مسيرة نوال السعداوي.. تاريخٌ من الحصار

صادرت شرطة المصنفات السودانية بمعرض الخرطوم الدولي للكتاب، رواية «سقوط الإمام»، 19 أكتوبر الجاري، ليعود اسم الكاتبة الكبيرة نوال السعداوي، ليتصدر مشهد الحصار الثقافي الممتد في مسيرتها منذ إرهاصاتها الأولى منتصف القرن الماضي، هذا الحصار الذي وصل إلى حد السجن.
وتعد «السعداوي» من أكثر الكاتبات المصريات اللاتي تعرضن إلى ظلم أدبي فادح بتغييب أعمالهن عن القراء بالمنع والمصادرة، وبدأت مسيرة صاحبة «تعلمت الحب»، بعد تخرجها في كلية الطب جامعة القاهرة وعملها كطبيبة أمراض صدرية، ثم اهتمامها بالطب النفسي، لاحظت بعين طبيبة وبصيرة كاتبة، المشاكل والقضايا التي تعانيها المرأة في المجتمع المصري من قمعٍ أسري تحوطه العادات والتقاليد فلا تنكشف أسراره خارج الأبواب المُغلقة.
من هنا كان كتابها في أدب السيرة الذاتية «مذكرات طبيبة» الصادر في ستينيات القرن الماضي، والذي عمّقت قصصه في كتابها «المرأة والجنس»، في نهاية الستينيات، والذي كان يمثّل صرخة في وجه المجتمع المحافظ، حتى أنه كان يتم تداوله بين الشباب كمنشورٍ سري، تلك الصرخة التي أسكتتها الدولة بمنع نشر الكتاب، وفُصلت «السعداوي» على إثر ذلك من عملها في وزارة الصحة، تبع ذلك إصدارها مجلة في عام 1970، تحت اسم «الصحة»، والتي صدرت 3 سنوات، إلا أنها قوبلت بالغلق بسبب القضايا التي تُثيرها.
وتعتبر «السعداوي»، أقسى مراحل حياتها، كما وصفتها، تلك التي وصل فيها ثمن آرائها إلى السجن، حين هاجمت التوجه الاقتصادي في عهد السادات، وعارضت سياساته مع إسرائيل وأمريكا، في الوقت الذي كانت تصدر فيه مجلة نسويّة تحت اسم «المواجهة»، فتم سجنها عام 1981، لثلاثة أشهر، لكنها غلبت ألم وقسوة السجن ب«مذكراتي في سجن النساء» الصادر 1983، وقالت فيما بعد إنها حين خرجت من السجن كانت تتمنى كتابة برقية شكر إلى السادات الذي جعلها تحول الألم والشقاء والمعاناة إلى عمل إبداعي.
مسيرة «السعداوي»، من ضمن عديد من المثقفين واجهتها حربًا شرسة من الجماعات الدينيّة، خاصة في فترة الثمانينيات، وحوصرت الكاتبة الجريئة بفتاوى الكفر والإلحاد، والتهديد بالقتل، ما جعلها تقبل عرضًا للتدريس خارج مصر، وسافرت عام 1988، وحاضرت في جامعات ديوك، وشمال كارولينا، وواشنطن، لكن أفكارها وآرائها ليست حبيسة مجتمع واحد أو بيئة واحدة، إنما هي طليقة المبدأ والفكرة، لذا واجهت صراعات كذلك في رحلتها بالخارج، بسبب انتقادها للنظام الغربي.
مُنعت «السعداوي» من المشهد الثقافي في مصر لسنوات طويلة، حتى أن اسمها لم يرد في ندوات معرض القاهرة الدولي للكتاب لمدة ربع قرن، غير أنها عادت إلى معرض الكتاب منذ أعوام قليلة.
وواجهت «السعداوي» 3 أزمات مع السلطة الدينية في الألفية الثالثة، الأولى في 2001، عندما قدم أحد المحامين بلاغًا للنائب العام للسماح له برفع دعوى حسبة للتفريق بين «السعداوي» وزوجها، استنادا إلى واقعة التفريق بين الدكتور نصر حامد وزوجته، ورُفضت الدعوى لإقامتها من غير ذي صفة، والثانية في مايو 2004، حينما قرار مجمع البحوث الإسلامية منع تداول رواية «سقوط الإمام» الصادرة 1987، المترجمة إلى 14 لغة بينها الإنجليزية والألمانية والفرنسية، مؤكدا أنها «تتعارض مع ثوابت الإسلام»، والثالثة عام 2006 عقب صدور مسرحية «الإله يقدم استقالته»، وقرر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، آنذاك، ورئيس مجمع البحوث الإسلامية، عقب عقد اجتماع طارئ مع أعضاء المجمع، التقدم ببلاغ للنائب العام، ضد «السعداوي».
لقراءة ملف نوال السعداوي.. 86 شوكة في قلب الرجعية اضغط هنا