داخل معرض القاهرة، كان المزورون يبيعون نسخا مضروبة من الكتب الحديثة على عينك يا تاجر، وعندما فشلت كل الطرق الرسمية فى إيقاف هذه الجريمة تجمع الناشرون وتوجهوا ب«الشوم» لمقار المزورين وأغلقوها بأنفسهم، فما كان من المسؤولين الرسميين إلا أنهم لاموا على الناشرين أنهم أضاعوا حقوقهم (اللى ماحدش عارف يجبهالهم أصلا)، قس على هذه الواقعة طريقة تعامل الرسميين مع التزوير، اتحاد الناشرين لا يمتلك أدوات كافية لمواجهة الجريمة، ومن الوارد أصلا أن يحصل على عضوية الاتحاد ناشر بدأ حياته مزورا. قبل فترة علقت الكاتبة (غادة السمان) على مقال نقدى عن كتاب لها فى إحدى الصحف القاهرية، قالت إن الغلاف المنشور مع المقال يقول إنه «مضروب» لأن المزور كتب (رواية) على كتاب (قصص قصيرة)، واستخدم لوحة مضللة كغلاف لا تشبه الغلاف الأصلى، وكانت فضيحة بجلاجل فى الأوساط، إذ أصبحت الجرائد الثقافية تشتغل أيضا على الكتب المزورة. حيلة المزورين المشهورة هى شراء كمية من الكتب الأصلية بفواتير رسمية، يخفون خلفها الكتب المزورة، وساعة هجوم المصنفات يقدمون لها الفواتير، والكلام عن كون العملية تدخل فى غسل الأموال لا دليل فى يدى عليه، لكن الجميع يتناقلونه، واجتماعات المزورين التى يذهبون إليها بالسيارات الفارهة ويعقدونها فى ردهات الفنادق الكبرى هى مادة للتندر والإحباط فى الوسط الثقافى، وهناك فشل مريب يطارد محاولات تعديل التشريع الذى يعاقب المزور بغرامات تافهة، ونحتاج وقفة لتأمل تصريح رئيس الهيئة العامة للكتاب فى أحد البرامج تعليقا على الموضوع إذ قال نصا: «تزوير الكتب يوضح أن هناك نسبة قراءة عالية، وهو ما يعد مؤشرا إيجابيا»، من حق رئيس الهيئة أن ينظر للنصف المليان من الكوب، لكن لا معنى لهذا فى ظل وجود ناس تموت عطشا. هناك شكوى من ارتفاع أسعار الكتب، يبرر بها القراء لأنفسهم شراء الكتب المزورة، فى شق ارتفاع الأسعار هم محقون تماما، بس لها حل، وفى شق التبرير فالكل يعرف جيدا أنها شراكة فى الجريمة. طيب هل هناك مصائب يمكن أن تتورط فيها الدولة شخصيا بسبب تحول مصر إلى بؤرة لتزوير الكتب؟ مصائب لا تعلم عنها الدولة شيئا؟ أيوه فيه، المقال القادم.
