هى ليست نتيجةً لمباراة فى كرة القدم بين البلدين، فالتطبيع الرياضى لايزال بعيدا.. بل مقارنةٌ بين عدد السفارات المصرية، وعدد السفارات الإسرائيلية فى دول منابع النيل.. أما المناسبة التى وردت فيها تلك المقارنة فهى إجابة أحد المسؤولين الكبار عن سؤال يتردد كثيرا فى الآونة الأخيرة: لماذا تركنا الساحة الأفريقية لتمرح فيها إسرائيل؟!.. أراد سيادته بالأصالة عن نفسه أن ينفى تقصير الحكومات المتعاقبة فى هذا الخصوص.. ظنَّ أن إجابته ستكحل عيوننا وعيون رؤسائه، لكن كُحله أصاب الجميع بالعمى!.. لم يدرك لسبب ما أن التفوق العددى الذى استند إليه ليفحم صاحب السؤال يبرهن على فشل دبلوماسيتنا فى تلك المنطقة مقابل نجاح الدبلوماسية الإسرائيلية!.. ومع ذلك لست من أنصار الوقوف أمام فرضية تآمر إسرائيل، فهو أمرٌ متوقع لا تعصمنا منه عشر اتفاقيات سلام، والتركيز عليه يجعلنا كمن يبحث عن شماعة ليُعلق عليها فشله!.. فى الوقت نفسه لست من دعاة توزيع الاتهامات ونصب المشانق، فالتطورات الجارية فى أزمة مياه النيل تستوجب فقط التعامل معها بقدر كبير من الحكمة، وبقدر أكبر من الشفافية.. من حقنا أن تقدم لنا الحكومة الحالية كشف حساب، لا تطمينات أو مسكنات.. لسنا فى حاجة اليوم لتصريحات الدكتور أحمد نظيف التى تدعونا لوضع بطيخ صيفى فى بطوننا، فربما نستيقظ ذات صباح فلا نجد مياهاً لزرع البطيخ أو لغسل الوجه!.. نحتاج بشدة -اليوم قبل الغد- أن يدعو الرئيس حسنى مبارك إلى حوار مجتمعى تشارك فيه الأحزاب والقوى السياسية والخبراء والحقوقيون للخروج بآلية للتعامل مع الأزمة.. مع ملاحظة أن ذلك قد يتحول إلى مجرد شو سياسى، فى حال عدم اعترافنا بالأخطاء العديدة التى ارتكبناها فى حق أنفسنا بنسيان أفريقيا!.. نحن أمام واقع جديد فرضته دول منابع النيل لا يفيد معه القول بأننا لم نقصر!.. من حق إثيوبيا أن تبحث فى دفاترها القديمة كتاجر أدركه الإفلاس.. ومن المنطق أن نتفهم ذلك مادام الواقع يقول إن أكثر من 80% من مياه النيل يأتينا من الإثيوبيين، لذا لا سبيل إلا (الدبلوماسية الخلاقة) أمام التصريحات المستفزة التى أطلقها أخيراً رئيس الوزراء الإثيوبى ميليس زيناوى!.. لنتسلح بالشجاعة ونعترف بأننا لم نساعد إثيوبيا كما يجب أثناء سنوات الجفاف والمجاعة!.. كررنا معها نفس السيناريو الذى جرى مع روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتى.. كنا مصريين وعرباً نكتفى بالفرجة على مشاهد طوابير الخبز فى شوارع موسكو ونمصمص الشفاه، وحين طبق الحبل الأمريكى على زمارة روحنا هتفنا: أين أنتم أيها الأصدقاء الروس؟!.. ليست البعثات الأزهرية وحدها ما ينتظره منا الأفارقة، ولا بضع آبار نحفرها هنا أو هناك ذراً للرماد فى عيونهم.. بل مشروعات تنموية حقيقية تعيد هؤلاء للدوران فى فلكنا!.. راجعوا معى الحوار المهم الذى أجرته الزميلة منى ياسين فى عدد الثلاثاء الماضى من (المصرى اليوم) مع الدكتور رشدى سعيد صاحب أهم دراسة عن نهر النيل.. تأملوا كلماته عن بند فى اتفاقية 59 بشأن تقاسم مياه النيل، يفيد بضرورة قيام مصر والسودان بتوفير مياه لإثيوبيا من مصادر أخرى!.. لنتحدث بصراحة: هل أخذنا ذلك البند بالاهتمام الكافى خلال الخمسين سنة الماضية؟!.. بالطبع لا!.. ومع ذلك تبدو الفرصة سانحة أكثر من أى وقت مضى لمراجعة سياستنا تجاه أفريقيا بصفة عامة.. تلك التى لن تثمر شيئاً بزيادة عدد السفارات وحده! [email protected]