الأستاذ مصطفى أمين والحب

النفس البشرية تتوق إلى الحديث عن الحب، مثلما تتوق إلى الحب نفسه.. لا شىء يحفر فى صخر الروح، ويجعلها تُنبت اخضرارًا، سوى الحب.. فى البدء، كان الحب.. والحب هو الأصل.. فنحن مفطورون على المحبة، لا على الكراهية، ومَن يلتبس عليه، يومًا، الحب من الكره، فهو بالأساس كاره، وإنسان غير سَوِىّ، لأن الناس مجبولون على الحب.
إن الحب جمال.. الحب حجر أساس الروح، الحب طاقة ربانية وروحانية، تمنحك القوة لمواجهة الحياة وصعابها ومحنها، الحب ضياء الله فى قلوب البشر، الحب سر الأسرار، تلك التى لا يعرفها إلا متذوق واجد، لذلك قال المتصوفة- وهم أهل الحب والعشق: «مَن ذاق عرف».. الحب قوة، لا يملكها سوى الأتقياء، والتقوى هنا ليست بالمعنى الدينى المحدود، بل بالمعنى الإنسانى الشامل للإنسانية جميعًا، وللديانات فى كل مكان وزمان.. حينما كنت أقيم فى مصر الحبيبة- وطنى الثانى، الذى أحبه كثيرًا، لأننى لا أعرف غير الحب- كان المصريون يحتفلون، بتاريخ «الرابع من نوفمبر» من كل سنة، بعيد الحب المصرى، هكذا سموه، وذلك للتفرقة بينه وبين يوم الحب، الذى يحتفل به العالم كله، المعروف باسم: Valentine›s day.
المصريون فى عيد الحب يشترون الهدايا، أفرادًا وعائلات، كل، حسب قدرته الشرائية، يتبادلون التهانى والورود، أو «الدباديب» الحمراء. وبحثت عن معنى هذا العيد الجميل، فعرفت أن الفضل فى هذا اليوم المبهج الذى يصنعه المصريون لأنفسهم، وهم مُحِبو المرح وصناع البهجة والفرح، يعود إلى الأستاذ، الكاتب الكبير، إحدى أيقونات الصحافة المصرية، «مصطفى أمين»، والقصة تعود إلى سنة 1988، حيث يُذكر أنه عندما كان الأستاذ «مصطفى أمين» يمر فى حى «السيدة زينب»، رأى نعشًا لرجل متوفى يمر أمامه، ولا يسير وراءه سوى ثلاثة رجال فقط، فاندهش الأستاذ من المشهد لأن المعروف عن المصريين أنهم يشاركون فى جنازات بعضهم البعض، حتى وإن كان المتوفى لا يعرفه أحد، فسأل أحد المارة عن الرجل المتوفى، فقالوا له إنه رجل عجوز، كان فى العقد السابع من عمره، ولكنه لم يكن هناك أحد يحبه.. فقرر الأستاذ «مصطفى أمين» تدشين يوم للحب فى مصر، ومن هنا جاءت التسمية. والجميل فى عيد الحب المصرى أنه لا يقتصر على العشاق وحدهم، بل أصبح مناسبة راسخة لتعزيز أواصر الحب والتكافل بين أفراد الأسرة الواحدة. طوبى للشعوب التى لا تزال تصر على صنع الفرح والبهجة، طوبى لكل القادرين على الحب والعطاء فى هذا الزمن الردىء، طوبى للأرواح الجميلة فى زمن القبح، طوبى لكل قادر على الحب بكرم فى زمن الشح فى كل شىء.. طوبى للقادرين على صناعة فضيلة الحب فى زمن الرذائل.
طوبى للحب..
وكل عام وأنتم جميعًا فى حب.