار وأرجو ممن أطلع عليه وحل بمحل القبول لديه ألا ينسانا من صالح دعواته وان يفض عما عثر عليه من هفواته أمين . والطود رحمك الله هو الجبل العظيم ويقال الطادى أي الثابت وطود فلان بفلان تطويداً أي طوح به تطويحاً وطود بنفسه فى المطاود أى طوح بها فى المطاوح وهى المذاهب، وقال ذو الرمه : أخو شقه جاب البلاد بنفسه .. على الهول حتى لوحته المطاود، والتطواد : التطواف، أما الرسوخ : فيقال رسخ الشى أى ثبت فى موضعه ويقال رسخ : ثبت وكل راسخ ثابت . ولا يليق من أحد الان مهما كان أن يتحدث عن فكرة الرسوخ لانها فكرة ما جائت الثورة المباركه الا لتؤرجح أركانها وتبدد زمانها لذالك قد نصح بعض الحكماء القدامى كل ذى عقل لبيب وفطن أريب فقالوا " من كبرت همته كثرت قيمته لا تثق بالدولة فأنها ظل زائل ولا تعتمد على النعمة فأنها ضيف راحل فأن الدنيا لا تصفو لشارب ولا تغنى لصاحب " . أي أن الرسوخ ليس بالملك أو الدولة والكراسي وإنما بالعمل وحب الناس وكثرة الهمم وعلوها، وفكرة الرسوخ قديمه قدم الازل الا أنها ترسخت وتأصلت بداخل مجتمعنا العربى أذ يتمسك المرء بما فيه من سلطان وكانه الدنيا بالرغم من الدنيا ذاتها ليس بها رسوخ ولا مكوث فترى كل واحد يعامل الادنى منه معامله العبد فى بيته لذالك قالو قديما : النفس عروف عزوف ونفور الوف متى ردعتها أرتدعت متى حملتها حملت وأن أصلحتها صلحت وأن أفسدتها فسدت وللاسف يفسد المرء امام سلطان السلطة أين كانت هذه السلطة فالسلطة لها سحر إما أفسدك وإما أصلحته . الا أنه من الملاحظ أن الرسوخ يؤدى إلى الاستبداد فلا رسوخ بدون أستبداد فالكل يعلم هذا ويراه من الاحداث وعايشه، الا أن عبد الرحمن الكواكبي يطلعنا فى كتابه طبائع الاستبداد فيطرح علينا مفهوم أخر للاستبداد وتفسير مغاير يتطلب منا سعه فى التأمل والتفكير أذ يقول " الاستبداد: أعظم بلاء، يتعجل الله به الانتقام من عباده الخاملين ولا يرفعه عنهم حتى يتوبوا توبة الانفه، لأنه وباء دائم بالفتن وجدب مستمر بتعطيل الاعمال وحريق متواصل بالسلب والغصب، وسيل جارف للعمران، وخوف يقطع القلوب وظلام يعمى الابصار، وأذا سأل سائل لماذا يبتلى الله عبادة بالمستبدين ؟ فأبلغ جواب مسكن هو : أن الله عادل مطلق لا يظلم أحد، فلا يولى المستبد الا على مستبدين . ولو نظر السائل نظرة الحكيم المدقق لوجد كل فرد من أسراء الاستبداد يستبد بنفسه، لو قدر يجعل زوجته وعائلته وعشيرته وقومه والبشر كلهم، حتى وربه الذى خلقه تابعين لرأيه وأمرة فالمستبد يتولاهم مستبد والاحرار يتولاهم الاحرار وهذا صريح المعنى : ( كما تكونوا يولى عليكم ) " . لذالك فلنتأمل السؤال قبل المجاهرة بالجواب، هل نحن مستبدون حقاً بأنفسنا وحوالينا حتى نستحق هذا ؟ لا تلم المرء على فعله وانت منسوب الى مثله من ذم شياً وأتى مثله فأنما دل على جهله اللهم بحرمه سيد الانام يسرلنا حسن الختام وأصرف عنا سوء القضاء وأنظر لنا بعين الرضاء .