رسالتان حول «بلا نهاية»

(عزيزى نيوتن،
تحدثت فى مقال «بلا نهاية» عن أن لكل شىء نهاية، عادة ما تأتى بصدمة، أو بمراجعة شاملة.. وذكرت نهاية النازية فى ألمانيا، والفاشية فى إيطاليا، والمَلَكية فى مصر.. وبداية الإمبراطورية العلمية اليابانية، وبداية الانفتاح الاقتصادى الصينى، لتبقى الشيوعية فى الصين هى مجرد اسم فقط.
لو نحَّيْنا الحديث عن الأشخاص جانباً، سنجد أن عدم الاتزان داخل هذه المجتمعات والصراعات بين الدول، هى ما هيَّأت الظروف لظهور الزعامات، وكلنا يعلم كيف مهَّدت معاهدة فرساى- التى كانت غير عادلة للألمان بعد الحرب العالمية الأولى- لظهور الحزب النازى، كما مهد عدم توزيع الثروة بِعَدْل فى مصر، لتنصيب عبدالناصر زعيماً من أجل العدالة الاجتماعية.
لقد انتهى هتلر وموسولينى وعبدالناصر، لأنهم اغترّوا بقوتهم، عندما ظنّوا أنهم بيدهم كل شىء، ولم يدركوا أن الظروف هى منشأ زعامتهم.
عندما تحوَّلت تركيا من النظام البرلمانى المتعدد إلى النظام الفردى، صارت كأنها تسير عكس التاريخ، وبدأت تتراجع.. الصراعات داخل البيت الأبيض فى أمريكا لن تُسْقِط أمريكا، لأنها دولة مؤسسات وليست دولة أشخاص.
التاريخ يعيد نفسه مع من لا يتعلم منه.. وعلّمنا التاريخ أن الظروف هى التى تصنع الزعامات، فمنهم من يتواضع، ومنهم من يغترّ، فيكتب النهاية له، ولمن ارتضوا بزعامته.. وصدق الشاعر إذ يقول:
لكل شىء إذا ما تَمَّ نُقصان.. فلا يُغَرَّ بطيب العيش إنسان
هى الدنيا كما شاهدتها دُوَلٌ.. من سَرَّه زمن ساءته أزمان
أحمد شوقى فتحى كامل- صيدلى بالهيئة العامة للتأمين الصحى بدمنهور)
■■■
(عزيزى نيوتن،
فى ختام مقالك «بلا نهاية» كتبت «فى حوار مع الأستاذ هيكل. طلب منه أن يقوم بمراجعة تجربة عبدالناصر. بما لها وما عليها. فهو الوحيد المؤهل ليخرج بهذه المراجعة سالما. كان رد الأستاذ هيكل صادما. قال: فلنترك تجربة عبدالناصر كصندوق أسود كما هى».
نجد دينج شياو بينج أغلق الصفحة تماماً فى سعيه لوضع حجر الأساس لهذا التنين الاقتصادى الضخم، فلم يشغل باله ولا بال شعبه بمراجعة تجربة ماو تسى تونج، واعتبرها تلميحاً دون التصريح صندوقاً أسود لا يقربه أحد، ثم انشغل بالإصلاح والتغيير.
كذلك ألمانيا وإيطاليا واليابان التى عرضت لتجاربها السابقة، لم تشغل نفسها بالتفتيش فى صناديقها السوداء، لكن شغلت نفسها بإعادة توجيه مساراتها حتى بلغت ما بلغته اليوم من علو ونهضة وتقدم.
هذا بالضبط ما تحتاجه مصر وألمح إليه هيكل، أن تنظر إلى الأمام وليس إلى الخلف، وألا تنشغل كثيراً بما فات، وأن تشغل نفسها بما هو آت، فليظل عبدالناصر صندوقاً أسود، فتجربته قد صارت فى ذمة التاريخ، والأفيد لنا ولمصر أن نستدعى الساعين لبناء المستقبل.
د. يحيى نور الدين طراف)