عندما يعلن الكاتب الكبير وحيد حامد توقفه عن استكمال الجزء الثالث من مسلسل (الجماعة)، مشيرا إلى أن شركة الإنتاج تقاعست عن التواصل معه، فإن هذا يعنى أن داخل الدائرة القريبة من صناعة القرار من له رأى آخر، يحول دون حتمية استكمال باقى حكاية تنظيم الإخوان. شركتا الإنتاج اللتان رأيناهما، سواء فى الجزء الأول أو الثانى، انتظرتا ضوءاً أخضر من الدولة فى مثل هذه الأمور لا يكفى أن تضخ أموالاً لتقديم مسلسل له أبعاده السياسية والفكرية المتعلقة بالأمن القومى المصرى، يجب أن يُنصت الجميع لصوت الأجهزة. لو تذكرتم الجزء الأول الذى أخرجه محمد ياسين عام 2010، وكيف أثار لغطاً وتبايناً فى وجهات النظر إلى درجة أن هناك تغييرات كانت تتم فى المونتاج على الهواء وحتى اللحظات الأخيرة، بسبب آراء تفرضها جهات عُليا، وحيد يحركه فى تناوله المنطق الدرامى والتاريخى، بينما كان رأى عدد غير قليل أن هناك تعاطفاً مع حسن البنا، مؤسس الجماعة، بسبب تلك الرؤية التى حرص عليها، فلا يوجد فى الدنيا أشرار يمارسونه 24 ساعة فى اليوم، الجزء الثانى والذى احتلت فيه شخصية سيد قطب مقدمة الكادر، كما شاهدنا أيضا النحاس باشا وجمال عبد الناصر فرأينا معركة حامية الوطيس حول النحاس وعلاقته بالملك فاروق وميول عبد الناصر الإخوانية التى صاحبته فى مطلع حياته مثل العديد من شباب ذلك الزمان، والسؤال: هل يجوز فى ظل الظرف التاريخى الذى تعيشه مصر أن يُقدم الزعيم ناصر وهو لديه شىء من التعاطف حتى لو كان ذلك قبل أن يكتشف خداعهم؟، الرد المنطقى لوحيد أن هذا هو التاريخ الموثق، رغم أن الوثائق حتى تلك المتعلقة بتاريخنا المعاصر نكتشف أن كل واحدة منها من الممكن أن تعثر على واحدة أخرى تدحضها، لو تأملت ردود الفعل تتأكد أن كلاً منا يريد أن يرى جمال عبد الناصر على مزاجه وفقاً لصورة ذهنية مسبقة هو الذى صنعها. وحيد طوال تاريخه عدو شرس للإخوان ولم يهادنهم، عندما تولت الجماعة الحكم ووضعوا على الكرسى محمد مرسى، بينما كان مكتب المرشد العام هو الذى يدير شؤون البلاد، كان الانتقام من وحيد أحد أهدافهم الاستراتيجية، فهو لم يكف فى أعماله الدرامية عن توجيه ضربات موجعة إليهم، فتحوا النيران عليه بأثر رجعى، أقاموا دعوى ضد فيلم (طيور الظلام) بتهمة ازدراء الأديان، كان رد وحيد ومخرج الفيلم شريف عرفة وقتها أنهما سيخوضان المعركة حتى النهاية، وأعلنا على سبيل التحدى أنهما بصدد تقديم جزء ثانٍ، بينما بطل الفيلم عادل إمام آثر كعادته السلامة وقال لا لست معهما عليهما البحث عن بطل آخر. الدراما فى عمقها ليست تشهيراً بأشخاص ولا أفكار ولكن صدق ومسؤولية ورغبة فى كشف الحقيقة مهما كان الثمن. وضع وحيد الخطوط العريضة للجزء الثالث من الجماعة وكانت الخطة هى أن يبدأ التصوير الآن حتى يعرض فى رمضان 2019، والذى ينتهى مع الذروة وهى استشهاد الرئيس السادات بأيدى الإخوان، إنها التركيبة الدرامية التى سيطرت عليه فى بنائه للتتابع الزمنى، الجزء الأول انتهى مع اغتيال حسن البنا، والثانى إعدام سيد قطب، المؤكد أنه كان بالخطة أيضا جزء رابع، ربما ينتهى بتخلص الشعب من كابوس الإخوان. كلما اقتربت المرحلة الزمنية من واقعنا باتت الأمور أكثر تعقيدا، إلا أن كل هذا لا يمنح الدولة صكاً لكى تحول دون استكمال تلك الرؤية، لتقرر فجأة الاكتفاء بهذا القدر، وحتى إشعار آخر، مع الأسف للدولة دائما حسابات أخرى!!. [email protected]
