محافظ الفيوم يهنئ رئيس مجلس الوزراء بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك    إعلام الفيوم ينظم ملتقى حواريا موسعا مع القوى الشبابية.. صور    رئيس الوزراء يتابع إجراءات زيادة حجم المعروض من اللحوم الحمراء بالأسواق    نائب وزير الإسكان: فوائد متعددة لتصنيع قطع الغيار بتقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد    تخصيص قطعة أرض لإنشاء محطة طاقة شمسية بمحافظة قنا    رئيس المجلس التصديري للملابس الجاهزة: برنامج دعم الصادرات الجديد يحل أزمة تأخر المستحقات    أول أيام عيد الأضحى المبارك.. بدء تطبيق المحاور المرورية الجديدة بمدينة الفيوم تجريبيًا    عراقجي يؤكد خلال لقائه مع عون دعم إيران لاستقلال وسيادة لبنان    مندوب الحكومة السويسرية للمساعدات ينتقد مؤسسة غزة الإنسانية    الأهلي يعلن تعذر سفر الخطيب لأمريكا.. ومرتجي يترأس البعثة    ميدو: «قلت على جثتي أن يلعب زيزو للزمالك بعد ذهابه للسفارة الأمريكية»    عقب تقديم رئيس نادي الاتحاد استقالته.. وزارة الرياضة ترجئ البت لحين الدراسة    الاتحاد الفلسطيني يكرم وسام أبو علي    هدوء وانتظام يسود لجان الفقه في اختبارات الثانوية الأزهرية علمي    طقس الإمارات اليوم الثلاثاء 3 يونيو.. انخفاض في درجات الحرارة ورياح نشطة    ضبط صاحب فيديو التعدي على فتاة بالجيزة    نقابة المهن التمثيلية تنعى سميحة أيوب    بعد تصدر أحمد السقا للترند.. نجله يوجه له رسالة مؤثرة    وزيرا الشباب والتعليم يبحثان سبل تعزيز التعاون لإطلاق دوري المدارس    وزير الصحة يشارك في فعاليات المنتدى المصري - الألماني للرعاية الصحية    الرعاية الصحية: نجاح تدخل جراحي مزدوج لأول مرة بإقليم جنوب الصعيد    رسالة دكتوراه تناقش تقييم جدوى تقنية الحقن الأسمنتي كعلاج فعال لكسور هشاشة العظام    العصر بالقاهرة 4.29.. جدول مواعيد الصلوات الخمسة فى محافظات مصر غداً الأربعاء 4 يونيو 2025    "يونيسف" تطالب بفتح تحقيق دولى بعد عدوان إسرائيل على طالبى المساعدات فى غزة    محافظة القاهرة تجهز 366 ساحة لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك    فضل دعاء شهر ذي الحجة كما جاء في السنة النبوية    "الزراعة": التفتيش على 289 منشأة بيطرية خلال مايو واتخاذ الإجراءات ضد 64    الشرطة الأمريكية: المصري المشتبه به في هجوم كولورادو خطط للعملية لمدة عام    تشيلسي يخطط لضم ماينان حارس ميلان    11 منفذا لصرف الألبان الصناعية خلال عطلة عيد الأضحى بالقليوبية    مدبولي يبعث برقية تهنئة لشيخ الأزهر بمناسبة عيد الأضحى 2025    سويلم يتابع ترتيبات "أسبوع القاهرة الثامن للمياه"    «أمن المنافذ»: ضبط 2628 مخالفة مرورية وتنفيذ 162 حكمًا قضائيًا خلال 24 ساعة    ضبط أصحاب شركة المقاولات المتورطة في التنقيب عن الآثار أسفل قصر ثقافة الطفل بالأقصر    بلدية غزة تطلق نداءً عاجلا لتوفير الآليات والوقود    الصحة الفلسطينية: مراكز المساعدات في غزة تحولت إلى مصائد موت تهدد حياة المدنيين    تكريم الفائزين بتحدي القراءة العربي في الحفل الختامي للدورة التاسعة    وزارة السياحة والآثار تستضيف وفدًا صحفيًا من المكسيك في زيارة تعريفية للمقصد السياحي المصري    المركز القومي للمسرح ناعيا سميحة أيوب: أفنت عمرها في تشكيل ملامح تاريخ الفن    موعد ومكان جنازة الفنانة سميحة أيوب    رئيس الهيئة الدولية للمسرح ينعى سيدة المسرح العربي سميحة أيوب    وزيرة البيئة تطلق الحوار المجتمعي الوطني حول تغير المناخ    أداء القطاع الخاص بمصر يتباطأ إلى أقل وتيرة في 3 أشهر بمايو    حقيقة الممر الشرفي لبيراميدز.. هاني سعيد يتحدث عن نهائي الكأس ضد الزمالك    الهلال السعودي يسعى للتعاقد مع صفقة برازيلية    رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية يهنئ رئيس الجمهورية وشيخ الأزهر بحلول عيد الأضحى    نائب رئيس اتحاد نقابات عمال مصر من جنيف: المنصات الرقمية تفرض تحديات جديدة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعاملين    ضربات أمنية مستمرة لضبط مرتكبى جرائم الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبى    لوفتهانزا الألمانية تمدد تعليق رحلاتها الجوية من وإلى تل أبيب حتى 22 يونيو    وفاة الفنانة سميحة أيوب عن عمر يناهز 93 عامًا    من الصفائح التكتونية إلى الكوارث.. كيف تحدث الزلازل ؟    هيئة الأرصاد: أجواء ربيعية ممتعة اليوم والعظمى بالقاهرة الكبرى 31 درجة    مستشار الرئيس للشئون الصحية: مصر تشهد معدلات مرتفعة في استهلاك الأدوية    الحج 2025 .. ماذا يقال عند نية الإحرام ؟    إيذاء للناس ومخالفة لأخلاق الإسلام.. دار الإفتاء توضح حكم ذبح الأضاحي في الشوارع    الحج 2025.. هل يجوز للمحرم إزالة شيء من شعره أو أظفاره أثناء إحرامه    «هاجي في يوم وهقتله».. يورتشيتش يمازح مصطفى فتحي بسبب عصبية الشيبي    الكشف عن حكام نهائي كأس مصر بين الزمالك وبيراميدز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مغامرة روائية مثيرة لهالة البدرى
نشر في المصري اليوم يوم 19 - 09 - 2019

جرعة ثقافية وجمالية مكثفة قطرتها هالة البدرى فى قنانى السرد المعتقة عبر روايتها الجديدة «نساء فى بيتى»، حيث اعتمدت على التخييل الحر، والترجمة من نصوص شخوصها المبثوثة فى كتبهم ورسائلهم وما كتبه النقاد عنهم، لتبعث حيواتهم وشهواتهم مرة أخرى وتعيش فى لهيب توتراتهم وبريق خواطرهم. لم تلبث هالة أن سرت إليها عدوى البوح «السيرذاتى» فأخذت تشاركهم بحذر فى الاعترافات وتضع كلماتهم أقنعة لما لا تستطيع البوح به من مغامرات، حينئذ صاغت لنا رواية مشحونة بالشخوص المثيرة والمشاهد الصاعقة واللفتات الثاقبة فى فنون السرد والعشق والشعر والتشكيل، اختارت نساءها من بيئات غربية وعربية، وفنون أدبية وتشكيلية، وأمعنت فى تقصى دقائق أسرارهن الحميمة والفنية بشكل لا يطيقه قراء الرواية العاديون ممن ينشدون التسلية وإزجاء الوقت، وإن لوحت لهم بمغريات الأسرار الحميمة والبوح الحر بدقائق العلاقة بين الإبداع فى مجاليه الجمالية والحياة البوهيمية فى انطلاقها الشهوانى دون حدود، بحيث يجد القارئ نفسه مخطوفًا بدراما حياة الفنانين وفضائحهم المعلنة من ناحية والبحوث الصحفية الاستقصائية عن حماقتهم وعلاقاتهم الشخصية من ناحية أخرى، لكن الكتابة السردية تمتص الطاقة الشعرية والوهج التشكيلى والاعترافات الذاتية لتصنع سبيكة مثقوبة تتدلى من حوافها استطرادات تتحول إلى حلىّ شيقة براقة.
تبدأ الكاتبة برواية تجربتها الشخصية الطريفة فى إعادة تأثيث بيتها الجديد وتغيير مقتنياته، بحيث تتفادى تناقض الطرز الفنية «قلت لنفسى يمكننى تدارك الفوضى بإضافة قطع أكثر تعبيرًا عنى، سأضع تماثيل أكثر، ولوحات جديدة على الجدران لفنانين مصريين، ومستنسخات لفنانين عالميين أحبهم، سألت نفسى لماذا لا تكون اللوحات الجديدة للفنانة (جورجيا أوكيف) أم الحداثة الأمريكية، وبخاصة لوحاتها الأولى ذات الحس الأنثوى المبهر.. إنها تمثل الجرأة الحقيقية، لقد استطاعت أن تعلن ما لم أستطع إعلانه أبدا وأن تتحمل نتائجه». يتوازى هذا الموقف للكاتبة مع واقعة أخرى يبدو أنها حقيقية، إذ تصلت بها باحثة مصرية فى قسم اللغة الألمانية تجرى دراسة مقارنة بين روايتها «امرأة ما» ورواية الكاتبة الألمانية «إنجيبورج بخمان» وعنوانها «مالينا» التى تحولت إلى فيلم سينمائى، أسرت هالة فى نفسها: «لماذا لا أكتب رواية عن باخمان وهالة أوكيف، لأعرف بنفسى حقيقة التشابه الذى ذكرته الباحثة برغم اختلاف الزمن والبيئة». ويبدو أن مقدرتها على القراءة بالإنجليزية غير المعهودة شجعتها على أن تضع نفسها فى جاليريا المبدعات العالميات، وتستضيف أطيافهن فى بيتها الجديد، وليتها اكتفت بذلك ووقفت عند هذا الحد من الشخوص والعوالم المتباينة من مصر وألمانيا وأمريكا، لكن الحس الصحفى المستوتر لديها هداها إلى كنز نسائى آخر مطمور يكاد يكون قد ضاع على الحدد اللغوية بين العربية والفرنسية، تمثل هذا الكنز فى شخصية الروائية الإشكالية قوت القلوب الدمرداشية التى كانت حياتها الثرية وإبداعاتها الخصبة بالفرنسية ونهايتها الفاجعة كافية جدًا لرواية طويلة، ولم تكتف هالة باستضافة قوت القلوب مع النساء الأجنبيات بل أوسعت مكانًا أيضًا لعشاقهن من الذكور، فخصت مثلًا الصحفى الكبير محمود أبوالفتح محبوب قوت القلوب بالفصل الأخير من روايتها فبدا على تشويقه وإمتاعه حلية لامعة تتدلى من أطراف الرواية، وخشيت أن تكون خيوط نسيجها قد أفلتت قليلًا من يدها الصناعة الماهرة ثم أخذ يتجلى طموح الكاتبة لتقديم التيارات الطليعية فى الفن والتعمق فى تحليل دلالاتها الجمالية من خلال الترجمة الحرة التى تتجاوز طاقتها لصحفات مطولة من النصوص التى تخترق العوالم الحميمة للمبدعات، اعتمادًا على حصانة العمر المتقدم من ناحية والمناخ الغربى الذى يبيح ذلك من ناحية أخرى، لكن المشكلة أن الكاتبة استثمرت هذه الرخصة وأدرجت فى سياقها نصوصًا طويلة دون الالتزام بطبيعة التوثيق التى تقضى بفصل الخطابات المنقولة عن المكتوبة، اتكاء أيضًا على حق السارد فى تذويب كلام الآخرين بطريقة مباشرة، لكن هذه الحرية فى الاستيلاء تربك القراء بما تفضى إليه من تداخل العوالم وتمازج الرؤى، فلا نعرف فى النهاية من الذى يتكلم مهما كانت درجة الجمال والإمتاع فى القول.
وقد وقفت مبهورًا أمام فصل بعنوان «الصور العارية» لا أعرف كيف تمكنت هالة من ترجمته. يشرح طريقة الفنانة الأمريكية فى رسم زهور الخشخاش بشكل مكبر جدًا يوحى بتجسيد أكثر المناطق حميمية لدى الأنثى، ويفصل القول فى أسلوب زوجها المصور الفوتوغرافى الذى كان يستغل فراش الزوجية ليلتقط بكاميراته مهرجان الألوان والأوضاع الجنسية ويقيم بها معرضًا علنيًا يعرف فيه كل الناس دقائق حياتهما الخاصة جدًا، وكنت أوثر أن ترد هذه الاعترافات مسورة بعلامات تنصيص على لسان راويها الحقيقى كى يتحمل مسؤوليتها الثقافية إيجابًا وسلبًا، فإذا انتقلنا إلى اللقطات الخاصة بالساردة المصرية وجدناها تحكى بصدق عما أصاب وجداننا من انتكاس قبيح فى العقود الأخيرة بارتداد المرأة المصرية عن مظاهر تحررها، تقول: «أدركت مأزق أمى وشعورها بالغربة حين هجمت على مصر رياح التغيير وحاولت القوى الرجعية النفاذ إلى أفكار المجتمع فى عقائده الأساسية، ووجهت شراستها ناحية المرأة، إذ واجهت أنا داخل عائلة أمى وزوجى أسئلة كبرى فى دينى بسبب رفضى ارتداء الحجاب، وخسرت قريبة لى اتهمتنى بإفساد ابنتها. ثم تبوح بعد ذلك بشىء من أسرارها العائلية الدفينة فى علاقتها بأبيها على وجه الخصوص، والواقع أن البؤرة الأساسية للرواية تتمثل فى الكشف عن دواخل النساء المبدعات، وتجسيد إحساسهن المفرط بذواتهن الذى يصل فى كثير من الأحيان إلى النرجسية، ويشاركهن الذكور فى ذلك أيضًا، لكن الكاتبة تسرف على قرائها فى ترجمة مقاطع مطولة كتبها النقاد عن نسائها دون أن تلتزم بما كان يمكن أن يدور بينها وبينهن من حوارات طبيعية خلال استضافتها الافتراضية لهن، فتصور ما مررن به من صراعات نفسية أدت ببعضهن إلى الجنون والانتحار، وكان يمكن أن يأتى ذلك باقتصاد شديد عبر تطورات الحوار وما يكتنفه من أحداث، ولعل بعض المشاهد الساخنة التى تكشف عن طبيعة الاختلاف الثقافى بيننا وبينهن أن تكون أولى بالتركيز من غيرها، من مثل قول «أوكيف» عن زوجها «كان يشكو لى وقطرات العرق تتجمع فى جبينه، يمسك بأصابعه أعلى ذراعى فتنغرس فى لحمى لينقل لى ما يشعر به هو وعشيقته من شهوة والدموع تتقاطر من عينيه، وكأنه يرفض أن يعيش لحظة لا أشاركه فيها حتى مع عشيقته». وكان لا بد للراوية حينئذ من استنكار هذا المشهد واستغراب قدرة الكاتبة على كبت غيرتها المشتعلة، فلو كانت زوجة عربية لكسرت رقبته، أو على الأقل نفضته عنها قبل أن يتم اعترافه. وأحسب أن المادة الفكرية والفنية الغزيرة التى تدفقت فى رواية هالة البدرى كانت تحتاج حياكة أكثر بساطة وتعقيدًا فى الآن ذاته، مثلما كان يفعل «الرفا» فى ترقيع الثقوب، إذ يختار الخيوط الملائمة فى لونها وحجمها وملمسها للخيوط الأصلية وينسجها بمهارة لا يمكن أن تلاحظها العين المجردة، فكثير من الفصول الثمينة التى تقدم معلومات جمالية وإنسانية قيمة جدًا محشورة فى غير مكانها على الرغم من اجتهاد الكاتبة المضنى فى اختيار موقعها من الرواية حتى تخصص تعقيبًا بعنوان «صناعة الرواية» لتطلعنا على حيرتها فى موقعة هذه الفصول وتشرك القارئ معها فى مواجهة مشكلة النسج، وتبيح له فى الآن ذاته أن يتخيل نقل الرقعة إلى منطقة أخرى لو بدا له أن ذلك سوف يجعلها أكثر انسجامًا، وهذا اللون من التجريب المكشوف تستعيره الكاتبة من مناخ ضيفاتها المجنونات بعبقريتهن وطليعيتهن الإبداعية، فإذا ما التفتنا إلى الكشف الحقيقى الذى تقدمه للرواية العربية هالة البدرى هنا وهو قصة قوت القلوب الدمرداشية التى حصل نجيب محفوظ على أول جائزة له باسمها وغابت شمسها عن الوطن فى غروب قسرى مبكر لا بسبب غربة اللغة التى اختارتها فحسب وإنما بسبب ارتطام الأدب بصخور السياسة الغليظة. تقدم قوت القلوب نفسها عند هالة قائلة: »لم أتوقف كثيرًا أمام اختيار اللغة التى سأكتب بها، كنت قد تعلمت اللغة الفرنسية منذ وعيت الحياة، وكانت مصر فى ذلك الوقت مستعمرة إنجليزية، لهذا اختار بعض المثقفين أن يكتبوا باللغة الفرنسية التى تمثل شكلًا من أشكال الحرية «أعتقد أنها تقصد الحرب» ضد الإنجليزية، لم أشعر بحريتى وأنا أكتب باللغة العربية، لغة القرآن المقدسة، لم تسمح لى بنفس القدر من الحرية التى تمنحها لى الفرنسية، كنت أستمد منها شجاعة البوح التى اعتدت أن أقرأ مثلها ببساطة فى الآداب الفرنسية، بالإضافة إلى الشجاعة التى كنا نطرح بها هذه الموضوعات فى الصالون ونحن نتحدث بالفرنسية التى تشعرنا بأننا خارج السياق المعتاد«. هذا مشهد فى غاية الأهمية أتصور أيضًا أنه مكتوب أصلًا بالفرنسية، حيث يكشف تعدد هوية من يكتب بغير لغته الأم. ويلمح بطرف خفى إلى دور القارئ فى إنتاج الخطاب وتكييفه للنسق الثقافى الشائع عنده، فالقارئ العربى فى مخيلة بنت الشيخ الصوفى لن يقبل تحررها، ولن ينعم بصراحتها إلا إذا كان يقرأ اللغة الأخرى ويعرف تقاليدها وصراحتها، هذه الكتابة تنتج فى تقديرى ما أسميه «أدب الحدود» الذى يعبر عن الهويات المركبة، وتتقدم هالة فى هذا السياق خطوة جميلة فى نسج روايتها عندما تحاور قوت القلوب فتقول لها «يقول عبدالله النديم إن فقدان اللغة هو فقدان الذات، اللغة هى نفسك، إذا كنت لا تعرف أنها وطنك». وبوسعى أن أنضم لهذا الحوار كى أقول إن ما فعلته قوت القلوب لم يكن فقدانا للغة ولا للوطن، بل هو تهجين لهما بعصارات ثقافية جديدة، وكانت قوت مدركة لذلك عندما قالت- بلسانها أو لسان هالة لسنا نعرف على وجه الوقة: «كنت أتصور أن أبى ليبرالى حتى عرضت مسألة زواجى اكتشفت أن ليبراليته تقف عند الزواج، لم أفهم أبدًا لماذا أصر على تزوجى من قاض يكبرنى بعشرين عامًا، هل كان يخشى من تمردى وأن لا يقبل أفكارى شاب فى مكانتى؟، عارضت الزواج فى البداية، ثم أغرتنى زوجة أبى ببيت خاص أتصرف فيه بحريتى، متمنية أن أحقق فى الزواج بعض الأحلام الجميلة، لكن ما حدث أننا أختلفنا فى كل شىء.
والغريب أنى بقدر ما أحببت واحترمت أبى بقدر ما كرهت زوجى، فى النهاية استخدمت حقى فى تطليق نفسى إذ اشترطت أن تكون العصمة بيدى. غضب زوجى وتزوج على الفور وأنجب سبعة أولاد وحقق مراده من الحياة». كانت قوت القلوب كما تقدمها هالة بفيض المعلومات التى جمعتها عنها لأول مرة بالغة الثراء والوجاهة، وكانت مسألة العصمة من حق الشريفات الثريات حتى أصبحت الآن من حق الفنانات والشخصيات القوية التى تضع مبدأ المساواة مع الرجل موضع الممارسة، وتعترف قوت القلوب بعلاقتها العاطفية والكارثية بالصحفى اللامع محمود أبوالفتح، وعانت بسبب ذلك مصادرة أملاكها وضياع ثروتها ونفيها خارج مصر حتى ماتت بطريقة فاجعة فى عراك عشوائى مع ابنها، ومازلت أحسب أن دراما حياتها تستحق من هالة عودة خرى أكثر تأنيًا واستيعابًا، وإن كانت رواية «نساء فى بيتى» تمثل نقلة نوعية فى إنتاج هالة تضعها فى الصف الأول من المبدعات العربيات، مهما أخذنا عليها من امتلاء وعاء السرد حتى فاضت حوافه، أو من خلوه من فواصل الاقتباسات، فالأعمال التى تتميز بالإشكالية لا بد أن تترك مساحة للاختلاف لأنها قوية ومثيرة وممتعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.