ذهبت لطبيبى النفسى للمرة الثانية، واسترحت على الأريكة، وأطلقت لأفكارى العنان. يلح علىَّ هذه الأيام مثل شعبى يقول: عدوك العاقل ولا حبيبك العبيط، وسألت نفسى: من هو عدوى العاقل؟ وكانت الإجابة: إسرائيل! ولكن ما شأنى بها؟ آه.. يجب أن أتعلم منها! عرفت إسرائيل منذ تيودور هرتزل 1898، وحاييم وايزمان 1904 أن العلم وحده هو الطريق لإنشاء دولة من الشتات! جملة اعتراضية يا دكتور بعد إذنك: نحن نشتت أقدم وأعظم دولة استقرت من 5619 قبل الميلاد (الأسرة الأولى.. مانيتون)! أخذ حاييم وايزمان وعد بلفور 1917 مقابل إعطاء إنجلترا سر شعلة الأستيلين مع الأكسجين، كذلك اختار وايزمان فلسطين ورفض الأرجنتين، وأوغندا، لأن فلسطين كما قال: بها البحر الميت الذى سيهب إسرائيل الحياة! لأن ثرواته من البوتاسيوم (المخصبات الزراعية) لا حدود لها! وحين قامت دولة الشتات 1948، طلبوا من أينشتين (كرمز للعلم) أن يكون رئيساً لإسرائيل، ولكنه رفض قائلاً: العلم لا وطن له ولا دين. أما نحن الآن.. فأمة ينطبق عليها قول الشاعر حافظ إبراهيم: يا أمة يهان فيها الإمام الحكيم.. ويكرم فيها الجهول الغبى! تعلم اليهود من معيشتهم فى الدول الأوروبية أن الواقع ابتعد عن نصوصهم الدينية، مثل رجم الزانية وقطع يد السارق، وغنائم الحرب، وسبى النساء، والتفرقة بين اليهودى والأممى (الأمم الأخرى)، الحر والعبد، الرجل والمرأة، عرفوا أن هذه الدول العالمانية تتعايش فى سلام مع كل العقائد حتى اللادينية منها، وأن قانون حقوق الإنسان، ومعاهدة جنيف فى الحروب هما اللذان يحكمان أوروبا، فكانت النتيجة أن اقتصرت النصوص اليهودية على العبادات وهى ثوابت، وابتعدت عن الواقع وهو متغير، وكأنهم طبقوا فتوى لأحد الفقهاء المسلمين، التى تقول: إذا تعارض النص مع المصلحة، تُبدَّى المصلحة على النص.. ذلك لأن النص وجد أصلاً من أجل المصلحة! ولعلنا نذكر موقف عمر بن الخطاب من النص القرآنى الخاص بالمؤلفة قلوبهم! ورغم أن التصوير والموسيقى من المحرمات عند اليهود باستثناء العود والمزمار، فإنهم أصبحوا ملوك السينما فى هوليوود، بل ملوك الموسيقى فى ألمانيا وأوروبا، اجتهدوا مع نصوصهم الدينية فحصدوا جوائز نوبل، بل سيطروا على الولاياتالمتحدة نفسها، حتى إن فولبرايت (عضو الكونجرس المسيحى) قال كلمته الخالدة التى أطاحت به.. وهى: «إن اليهود فى بلادنا يسيطرون على كل ما يسيطر على المعدة، والعقل، والغرائز! ولم يعد باقياً لدينا إلا أن نغير اسم نيويورك إلى Jewyork أى بلد اليهود!». عدونا العاقل هذا يجب أن نتعلم منه الوحدة والتوحد، عملت فى أحد مستشفيات نيوكاسيل بإنجلترا، وكان معى دكتور إيميه ديان، وهو ابن عم موشيه ديان، وعرفت من زملائى الأطباء أنه ترك إنجلترا إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية لأنه لم يحصل على وظيفة استشارى، ولكن زملاءه اليهود ظلوا يضغطون على ال«Board» حتى أتوا له بالوظيفة، فعاد إلى إنجلترا وحصل على ما يريد. قاطعنى طبيبى النفسى قائلاً: هذا عن عدوك العاقل، فماذا عن حبيبك العبيط؟! قلت إنهم بعض من أبناء وطنى! بعضهم عبيط، وبعضهم ساذج، وبعضهم لئيم وخبيث، وبعضهم انتهازى ومكيافيللى، لكنهم كلهم فى سلة العبط.. لأنهم يدمرون بلادنا الجميلة مصر! هؤلاء الذين حاولوا اقتحام السفارة الإسرائيلية، أو عبور الحدود، أو إلغاء معاهدة كامب ديفيد، وإعلان الحرب على إسرائيل، هؤلاء هم: حبيبك العبيط.. أو قل: لا تصدق الفتية العابثين.. أسود الكلام نعام الوغى (الحرب). هؤلاء الذين يدغدغون مشاعر الناس الدينية من أجل مكاسب آنية ستكون فيها نهايتهم إن نفذوا شعاراتهم كالحرب ضد إسرائيل، أو عدم مصداقيتهم إن تراجعوا عما يعدون به. ما أذكى القوات المسلحة!.. كان الاستفتاء لمعرفة تيار الفرس الغالب.. وكان ترك «صول»، و«إمبابة» تحترقان حتى يظهر الوجه القبيح لمصر، إذا تسلط عليها حبيبك العبيط، ولكنها قوات مسلحة قادرة وحازمة عند اللزوم، مثل محاولة اقتحام السفارة الإسرائيلية، أو المعبد اليهودى، لقد آن الأوان أيتها القوات المسلحة أن تنقذينا بالدستور أولاً، والحزم مع حبيبنا العبيط الآن. [email protected]