مجلس الشيوخ يحيل عددا من تقارير اللجان الفرعية للحكومة لتنفيذ توصياتها    وزارة العمل: ندوة للتوعية حول تنظيم عمل المرأة بالشرقية    أسعار السمك البلطي والبياض اليوم الاثنين 29-4-2024 في محافظة قنا    كولر يشرح خطة مواجهة الإسماعيلي في محاضرة فنية    ضبط متهم استعان بإخوته وأشعلوا النيران فى شقة زوجته بسبب الخلافات بالمقطم    استمرار حبس 4 لسرقتهم 14 لفة سلك نحاس من مدرسة في أطفيح    «إكسترا نيوز» تبرز ملف «الوطن» بشأن افتتاح مركز البيانات والحوسبة السحابية    الشرقية تسترد 28 فدانًا من أملاك الدولة ضمن الموجة 22 لإزالة التعديات - صور    «معلومات الوزراء»: ألمانيا والصين الأكثر إصدارا للسندات الخضراء    في حضور بلينكن.. أمين مجلس التعاون الخليجي يحذر من تفجر الأوضاع في المنطقة    الرئيس السيسي يستقبل رئيس البوسنة والهرسك في قصر الاتحادية    بسبب حرب غزة| طلاب الجامعات في واشنطن ينادون بتغييرات في العلاقات مع إسرائيل    الوادي الجديد تبدأ تنفيذ برنامج "الجيوماتكس" بمشاركة طلاب آداب جامعة حلوان    فانتازي يلا كورة.. دي بروين على رأس 5 لاعبين ارتفعت أسعارهم    الزمالك: الفوز على الأهلي ببطولتين.. ومكافأة إضافية للاعبين بعد التأهل لنهائي الكونفدرالية    عامر حسين: لماذا الناس تعايرنا بسبب الدوري؟.. وانظروا إلى البريميرليج    أكاديمية الشرطة تنظم ورشة عمل مشتركة مع الشرطة الإيطالية لتدريب الكوادر الأفريقية على مكافحة الهجرة غير الشرعية    الأوقاف: انطلاق الدفعة ال14 من مساعدات الوزارة لغزة    إصابة 6 أشخاص في حادث تصادم على طريق جمصة بالدقهلية    طارق الشناوي ينعي عصام الشماع: كاتب مختلف عبّر عن نفسه    الضحية أقوى من الجلاد.. أبو الغيط يهنئ الفلسطيني باسم الخندقي على فوزه بالبوكر    «الصحة» تستعرض جاهزية مستشفيات كفر الشيخ لتطبيق منظومة التأمين الشامل    دراسة تكشف العلاقة بين زيادة الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم    عبد الواحد السيد يكشف سبب احتفال مصطفى شلبي ضد دريمز    برشلونة أبرزها.. مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    تطور عاجل في مفاوضات تجديد عقد علي معلول مع الأهلي    التعاون الاقتصادي وحرب غزة يتصدران مباحثات السيسي ورئيس البوسنة والهرسك بالاتحادية    أسوشيتد برس: وفد إسرائيلي يصل إلى مصر قريبا لإجراء مفاوضات مع حماس    ضحايا بأعاصير وسط أمريكا وانقطاع الكهرباء عن آلاف المنازل    إصابة عامل بطلقات نارية في ظروف غامضة بقنا    موعد إعلان أرقام جلوس الصف الثالث الثانوي 2023 -2024 والجدول    احالة 373 محضرًا حررتها الرقابة على المخابز والأسواق للنيابة العامة بالدقهلية    ولع في الشقة .. رجل ينتقم من زوجته لسبب مثير بالمقطم    البحوث الإسلامية يعقد ندوة مجلة الأزهر حول تفعيل صيغ الاستثمار الإنتاجي في الواقع المعاصر    9 مايو أخر موعد لتلقي طلبات استثناء المطاعم السياحية من تطبيق الحد الأدنى للأجور    منهم فنانة عربية .. ننشر أسماء لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائى فى دورته ال77    «ماستر كلاس» محمد حفظي بمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير.. اليوم    مؤسسة أبو العينين الخيرية و«خريجي الأزهر» يكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين.. صور    الأنبا بشارة يشارك في صلاة ليلة الاثنين بكنيسة أم الرحمة الإلهية بمنهري    بحضور وزير الخارجية الأسبق.. إعلام شبين الكوم يحتفل ب عيد تحرير سيناء    «الرعاية الصحية» تشارك بمؤتمر هيمس 2024 في دبي    خلي بالك.. جمال شعبان يحذر أصحاب الأمراض المزمنة من تناول الفسيخ    أول تعليق من ياسمين عبدالعزيز على طلاقها من أحمد العوضي    اتحاد الكرة: قررنا دفع الشرط الجزائي لفيتوريا.. والشيبي طلبه مرفوض    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    خسائر جديدة في عيار 21 الآن.. تراجع سعر الذهب اليوم الإثنين 29-4-2024 محليًا وعالميًا    رئيس الوزراء: 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة تدهورت حياتهم نتيجة الحرب    مجموعة طلعت مصطفى تقرر شراء 10 ملايين أسهم خزينة    تعرف على الجناح المصري في معرض أبو ظبي للكتاب    من هي هدى الناظر زوجة مصطفى شعبان؟.. جندي مجهول في حياة عمرو دياب لمدة 11 سنة    مطار أثينا الدولي يتوقع استقبال 30 مليون مسافر في عام 2024    مصرع عامل وإصابة آخرين في انهيار جدار بسوهاج    أمين لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب: هذا أقوى سلاح لتغيير القدر المكتوب    "استمتع بالطعم الرائع: طريقة تحضير أيس كريم الفانيليا في المنزل"    سامي مغاوري: جيلنا اتظلم ومكنش عندنا الميديا الحالية    بايدن: إسرائيل غير قادرة على إخلاء مليون فلسطيني من رفح بأمان    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على رضوان.. شيخ الآثاريين
نشر في المصري اليوم يوم 17 - 02 - 2020

برحيل العالم الجليل الأستاذ الدكتور على رضوان، ينفرط عقد الآثاريين المصريين العظام الذين كان هو شيخهم بامتياز، وكان يأتى فى مقدمة أعظم العلماء فى مصر. وبالأمس القريب، ودع الآثاريون المصريون هذا العالم الفذ الذى كان واحدًا من أهم علماء الآثار المصرية.
لقد كان الدكتور رضوان بارعًا فى انتقاء كلماته بلغة عربية جزلة حين يشرح الآثار المصرية، وكان يصعب أن يجاريه أحد فى براعته وفصاحته ولباقته اللغوية التى جعلت منه واحدًا من أعظم العلماء الذين نجحوا بجدارة منقطعة النظير فى إبراز عظمة الحضارة المصرية القديمة. ولا تزال كلماته الجميلة الرنانة، التى كانت تدخل القلوب بكل سهولة، ترن فى أذنى، وأنا أكتب هذا المقال فى وداع أعز أصدقائى بين آثاريى مصر. وحين كان يشرح تمثال خفرع، الموجود بالمتحف المصرى بميدان التحرير، كان يجعل التمثال كأنه حجر حى خاصةً عندما كان يقول بلغة عربية جميلة: «لو لم يضع الفنان اسم الملك على التمثال، لأحسست أنه ملك».
لقد كان الدكتور رضوان رجلاً محترمًا وعظيمًا، وكان قليل الكلام، وكانت تخرج كلماته بحساب دقيق؛ ولذلك قد كان له أصدقاء قليلون؛ لأنه كان دائمًا يختار بدقة الشخص الذى يدخل قلبه. وقد عرفت الدكتور رضوان عندما كنت أدرس دبلوم الآثار المصرية القديمة بجامعة القاهرة. وهناك عرفت عددًا كبيرًا من الأساتذة العظام الذين لا يتكرر أحد منهم الآن للأسف الشديد. وكان د. رضوان أحد أهمهم. ودرست على يديه الآثار المصرية. وبعد ذلك، استمر الود بيننا. وأصبح من أعز أصدقائى. وكان ثلاثتنا، المرحوم الدكتور جمال مختار وهو وكاتب المقال، نجتمع دائمًا فى نادى الجزيرة. وكنا نستمع إلى نصائح الدكتور مختار. وبعد رحيل دبلوماسى الآثار الدكتور مختار، أصبح الدكتور رضوان من أهم الشخصيات المحببَّة إلى قلبى.
ولا أعتقد أن هناك يومًا واحدًا مرّ دون أن نتحدث يوميًا. وعندما توليت مسؤولية المجلس الأعلى للآثار، قلت له: «أرجو أن تشاركنى فى الرأى؛ لأننى لا أود أن أعمل سوى الخير لمصر وآثارها»؛ لذلك لم أتخذ قرارًا واحدًا دون أن يشاركنى فيه الرأى؛ ولذلك نجحنا فى الحفاظ على آثار مصر، وأوقفنا معًا العديد من المشروعات التى كانت تهدد الآثار، ومنها الطريق الدائرى، والطريق الغربى الذى كان يمرّ بجوار معبد الملك سيتى الأول بأبيدوس. وشرفنا بعضوية الدكتور رضوان فى مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار، وكذلك برئاسته لمجلس إدارة المتحف المصرى بالتحرير. وكان ممثلاً للمجلس الأعلى للآثار فى اجتماعات اليونسكو. وبعد أن توليت الآثار، قابلت صديقى الفنان المبدع فاروق حسنى، عندما كان وزيرًا للثقافة، لكى يعين رضوان عضوا بالمجلس الأعلى للثقافة. وبعد ذلك، طلبت من إحدى الجامعات المصرية ترشيح د. رضوان لجائزة النيل، وقد حصل عليها بالإجماع من أول مرة. وعندما أبلغته بالقرار؛ إذ إننى كنت عضوًا فى المجلس الأعلى للثقافة بحكم وظيفتى كأمين عام للمجلس الأعلى للآثار، وجدته يبكى من الفرحة. وقال لى بالحرف الواحد: «الآن أستطيع القول إن بلدى ومحبوبتى الكبرى، مصر، قد أعطتنى الكثير. وهذا أعظم وسام على صدرى».
وكان د. رضوان الآثارى المصرى الوحيد الذى كان يكتب مقالات علمية على مستوى علمى كبير وغيرها بانتظام إلى آخر أيام حياته على عكس الكثيرين الذين يكتبون مقالات الهدف منها هو الترقية والحصول درجة الأستاذية فى الآثار المصرية، وبعد ذلك يتوقفون عن تقديم أى شىء يُذكر للعلم، ويتفرغون لأمور غير علمية.
وقد تخرج الدكتور على رضوان من جامعة ميونيخ الألمانية. وبعد ذلك، حصل على درجة ما بعد الدكتوراه من ألمانيا أيضًا. وعلى الرغم من ذلك، لم يقف فى صف الألمان حين طالبت بعودة رأس نفرتيتى لمصر. ود. رضوان أيضًا من القلائل الذين بدأوا حياتهم العملية فى الآثار حين عمل مفتشًا لآثار الفيوم وبنى سويف فى سن صغيرة، وقدم فى تلك الوظيفة خدمات جليلة لآثار مصر فى المحافظتين. وبعد ذلك، أشرف على حفائر مهمة جدًا، وهى حفائر كلية الآثار بجامعة القاهرة فى منطقة «أبوصير» بالجيزة. وقدم لنا اكتشافات هامة فى عصر الأسرات المبكرة. وقد ترك لنا ميراثًا مهمًا جدًا لم يقدمه أستاذ مصرى من قبل. وله العديد من التلاميذ فى مصر والعالم العربى؛ إذ كان يشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه فى التخصص. وفى عهدى أصدر المجلس الأعلى للآثار مجلدات عديدة بلغات مختلفة تكريمًا لهذا العالم الجليل المخلص المحب لوطنه وآثاره وتلاميذه. وكتب هذه المقالات أصدقاؤه ومحبوه وتلاميذه؛ لأنه كان ملء الأسماع والأبصار. وكان الدكتور رضوان يقف دائمًا لنصرة الحق. وكان بحق معلمًا ومدافعًا شرسًا عن آثار مصر. وكان محبًا ومعاونًا ومدافعًا عن تلاميذه بكل الحب والقوة والتشجيع والاحترام، فبادله تلاميذه نفس الشعور وأكثر. وكان موفقًا فى المعارك التى خاضها دفاعًا عن آثار مصر حتى تم اختياره بحق وبرغبة صادقة من الجميع كى يكون رئيس اتحاد الآثاريين العرب عند تأسيسه والذى نجح من خلال حكمة وبراعة ودماثة خلقه فى أن يجمع الآثاريين المصريين والعرب على كلمة واحدة.
وعندما أصابه المرض اللعين، عرفت حالته من الدكتور محمد الكحلاوى. وأقول إن الدكتور محمد الكحلاوى رجل شجاع؛ لأنه كان معه فى كل لحظة. وقلت له: «إننى لو شاهدته فى هذه الحالة، لوقعت على الأرض على الفور؛ لأننى لم أكن أتصور يومًا أن أشاهده مريضًا». ولذلك كنت يوميًا عندما أنظر فى الهاتف وعندما لا أجد اسم الدكتور الكحلاوى، كنت أحس بالسعادة؛ لأننى كنت أخاف أن أسمع النبأ الحزين إلى أن جاءت اللحظة التى كلمنى فيها الدكتور الكحلاوى؛ فانهمرت الدموع من عينى فى صمت وحزن شديدين.
وعندما ذهبت لصلاة الجنازة على الفقيد الكبير، لم أكن أتصور أن يثوى جسد عملاق الآثار داخل هذا النعش، لكنها سنة الحياة. وفى الجنازة، شاهدت د. أحمد عيسى أحد تلاميذه وهو يبكى بشدة وكان بكاؤه يحسر القلب ويظهر حب الطالب لأستاذه وهذا هو الوفاء.
ولم أستطع أن أحضر العزاء التالى أو التأبين الذى أعده الدكتور خالد العنانى؛ لأننى لم أكن أستطيع أن أتكلم كلمة واحدة عنه، ولو وقفت أنعيه؛ فسوف أبكى أمام الحاضرين؛ ولذلك أطلب من الله سبحانه وتعالى له الرحمة والمغفرة والجنة، ونشكر جميعا د. خالد العنانى على وفائه للآثاريين.
وفى النهاية، أقول إن د. على رضوان سوف يظل علامة مميزة، وسوف يظل يسكن قلبى مدى الحياة، وسوف أفتقد اللقاء الأسبوعى معه والذى كان يجمعنا به مع الدكتورة شافية بدير والدكتورة سعاد عبدالعال فى لقاء الحب والصداقة والعلم؛ على رضوان شخص نادر لا يتكرر كثيرًا.
إن الدكتور على رضوان خرج من الحياة بعد أن أضاف إليها وإلينا الكثير فى علم الآثار. ورحم الله الفقيد الغالى وأسكنه فسيح جناته جزاء ما فعله لنا ولمصر وآثارها. وسوف يبقى الدكتور على رضوان فى عقل وروح ووجدان كل محبيه، ومن قبلهم مصر التى أحبها بكل صدق، وكان من عشاقها العظام؛ لأن مصر العظيمة كثيرة العشاق. رحم الله الدكتور على رضوان أستاذًا وصديقًا وأخًا ومعلمًا للأجيال وواحدًا من أبرع أساتذة الآثار العظام، وسوف يكتب اسمه بحروف من ذهب على مراجع التاريخ والآثار المصرية.
 


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.