"عبد الناصر" عضوًا بالجماعة.. وسيد قطب مُفجر 23 يوليو.. و"البنا" ملاك يرتدى زيًا أبيض فى عام 2000 استضافت «الأسبوع» فى إحدى الندوات التى كانت تنظمها شهريًا، الكاتب الكبير وحيد حامد، للحديث عن أعماله التى كانت قد أحدثت ضجة هائلة فى ذلك الوقت. يومها سألته عن صحة الاتهامات التى يوجهها البعض له بموالاة النظام من خلال الأعمال السينمائية والتليفزيونية التى يقدمها، فكان رده أن نفى تلك الاتهامات مؤكدًا أنه جزء من نسيج الوطن ينفعل بما يحدث فيه ويترجم انفعاله إلى نصوص درامية فى السينما والتليفزيون، ولم ينف وحيد أن أعماله تلك لا تخلو من الرأى مؤكدًا أنه غير مسئول عما إذا كان رأيه قد يتفق مع الاتجاه العام السائد، أم لا. وطوال مشواره الفنى الذى يمتد لأكثر من 40 عامًا لم يتوقف الجدل الذى صاحب أعمال وحيد حامد، سواء المعروضة على شاشة التليفزيون او تلك التى كان يكتبها للسينما وتوقف عنها منذ أن قدم فيلم «معالى الوزير» للنجم الراحل أحمد زكى عام 2002. ويكمن الجدل فى اختيار «وحيد» لموضوعات شديدة الحساسية سواء سياسية أو تاريخية أو أخرى تتناول حقبًا اجتماعية مؤثرة اختلف عليها الجميع، وأحد هذه الأعمال التى أثارت جدلًا واسعًا هذا العام هو مسلسل «الجماعة 2»، الذى يتناول العلاقة بين الرئيس جمال عبد الناصر، والإخوان، ومحاولات التنظيم المتكررة لاغتياله وتنتهى الحلقات بإعدام القيادى الإخوانى سيد قطب عام 1965. وقد يحتفظ المؤلف )أى مؤلف وليس وحيد حامد فقط(، بمساحة من الرأى يعرضها من خلال العمل الدرامى الذى يقدمه، بشرط ألا تخل بالنسق التاريخى للأحداث، وعليه أن يختار مراجعات تاريخيا يضع فيه ثقته على اعتبار أنها أمانة تاريخية ثقيلة وعلى من يتصدى لها أن يكون من العلماء الثقات، وهو ما لم يفعله «وحيد» حيث وضع تلك الأمانة بين يدى أستاذ جامعى معروف بانتمائه إلى تنظيم الإخوان وظهر فى أكثر من برنامج تليفزيونى، عام 2012 أثناء حكم الجماعة بصفته أحد أعضائها، وبعد 30 يونيو عاد كما كان وأصبح من الخلايا النائمة للتنظيم، وفى كل هذه البرامج التى ظهر فيها لم ينكر المدعو حمادة حسنى كراهيته الشديدة للرئيس جمال عبد الناصر، وهذا شأنه، لكن الغريب أن «وحيد» يعلم ذلك تمامًا كما يعلم «وهو من هو لا تخفى عليه خافيه أمنية» إنتماء «حسنى» للتنظيم، ومع ذلك وضع بين يديه تلك الأمانة الثقيلة التى لم يكن أهلًا لها بل حرص على تزييفها وتحريف التاريخ، وساعده على ذلك عدم مراجعة المؤلف النهائية للحلقات وتصويب «التاتش» المزيف للمؤلف، فبدت الحلقات وكأنها وثائقيات تدعو للانضمام إلى الإخوان تلك الجماعة الطيبة السمحة التى تجاهد فى سبيل الله لنشر دعوة الإسلام، ولا علاقة لها بالسياسة التى فرضت عليها فرضًا )من وجهة نظر المراجع طبعًا(، ويبدو أن كِبر سن وحيد حامد لم يمكنه من تصويب أخطاء مراجعه التاريخى المشبوه الذى وجدها فرصة للانتقام من المؤلف الذى صاغ الجزء الاول من المسلسل بحرفية شديدة. وعلى الرغم من وجود سيل من المراجع التاريخية ذيل بها المؤلف تتر النهاية إلا أن من يمعن النظر فى أسماء مؤلفيها، سيجدهم من الموالين لتنظيم الاخوان باستثناء الكاتب الصحفى سليمان الحكيم، ومرجع أعده اللواء فؤاد علام نائب رئيس جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق عن الإخوان، بالإضافة إلى الكتاب الشهير للمؤرخ أحمد حمروش بعنوان» ثورة يوليو والإخوان». بعض النقاد من أصدقاء وحيد حامد دافعوا عنه وقالوا إنه لا يمكن أن يهاجم الإخوان طوال ال30 حلقة، وكان لابد من إحداث حالة من التوازن. وهذا قول مردود عليه بأن هذا التوازن الذى يقصده هؤلاء ليس له أى اعتبار عندما يتصدى الكاتب لعمل تاريخى، لأن الأمانة التاريخية تحتم عليه تناول الأحداث بفصولها الحقيقية حتى لو تطلب الأمر أن يهاجم الجماعة طوال ال30 حلقة ما دام يستند إلى وقائع تاريخية، اتفق عليها الجميع ولا تقبل الاجتهاد أو التأويل. وبغض النظر عن نقاط الخلاف التى أثارت جدلًا بين المؤلف وبعض التيارات السياسية من وفديين وناصريين بسبب مشاهد تقبيل النحاس باشا يد الملك فاروق، أو انضمام عبد الناصر للإخوان فى بداية حياته، فإن التوازن الذى تحدث عنه أصدقاء وحيد «لو كان حريصًا عليه» كان من المفترض أن يدفعه إلى تناول سيرة بعض الشخصيات بأمانة تاريخية وأن يلجأ إلى المراجع التى تناولت تلك الشخصيات بنسق معتدل سواء من التيارات السياسية التى تنتمى إليها تلك الشخصيات أو أخرى منافسة لها، وعلى سبيل المثال قدم المؤلف شخصية سيد قطب، وكأنه مفجر ثورة 23 يوليو ومنظرها الأوحد وهو ما تناولته مؤلفات انصار الجماعة فقط فى حين نفاه أكثر من كاتب مرموق على رأسهم الاستاذ محمد حسنين هيكل فى أكثر من مؤلف أبرزها ملفات السويس، والذى أكد أن العلاقة بين سيد قطب وعبد الناصر لم تتخط كونها علاقة بين مثقف وكاتب له رؤى، كما أن قطب ليس الوحيد الذى لجأ إليه ثوار يوليو لاستشارته والاسترشاد بأفكاره فقد لجأوا إلى أكثر من عالم وكاتب وأديب مثل الدكتور لويس عوض والشيخ أحمد حسن الباقورى ومحمود أمين العالم وآخرين. ومن سيد قطب إلى الداعية الإخوانية زينب الغزالى التى استند وحيد إلى مذكراتها «أيام من حياتى»، وعلى الرغم أنها الشخصية الرئيسة فى الاحداث إلا أنه على ما يبدو ترك تقديرها للسيد المراجع التاريخى، الذى تعمد أن تظهر الشخصية وكأنها ملاك أنزل من السماء، حتى الأخطاء الطبيعية والمعتادة للبشر، لم يلحظها المتلقى مما أدى إلى تعاطف الجمهور خاصة السيدات مع الداعية الإخوانية بل أن البسطاء منهن قلن، )دى كانت ست طيبة أوى ليه عبد الناصر واللى معاه حبسوها وعملوا فيها كده(. الخلاصة أن الجهد الذى بذله وحيد حامد فى الجزء الثانى من «الجماعة» قد أنصف التنظيم الإرهابى ورد الاعتبار لعناصره ومؤسسيه وقياداته بين الجماهير وهو ما ظهر من خلال ردود الأفعال فى الشارع على المستوى الشعبى وبين البسطاء والتى تلخصت جميعها فى جملة واحدة )هما الإخوان كانوا بالشكل النقى ده؟ لو كانوا كده ياريت الواحد ينضم لهم(.