تقول ماريا: «كنت أنظر لشجرة فرأيت ورقة تسقط منها.. فقررت أن أرقص تلك الرقصة.. ولكن عندما حاولت أن أجد الموسيقى المناسبة لم أنجح فسألت ورقة الخريف هل أنت في حاجة إلى موسيقى لكى تتحركى؟ فأجابت: لا، أنا في حاجة إلى الريح. فبدأت أبحث عن الأنغام بداخلى كى أجد الريح.. القوة التي أحرك بها جسدى وأرقص بها رقصتى..». حدث هذا في خريف 1942. هكذا تحكى ماريا فوكس الراقصة الأرجنتينية، صاحبة مدرسة للرقص تجاوزت ال90 من عمرها عن بداية عشقها للرقص في فيلم وثائقى اسمه «الرقص مع ماريا». نجد فيه تفاصيل عشق الرقص والحياة وكيف أن ماريا استقبلت في مدرستها كل من يريد أن يعبر عن نفسه ويرقص وأن يحرك جسده وينطلق بروحه حتى لو كان لديه عائق جسدى.. أن تتحرر من كآبة وحدتك وأن تتفاعل مع الحياة وأن تعيش وتتعايش بكل ما هو حى ونابض من ألوان البشر وأنغام الموسيقى هذا هو الرقص. وأن تقفز خارجا من ملاجئ التعقل والتعود وأن تحلحل ما قمت بربطه من قبل.. هذا هو الرقص أيضا. وبالطبع لا يمكن أن نحتفى بالرقص في حياتنا دون أن نلجأ إلى حكيم الرقص وفيلسوف الحياة أليكسيس زوربا، بطل الرواية الشهيرة المعروفة ب «زوربا اليونانى» للكاتب اليونانى نيكوس كازانتزاكيس والصادرة عام 1946 وقد تحولت إلى فيلم بنفس الاسم في عام 1964 وقام أنتونى كوين بدور زوربا. كازانتزاكيس في سيرته الذاتية المتميزة «تقرير إلى غريكو» (ترجمها ممدوح عدوان) يتحدث في فصل كامل عن زوربا الإنسان الذي التقاه في حياته ليعلمه الكثير والكثير من فنون الحياة ورقصاته. ويذكر كيف أن زوربا كان يؤمن بأن الحياة بل والموت نفسه رقصة.. يجب أن نحوله لرقصة. لكى ننطلق ولكى نتحرك ونحرك معها قدمينا وجسدنا وروحنا.. «كنت أرقب زوربا يرقص ويصهل في أعماق الليل. أسمعه يدعونى أن أقفز بدورى خارجا من من ملاجئ التعقل والتعود وأن أرحل معه عبر سفر عظيم لا عودة منه. زوربا في ذاكرة الكاتب بقى المحارب والراقص في الحياة صاحب النفس العظيمة والجسد المتمكن والنداء المنطلق الذي لم أر، ولم أعرف، له شبيها في حياتى كلها» كما كتب كازانتزاكيس. الروائية العراقية إنعام كجه جى وهى تسترجع ذكرياتها عن الاستمتاع بعروض الرقص في بلداننا في أوائل السبعينيات كتبت:«.. جاءتنا فرقة رضا للفنون الشعبية من القاهرة وسحرتنا برشاقة محمود رضا وفريدة فهمى وبقية الطيور المحلقة. هذا فن راق يختلف عن هز البطن. هكذا قلنا لأنفسنا رغم أن سهير زكى كانت زعيمة الزمان. وعندما رأينا رقصة البمبوطية للفرقة القومية المصرية، مع عايدة رياض ومشيرة إسماعيل وبحارة الميناء، تحولت بيوتنا إلى حلقات يرقص فيها الأولاد ويغنون: وعيونك شط وشمسية... تعالى جنبى... تعالى جنبى». والرقص يعد ضرورة حيوية.. الروائى اليابانى هاروكى موراكامى في روايته «رقص رقص رقص» يكتب: «ارقص.. يجب أن ترقص.. مادامت الموسيقى تعزف، يجب أن ترقص، لا تفكر حتى في السبب، إذا شرعت في التفكير فسوف تتوقف قدماك. إذا توقفت قدماك فسوف نتعطل نحن، فسوف تتعطل أنت/ لذا لا تفكر في شىء مهما بدا ذلك حمقا، يجب أن تواصل الخطى.. يجب أن تمرن جسمك، يجب أن تحلحل ما قمت بربطه، يجب أن تستخدم كل ما لديك، نعلم أنك متعب، متعب وخائف، هذا ما يحدث لكل شخص.. حسنا، فقط لا تدع قدميك تتوقفان. ومثلما قال جوته قوله الشهير:»كن رجلا ولا تتبع خطواتى«.. تأتى في بالى العبارة التالية:»ارقص رقصتك.. ولا تتبع خطواتى».
