لا أعرف كيف طاوعتهم ضمائرهم وأقلامهم لكتابة مثل هذا اللغو، ولا أعرف إذا كان ذلك المجمع– مجمع البحوث الإسلامية- يصدر عنه ما صدر بلا روية ولا تفكير ولا سند من منطق أو قانون، فكيف يمر الأمر هكذا وبكل بساطة على الشيخ الجليل، الشيخ الرئيس، شيخ الجامع الأزهر، الذى من المفترض أن يقرأ ويعى ويعرف أبعاد ما يمهر بتوقيعه ويختم بخاتمه، وهو الذى رحبنا به شيخا رئيسا، وتمنينا للأزهر ولمسيرة الإسلام فى هذا العصر المضطرب الخير على يديه لما لمسناه فيه من عمق التفكير وسعة الأفق ورحابة الصدر والعزوف عن التورط فى الصغائر والأخطاء. أقول كل هذا بمناسبة التقرير الذى أصدره مجمع البحوث الإسلامية لتسويغ مصادرة كتب سيد القمنى وحسن حنفى وهما قامتان فكريتان كبيرتان ليس هنا مجال تناول سيرتهما وجهودهما الفكرية كما لن يتسع المجال لمناقشة ما كتبه المجلس المذكور بشأن تسويغ مصادرتها– حيث يتم تقييم الكتاب المجهد والحكم عليه فى سطر ونصف السطر- وإنما سأتوقف هنا عند مسوغ المجلس لمصادرة أحد كتب الدكتور حسن حنفى، وهو كتاب «التراث والتجديد» الذى صدر سنة 1980، والذى برر مصادرته له بأن «هدف الكاتب هو مناهضة السلطة السياسية والدعوة لحزبه السياسى»، كما يقول نص التقرير، وهكذا يخرج علينا هؤلاء الشيوخ مستترين بذلك الاسم النبيل- البحوث الإسلامية- باتهام جديد يطال كل المجتهدين فى مصر وكل الساعين لتقدمها من معارضى السلطة السياسية فيها. ويحق لى أن أسأل الشيوخ الفضلاء، وعلى رأسهم شيخ الأزهر: متى كانت تهمة معارضة السلطة السياسية تهمة تهم الأزهر من قريب أو من بعيد، ولعلى أزيد فأقول ومتى كان الدفاع عن السلطة السياسية فى البلاد مما يشغل بال الأزهر وشيوخه من الأساس؟ وقد رأينا من معارضتهم الكثير والجليل مما سنأتى عليه، فلماذا يزايد المجمع على السلطة السياسية نفسها، وهو من الأساس غير موكل ولا مكلف بالدفاع عنها بنص القانون الذى أنشأه إذ تنص المادة 15 من القانون 103 لسنة 1961 على أن «مجمع البحوث الإسلامية هو الهيئة العليا للبحوث الإسلامية، وتقوم بالدراسة فى كل ما يتصل بهذه البحوث، وتعمل على تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وآثار التعصب السياسى والمذهبى، وتجليتها فى جوهرها الأصيل الخالص، وتوسيع نطاق العلم بها لكل مستوى وفى كل بيئة، وبيان الرأى فيما يَجِدُُّ من مشكلات مذهبية أو اجتماعية تتعلق بالعقيدة، وحمل تبعة الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة». وهكذا لا نجد أثرا للسلطة السياسية ولا للترويج لها ولا للدفاع عنها. هل من واجبى أن ألفت نظر الشيوخ الأجلاء الى ما هو شائع ومعروف من أن معارضة السلطة السياسية فى الإسلام ليست جائزة فحسب بل مطلوبة أيضا ويثاب القائم بها، ألم يعرف هؤلاء الهدى النبوى للرسول– صلى الله عليه وسلم– حين قال صحابى أثناء توزيع غنائم للرسول: «اعدل يا محمد فإنك لم تعدل» وأوشك عمر بن الخطاب أن يفتك بالرجل فنهاه الرسول، وراح يشرح للرجل منطقه فى التقسيم. فهل نهيل التراب على التراث الأزهرى العريق فى مناصرة الحق حتى ولو كان ذلك فى وجه السلطان، ألم يَقُد الشيخ الشرقاوى، شيخ الأزهر، الناس لمواجهة ظلم مراد بك وإبراهيم بك زعيمى المماليك وإجبارهما على إصدار وثيقة 1795، حيث يعتبرها ثقات المؤرخين أول دستور مصرى، أما الإمام شمس الدين الإنبابى، شيخ الأزهر، سنة 1882 (وكما يقول الباحث والكاتب عمار على حسن فى بحث نشرته صحيفة «البيان» الإماراتية بعنوان «المسيرة السياسية للأزهر») فقد أفتى بعدم صلاحية الخديو توفيق للحكم بعد أن باع مصر للأجانب، وانحاز تماما إلى صف عرابى والعرابيين. وفى سنة 1947 عندما قرر الملك تخفيض مخصصات الأزهر عارضه الشيخ عبدالفتاح سليم بعبارته الشهيرة: «تقتير هنا وإسراف هناك». إذا لم يكن هذا دور الأزهر ولا واجبه، فلماذا يقف الأزهر مدافعا بلا مبرر ولا مسوغ عن السلطة السياسية، ومن باب أولى هل هذا دور الأزهر أيها الأجلاء؟ [email protected]