يبدأ الطغاة حكمهم دائما بتقريب المعارضين الانتهازيين لحين استتباب الأمور واستقرار التمكين، والاستبداد الشرقى كان نهجه فى الغالب يصطف وراء عباءة الدين ويلتحف بمبدأ ظل الله فى الأرض وجماعة الخير التى لا يأتيها الباطل من بين يديها أو من خلفها، فهى صائبة – بحسب أتباعها - متحققة مرتفعة إلى عنان السماء وأبواب الجنان بأخلاق الأنبياء وصحابة الرسل وحكمة الشيوخ وطموح الساعى لنشر كلمة الإله فى الأرض، وهنا يجد الطاغية الفرصة سانحة ليسافح الجماعة ويجامعها ليل نهار أمام العيان وعلى قارعة الطريق، فالمصلحة فى البداية تحكم الاثنين، هما يفكران دون إظهار للنوايا بأنهما متحدان متضامنان، فى حين يصنع كل منهما للآخر مقصلة فى الخفاء لحين مجىء اللحظة المناسبة ليتحول المتحابان إلى ضحية وجلاد، والأمثلة فى التاريخ كثيرة. وهنا تصبح الانتهازية الطريق والسبيل لنيل الأحلام وتقريب الصورة لتناسب مقاس الجماعة حتى لو كلفها التحالف مع الأعداء فى المنهج، وفى لحظات الهوى والعربدة تنسى الجميع بمن فيهم المخلصون المحترمون الصادقون الوطنيون لمجرد أنهم اختلفوا معها فى النهج وطريقة التفكير وإدارة المشروع الوطنى، ومعها يتحرك الطاغية ليضبط نفسه على موجة الجماعة ليستكمل فصول مسرحية «الانتهازية» ويضع لمسته السحرية، فيهب الاثنان ليخوّنا الجميع مع أداء عشوائى أرعن، وتخبط يضر بصورة الاثنين مع عروض المجون والفسق من قبيل حديث الأجندات والتخوين واستعارة اتهامات طاغية سابق، يصاحبها صولو عزف منفرد وأحيانا كورال عن المستقبل القاتم والنكبة التى ستحل والدماء التى ستسال والوطن الذى فى مهب الريح. الطغاة يفكرون دائما بالطريقة نفسها وعندما لا يجدون حيلة للإقناع يبحثون عن الأساليب القديمة، فالخيال ناضب والأداء مهتز متردد متباطئ، والإبداع غائب والإخلاص بالقطعة. الجماعة تنسى الأخلاق لأجل المشروع وتهدم ثوابت الوطن وتعايشه من أجل دولة مزعومة، تفكر بالمجموع دون احترام وعى بعض أفرادها، وتنظر لهم كقطيع الأغنام مسلوب الإرادة والفعل والأخلاق. وقف أبوبكر الصديق، رضى الله عنه، قبل أكثر من 1400 سنة خطيبا فى الناس بعد توليه أمر المسلمين فى ظل معارضة من البعض رغم كونه الصدّيق، فقال: «أيها الناس.. إنى وُليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينونى وإن أسأت فقومونى، الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوى عندى حتى أزيح عنه علته إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله». الجماعة تتجاوز تراث الإسلام وديمقراطيته، وتتساند مع الباطل وتدحض حق البعض وتمنح صكوك الصواب والخطأ للجميع، وتصنّف وتخوّن وتكفّر دون دليل رغم أنها قريبة من السلطة فقط ولم تعتلها بعد، فما بالكم إذا حدث الاعتلاء، وقد حدث من بعض أفرادها قاسى الحديث وأخشن الألفاظ ونعوت الإلحاد للمعارضين الذين صلوا الجمعة ولم يسجدوا لصنم فى ميدان حريتهم!! الآلهة تُصنع سريعاً وقد تؤكل كما كان يفعل جهلاء قريش بعد السجود لها، إنها أصنام يصنعها القاسية قلوبهم وأصحاب المصلحة، مع المن والتذكير بالصنائع والبدع، لا عصمة لأحد، فالوطن أهم من الأشخاص ومادمت توسدت الأمر فعليك الاحتمال، هذه أحكام السياسة، ومع الجماعة فلينتحر المنتحرون، ولينتظم المستفتون على التعديلات والحركات والشقلبظات، ومادام الخلط وصل إلى تغييب إرادة الناس ولخبطة الأوراق وكعبلة المفاهيم، فعلينا بقراءة الصفحة الأولى من كتاب «كيف تهزم الطاغية؟» فالطاغية فى البدء كان «فسوة» وحدثت النسوة (بفتح النون) من الناس، فافتتن بالسلطة فجاءت السكرة ولم تأت الفكرة، فغاص الناس فى عبوديتهم ومنحوا الحاكم صك بيعهم فى سوق الرقيق. يا سادة إذا أردنا أن ننفذ إلى المستقبل فلابد أن نوازن بين الواقع والمثال كما قال الدكتور إمام عبدالفتاح إمام فى كتابه «الطاغية»، فالديمقراطية ممارسة وتجربة إنسانية تصحح نفسها بنفسها، فهل لك أن تسبح دون أن تتعلم السباحة أو تتعلم قيادة السيارة دون أن تصدمها بجدار، هكذا الحياة خبرات وتراكم، فلا يمكنك أن تنجز شيئا إلا بالتعلم والتجربة، ولا يمكننا أن نعيد المؤشر للوراء لنستمع إلى المذيع يصرخ قائلا «سيادة الرئيس المبجل المعظم المفدى ظل الله فى الأرض يفتتح مقر الحزب الحاكم الجديد..!». يقول نزار قبانى «السيد نام.. كيف أصدق أن الهرم الرابع مات.. القائد لم يذهب أبدا.. بل دخل الغرفة كى يرتاح!». [email protected]