قوارب الموت

مشهد صادم هذا الذى رأيناه، منذ أيام قليلة، حينما انهال حراس الحدود فى اليونان على اللاجئين السوريين الفارين من تركيا بالضرب لإجبارهم على العودة إليها مرة أخرى. المشهد مؤلم لأبعد حد. أسر تحلم بحياة أفضل فى أوروبا لكنها لا تجد من يرحمها من البؤس والتشرد. منظر أحد الآباء وهو يحاول وضع عوامة ابنه الخضراء فى القارب الذى أتت فيه شرطة الحدود- معتقدًا أن الشرطة جاءت لنجدتهم- ثم محاولته أخذ العوامة مرة أخرى بعد أن أوسعته الشرطة ضربًا، منظر ينفطر له القلب.
يستخدم النظام التركى- بلا خجل- اللاجئين السوريين فى أرضه (البالغ عددهم حوالى 3.5 مليون) كورقة ضغط للحصول على مزيد من الدعم من الاتحاد الأوروبى. فهو الذى فتح حدوده وأعطى الضوء الأخضر للاجئين للتحرك نحو أوروبا. هذا فى الوقت الذى حيا فيه الاتحاد الأوروبى شرطة الحدود اليونانية على تعاملها القاسى مع اللاجئين السوريين فى مشهد تدمع له العين لبلاد اعتادت على احترام حقوق الإنسان (ولو نسبيًا). ففى الوقت الذى يمنع القانون الدولى لحماية اللاجئين إرجاعهم إلى مناطق حياتهم مهددة فيها، قررت الدولة اليونانية وقف تقبل طلبات اللجوء. وفى الوقت الذى تمنع فيه القوانين الخاصة بحقوق الإنسان استخدام العنف بشكل غير متناسب، لم تخجل القوات الحدودية من استخدام القنابل المسيلة للدموع لمنع السوريين من دخول الأراضى اليونانية.
حصلت تركيا فى 2016 على دعم مالى من الاتحاد الأوروبى (قدره 6 بلايين يورو) مقابل استقبال اللاجئين السوريين الذين وصلوا إلى الجزر اليونانية فى تركيا. واليوم، تسعى الأخيرة، من الحرب التى تشنها فى الشمال السورى، إلى صناعة منطقة حدودية داخل الأراضى السورية بشكل يضرب عصفورين بحجر: من ناحية، يؤدى إلى تراجع النفوذ الكردى إلى العمق بعيدًا عن الحدود، ومن ناحية أخرى، يخلق «منطقة آمنة» من المفترض أن يعود إليها اللاجئون السوريون. إلا أن هذه الحرب لم تحظ بنجاح بل فقط تسببت فى زيادة أعداد النازحين السوريين. ومن ثم، قررت تركيا زيادة الضغط على أوروبا - التى نددت سابقا بهذه الحرب - لدعمها فيها، مستخدمة، بلا قلب، اللاجئين السوريين الذين شهدوا من الويلات ما يؤلم الفؤاد ويكسره.
للأسف، يقع السوريون بين مطرقة نظام بلا قلب أو عقل، وسندان دول أغمضت عينيها عن حقوق الإنسان فلم تسع منذ سنوات مضت لوقف نزيف الأرواح، وسحق كرامتها.