يحتاج المرء إلى أن يلغى عقله تماماً ليصدق الرواية التى أعلنها الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة الشيخ أسامة بن لادن، ويحتاج المرء إلى قدر كبير من الغباء الإنسانى وإلى درجة متدنية من الإحساس، لينضم إلى حفلة «الزار» الكونية ابتهاجاً بانتصار القوة العسكرية العظمى فى العالم بكل ما لديها من عتاد وأجهزة وعملاء، على مجرد شخص لا يملك غير بندقية! تقول الرواية التى أعلنها باراك أوباما، إن قوة أمريكية خاصة قتلت زعيم تنظيم القاعدة فى هجوم على مبنى سكنى فاخر تكلف مليون دولار، رصدته الأجهزة الأمنية الأمريكية فى بلدة «أبوت آباد» التى تبعد حوالى 60 كيلومتراً شمال غرب العاصمة الباكستانية «إسلام آباد»، وقالت مصادر رسمية أمريكية إن العملية تم تنفيذها ظهر الأحد بتوقيت واشنطن بواسطة قوة أمريكية محدودة، بدأت بغارة جوية لطائرة مروحية على مقر إقامة «بن لادن»، أعقبها هجوم برى واشتباكات وتبادل لإطلاق النار، وأشارت المصادر ذاتها إلى أن «بن لادن» قُتل بطلق نارى فى الرأس، وأن القوات الأمريكية حملت الجثة معها وأخضعتها لتحليل الحامض النووى للتأكد من أنها جثة أسامة بن لادن. وظهر أمس الأول الإثنين، بثت قناة «جيو» الباكستانية مشاهد لمبنى سكنى تتصاعد منه ألسنة اللهب، ثم بثت صورة لأسامة بن لادن، قيل إنها صورته بعد قتله مباشرة، وبعد ساعة واحدة سارعت إدارة القناة بسحب الصورة وأعلنت أنها «اكتشفت أن الصورة خاطئة.. وأنها سبق عرضها على الإنترنت عام 2009»! وخلال اليوم كله «الإثنين»، توارى كل هذا الاضطراب خلف الحفل الكونى بهذا الانتصار التاريخى العظيم الذى حققه باراك أوباما، واهتمت وكالات الأنباء وشبكات التليفزيون العالمية باستطلاع آراء عدد ضخم ممن ساهموا فى خلق أسطورة تنظيم القاعدة، ومن بينهم «بوش الابن»، هذا المجرم العتيد الذى وصف قتل أسامة بن لادن ب«الإنجاز بالغ الأهمية»، وفى غمرة هذا الزار التاريخى التافه، لم ينس أوباما ولم ينس أى شخص من أعضاء الكونجرس التأكيد على أن قتل أسامة بن لادن قد يفجر موجة جديدة من الأعمال الإرهابية انتقاماً لمقتل زعيم تنظيم القاعدة. نعم، هذا هو المقصود من تفجير نبأ قتل «بن لادن» الآن: انتصار تاريخى يؤهل أوباما لفترة رئاسية ثانية.. وموجة إرهاب عالمية جديدة تؤهل أمريكا للالتفاف على ثورات شعوب العالم ضد حكامها العملاء لأمريكا، وليس معنى هذا أن نبأ رحيل «بن لادن» غير صحيح، ولكننى أشعر بأنه لقى وجه ربه بعد صراع طويل مع المرض، وأن كل ما حدث هو أن أمريكا توصلت إلى مكان دفنه ونبشت قبره واختطفت جثته. والمثير فى الأمر أن الزميل الأستاذ فتحى محمود، نائب رئيس تحرير «الأهرام»، قد لفت نظرى عصر يوم الإثنين، إلى رسالة على الموقع الإلكترونى ل«الأهرام» من مهندس مصرى مقيم فى باريس اسمه محمود عبدالحميد، أبلغ «الأهرام» يوم 9 أبريل الماضى، بأن شخصاً أمريكياً قال له إن أسامة بن لادن مات منذ شهور، وإن أمريكا تمكنت من الوصول إلى جثته، والمثير أيضاً أننا اكتشفنا أن المهندس المصرى أرسل الرسالة ذاتها إلى موقع قناة «الجزيرة» وإلى موقع جريدة «الوسط» البحرينية يوم 9 أبريل أيضاً! والسؤال الآن: لماذا لا يفضح تنظيم القاعدة هذا السيناريو الملفق للانتصار الأمريكى المزعوم؟ والإجابة تتلخص فى أن لهذا التنظيم أيضاً مآربه وخططه ومصالح قياداته، وأن هذه الإثارة الكونية حول مقتل الزعيم تصب أيضاً فى مصلحة «القاعدة» وتمنحه طاقة جديدة للاستمرار فى تنفيذ دوره المرسوم بدقة بالغة. [email protected]