لا أدري ما الذي يؤدي بالإنسان إلى الغضب الشديد..؟ ومن أين تأتي له الرغبة العارمة في العنف..؟ وما الذي يجعله شديد العصبية لرأيه ولفرقته..؟ وما دور الدين في كل هذا..؟ نعلم أن الشعور بالظلم والقهر قد يولدان كل هذا، وأن مرارة المعاناة قد تدفع الإنسان إلى فعل ذلك وأكثر.. ونعلم كذلك أن القرآن الكريم قد أخبرنا بأن هناك نفس " أمارة بالسوء " قد تسول له تلك الأخلاق المذمومة، وأن هناك وسواس خناس " يوسوس في صدور الناس ".. كل هذا يمكن فهمه وإدراكه، ولكن ما لا يمكن فهمه أو تقبله تحت أي مسمى هو أن نرى صورا قبيحة من العنف والقتل والعصبية تصدر من أناس يدعون التدين ويتفاخرون بأنهم ينتمون إلى دين سماوي كالإسلام الحنيف والمسيحية السمحة.. فكيف يكون الدين الداء وهو الدواء.. ؟ إن ما رأيناه وسمعناه عن التوتر الطائفي في مصر هذه الأيام والإعتداءت المتبادلة بين مسلمين ومسيحين، مرة تلو الأخرى - في إمبابة وغيرها - هو أمر مرفوض جملة وتفصيلا؛ فمصر بعد ثورتها البيضاء الطاهرة في أشد الحاجة إلى الإستقرار الأمني والوحدة الوطنية والعمل الجماعي من أجل البناء والنهوض، ولا تحتمل أبدا في هذه الظروف أيا من تلك العداءات المقيتة والخلافات التي تقطع نسيج الوحدة الوطنية وتدفع البلد نحو حالة خطرة من الإنهيار الأمني، لا يتمناها مصري ذو بصيرة لبلده. ومن يبرئ نفسه وفريقه بأن كل ذلك من فعل وتدبير البلطجية، وفلول النظام السابق، وعناصر مدفوعة من الخارج، أو الطرف الآخر، نقول : حتى وإن كان هذا صحيحا، فما الذي يجعلنا ننساق وراء هذه التصرفات الهوجاء حتى وإن كانت تحت شعار" نصرة الدين " ؟.. لو نشبت - والعياذ بالله - حربا أهلية في البلد من جراء ذلك - يذهب فيها المئات والألف من الأبرياء من المواطنين - هل سيكون ذلك مرضاة لله ونصرة للدين ؟.. أفلا نحكم عقولنا وضمائرنا قبل أن ندمر بلدنا بإيدينا ؟ أفلا يتحرك علماء الدين والحكماء والعقلاء أصحاب النفوذ والتأثير - لا ليدافعوا عن دينهم ويبرئوا مناهجهم - بل ليدعوا إلى التسامح والمحبة بين الجميع، والتعامل بحلم وأناه مع المشكلات الفرعية (كإسلام إمرأة أو إختطاف أخرى) والتركيز فقط على القضايا الكبرى في هذه الفترة العصيبة (الإستقرار الأمني - الوحدة الوطنية - التعافي الإقتصادي - الإصلاح السياسي ..) ؟ إن العدل لن يؤسس أو يقوم بشريعة الغاب أبدا، والقضاء الكامل في حقوق الناس - بما فيها قضايا النزاع بين المسلمين والأقباط - لن يتم تحت عباءة العصبية أو من خلال صراعات البلطجيه والعركات الصبيانية.. لابد من ترك الفصل في كل قضايا حقوق وواجبات المواطنين إلى النظام القضائي الوطني، وسلطة الجهاز الأمني الذي يحتاج إلى الإحترام والصبر والمعاونة من كل أفراد الشعب في هذا الوقت الحرج.. لن تنصلح أمورالدين والدنيا في مصر بين ليلة وضحاها؛ لابد من الحكمة والصبر الشديد في التعامل مع كل تلك الأمور حتى تستقر أحوال البلاد.. ليس من المعقول أن يتصارع راكبان على أمر أيا كان وحافلتهم قد تهوي بهم وأهلهم جميعا في الهاوية إن لم ينتبهوا ويتحدوا..! إن أبسط مبادئ الدين هي الرفق والرحمة والتسامح. ألم يتعلم المسلم قول رسول الله: (رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى) ؟ ألم يتعلم المسيحي قول السيد المسيح: (حب عدوك.. وصلي من أجل مضطهدك) ؟ .. إن لم يمارس الإنسان المتدين هذه المبادئ فمن الذي سوف يمارسها ؟ " المتحررون " و" العلمانيون "..!! هناك عشرات من الأيات الكريمة والأحاديث الشريفة والنصوص الدينية التي تؤكد هذه المعاني الربانية التي تهدف إلى هداية الإنسان وتهذيبه حتى يحيى حياة طيبة وآمنة مع باقي البشر.. أنظر إلى كلام الله تعالى من سورة فصلت : (( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين (33) ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم (34) وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم (35) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم (36) )) هكذا إنتشرت الأديان ودعوة الأنبياء، وهكذا إنجذب إليها الناس على مر التاريخ.. أنأتي نحن الآن ونقلب رسالة الدين إلى دعوى عنف وعصبية.. وحمية في غير محلها..؟ سأتركك مع مقتطفات من هدي المبعوث رحمة للعالمين حول موضوع " الرفق ". يندر صراحة أن نرى في أي دين كل هذا الكم من التوجيه إلى الرفق بكل صورة ممكنة. ولا أدري حقيقة أي شئ أكثر من كل هذا التأكيد على الرفق نحتاجه من رسول الله حتى نستجيب..؟ محمد منصور --------- أحاديث شريفة عن الرفق (منقولة): حديث: عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم، قالت عائشة: ففهمتها فقلت: وعلكيم السام واللعنة. قالت فقال رسول الله: (مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله)، فقلت يا رسول الله أولم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله: (قد قلت وعليكم). حديث : (إن الله يحب الرفق في الأمر كله) رواه البخاري الرفق هو : لين الجانب بالقول والفعل , والأخذ بالأسهل والدفع بالأخف . وقيل هو : اللطف والدربة وحسن التصرف والسياسة , وقيل : الرفق ضد العنف وهو اللطف وأخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها. حديث : (من يحرم الرفق يحرم الخير كله) صحيح الجامع قال الغزالي : الرفق محمود وضده العنف والحدة , والعنف ينتجه الغضب والفظاظة , والرفق واللين ينتجهما حسن الخلق والسلامة , والرفق ثمرة لا يثمرها إلا حسن الخلق , ولا يحسن الخلق إلا بضبط قوة الغضب , وقوة الشهوة وحفظهما على حد الاعتدال , ولذلك أثنى المصطفى صلى الله عليه وسلم على الرفق وبالغ فيه. حديث: (من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير, ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير) رواه الترمذي حديث: (من حرم حظه من الرفق حرم حظه من خير الدنيا والآخرة) ابن عدي حديث: (إن الله رفيق يحب الرفق. ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف. وما لا يعطي على ما سواه) رواه مسلم حديث: (إن الله عز وجل يحب الرفق ويرضاه ويعين عليه ما لا يعين على العنف) صحيح الترغيب / المنذري - الألباني حديث: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه. ولا ينزع من شيء إلا شانه) رواه مسلم حديث: (إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق) صحيح الجامع حديث: (يا عائشة ارفقي , فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيرا دلهم على باب الرفق) السلسلة الصحيحة / الألباني حديث: (ما أعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم ولا منعوه إلا ضرهم) السلسلة الصحيحة / الألباني حديث: (إن الله عز وجل ليعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرق, وإذا أحب الله عبدا أعطاه الرفق, ما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا حرموا الخير) الألباني قال المناوي: والمراد إذا أراد بأحد خيراً رزقه ما يستعين به مدة حياته ووفقه في الأمور ولينه في تصرفه مع الناس وألهمه القناعة والمداراة التي هي رأس العقل وملاك الأمر , وإذا أراد به سوءاً ابتلاه بضد ذلك, والأول علامة حسن الخاتمة والثاني بضده. والخرق الحمق وهو نقيض الرفق. --------- http://masryyat.blogspot.com/