نقابة المحامين تدعو الجمعية العمومية لمناقشة تعديل المعاشات واعتماد الميزانيات    لاجارد تترأس مجموعتين ببنك التسويات الدولية خلفا ل جيروم باول    13.439 مليار جنيه صافي أرباح بنك التعمير والإسكان حتى نهاية سبتمبر 2025    سعر كرتونه البيض الأحمر والأبيض للمستهلك اليوم الأربعاء 12نوفمبر2025 فى المنيا    رسميًا.. ستاندرد بنك يفتتح مكتبًا في مصر لتعزيز الاستثمارات بين إفريقيا والشرق الأوسط    جوتيريش يجدد مطالبة إسرائيل بالانسحاب ووقف الاعتداءات على لبنان    منتخب إيطاليا يفقد ثنائيا بارزا في تصفيات مونديال 2026    بث مباشر.. تونس تواجه موريتانيا وديًا اليوم ضمن استعدادات كأس الأمم الإفريقية 2025    توخيل يحمّل لاعبي إنجلترا مسؤولية إشعال أجواء ملعب ويمبلي    كرة يد - بعثة سموحة تصل الإمارات مكتملة تحضيرا لمواجهة الأهلي في السوبر    انتشال جثة شاب من تحت أنقاض عقار الجمرك المنهار بالإسكندرية    ضبط مصنع حلويات بدون ترخيص في بني سويف    ما عدد التأشيرات المخصصة لحج الجمعيات الأهلية هذا العام؟.. وزارة التضامن تجيب    تعليم دمياط تعقد اجتماعا استعدادا لانتخابات مجلس النواب 2025    للمرة الثانية.. حجز الفنان محمد صبحي في الرعاية المركزة    محمود الليثى باكيا من عزاء إسماعيل الليثى: مع السلامة يا طيب    أسماء جلال ترد بطريقتها الخاصة على شائعات ارتباطها بعمرو دياب    المتحف المصري الكبير ينظم الدخول ويخصص حصة للسائحين لضمان تجربة زيارة متكاملة    انطلاق اختبارات «مدرسة التلاوة المصرية» بالأزهر لاكتشاف جيل جديد من قراء القرآن    استشاري مناعة يوجه رسالة تحذيرية عن لقاح الإنفلونزا (فيديو)    طريقة عمل فتة الشاورما، أحلى وأوفر من الجاهزة    هبة التميمي: المفوضية تؤكد نجاح الانتخابات التشريعية العراقية بمشاركة 55%    البابا تواضروس الثاني يستقبل سفيرة المجر    بعد افتتاح المتحف المصري الكبير.. آثارنا تتلألأ على الشاشة بعبق التاريخ    جنوب سيناء.. تخصيص 186 فدانا لزيادة مساحة الغابة الشجرية في مدينة دهب    بحماية الجيش.. المستوطنون يحرقون أرزاق الفلسطينيين في نابلس    19 ألف زائر يوميًا.. طفرة في أعداد الزائرين للمتحف المصري الكبير    ذكرى رحيل الساحر الفنان محمود عبد العزيز فى كاريكاتير اليوم السابع    الرئيس السيسي يصدق على قانون الإجراءات الجنائية الجديد    نجم مانشستر يونايتد يقترب من الرحيل    الغرفة التجارية بمطروح: الموافقة على إنشاء مكتب توثيق وزارة الخارجية داخل مقر الغرفة    رئيس الوزراء يتفقد أحدث الابتكارات الصحية بمعرض التحول الرقمي    عاجل- محمود عباس: زيارتي لفرنسا ترسخ الاعتراف بدولة فلسطين وتفتح آفاقًا جديدة لسلام عادل    «المغرب بالإسكندرية 5:03».. جدول مواقيت الصلاة في مدن الجمهورية غدًا الخميس 13 نوفمبر 2025    بتروجت يواجه النجوم وديا استعدادا لحرس الحدود    الرقابة المالية تتيح لشركات التأمين الاستثمار في الذهب لأول مرة في مصر    «عندهم حسن نية دايما».. ما الأبراج الطيبة «نقية القلب»؟    موعد مباراة مصر وأوزبكستان الودية.. والقنوات الناقلة    عاجل- رئيس الوزراء يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين مصر ولاتفيا لتعزيز التعاون فى مجالات الرعاية الصحية    اليابان تتعاون مع بريطانيا وكندا في مجالي الأمن والاقتصاد    وزير دفاع إسرائيل يغلق محطة راديو عسكرية عمرها 75 عاما.. ومجلس الصحافة يهاجمه    «العمل»: التفتيش على 257 منشأة في القاهرة والجيزة خلال يوم    إطلاق قافلة زاد العزة ال71 بحمولة 8 آلاف طن مساعدات غذائية إلى غزة    نهلة الصعيدي: الأزهر ظل عبر تاريخه الطويل منارة للعلم وموئلا للطلاب من شتى بقاع الأرض    الحبيب الجفرى: مسائل التوسل والتبرك والأضرحة ليست من الأولويات التى تشغل المسلمين    دار الإفتاء توضح حكم القتل الرحيم    الأهلي يضع تجديد عقد ديانج في صدارة أولوياته.. والشحات يطلب تمديدًا لعامين    المشدد 15 و10 سنوات للمهتمين بقتل طفلة بالشرقية    القليوبية تشن حملات تموينية وتضبط 131 مخالفة وسلع فاسدة    قصر العينى يحتفل بيوم السكر العالمى بخدمات طبية وتوعوية مجانية للمرضى    «لو الطلاق بائن».. «من حقك تعرف» هل يحق للرجل إرث زوجته حال وفاتها في فترة العدة؟    وزير الخارجية يعلن انعقاد المنتدى الاقتصادي المصري – التركي خلال 2026    الداخلية تضبط 316 كيلو مخدرات و55 قطعة سلاح ناري خلال يوم    «وزير التنعليم»: بناء نحو 150 ألف فصل خلال السنوات ال10 الماضية    رئيس هيئة الرقابة المالية يبحث مع الأكاديمية الوطنية للتدريب تطوير كفاءات القطاع غير المصرفي    المصرية جمانا نجم الدين تحصد لقب أفضل قنصل لعام 2025 في المملكة المتحدة    اليوم.. محاكمة 6 متهمين ب "داعش أكتوبر"    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ولاء»
نشر في المصري اليوم يوم 29 - 04 - 2011

تحترمه؟ نعم. تشعر بالأمان معه؟ بالتأكيد. لكن الحب شىء آخر. والأستاذ ممدوح - معلم اللغة العربية وزميلها فى المدرسة - وإن كان يصلح زوجا، فإنه لا يصلح حبيباً بشاربه الكثيف وملامحه الجادة ونظارته السميكة التى تعطيه أكثر من عمره. تتمنى لو يحلق شاربه، تتمنى لو يهتم بملابسه، تتمنى لو كان مثل «صلاح».
أستاذ صلاح مُعلّم العلوم فى المدرسة نفسها، خفيف الظل، حليق الشارب، منتعش الوجه، يضحك من أى شىء ومن كل شىء. إنسانة خجولة مثلها كانت تحتاج رجلاً لبقاً مثل صلاح، يجيد المناورات الغرامية. يعرف أسماء الأغانى، يُلقى النكات الجريئة، يفتح حقيبتها دون استئذان. يأكل ساندويتشاتها، ورغم ذلك لا تغضب، بل تضحك من قلبها، وتتمنى أن يتمادى. المشكلة الوحيدة أن صلاح لم يتقدم لخطبتها، بل ممدوح الذى فعل.
من يصدق أنها منذ أربعة شهور فقط لم تكن تعرف ممدوح ولا صلاح. لم تزل تذكر يومها الأول حينما ذهبت لمقابلة الناظر وهى تحمل خطاب تعيينها فى المدرسة بعد أن لم تنم الليلة السابقة من فرط الخوف والانفعال. يا للهول! ولاء صارت معلمة!
ولاء التى تغرق فى شبر ميه، وتضل فى العودة لبيتها، ونجحت فى الكلية بمعجزة!
جلست فى حجرة المدرسين منكسة الرأس، تعتصر منديلها. بعد أسبوع بدأت تميز بعض الوجوه، أستاذ صلاح معلم العلوم الذى لم يعرها اهتماماً فى البداية، وأستاذ ممدوح معلم اللغة العربية التى أحست بأنه يمكنها الاعتماد عليه. وبالفعل لم يخب ظنها، حين ألقت حصتها الأولى فى قواعد النحو، وسألها طالب ذو نظرة ساخرة عن الفارق بين الفعل المتعدى والفعل اللازم، تلعثمت وضحك الفصل، فلم ينقذها سوى دخول الأستاذ ممدوح ليفرض وجوده وهيبته.
فى غرفة المعلمين بكت. فى صمت، أمسك الأستاذ ممدوح كراسة وبدأ يكتب بخط واضح قواعد النحو مع وضع أمثلة لها، وهى تجفف دموعها وتنظر إليه فى امتنان. لم يرفع الكلفة بينهما قط، وإن شعرت بشىء من الرقة فى نظراته، رغم شاربه الكثيف ووجهه المتجهم.
وفجأة، دق الباب فوجدته أمامها. انتابها الذهول. كان مرتبكا هو الآخر وهو يدخل إلى غرفة الصالون. قابله أبوها فى تساؤل سرعان ما تحول إلى ترحيب. مكثت فى غرفتها تنتظر انصرافه وهى تعلم داخلها بالنبأ المرتقب. لكن حينما أعلنها برغبته فى خطبتها بكت. لكن أباها كان قد تحمس له. لأول مرة، يعجب أبوها برجل من الجيل الجديد. وعده بالرد عليه بعد السؤال عنه، لكن كان واضحا أنه موافق. حاولت أن تجد سببا للرفض ففشلت. حاولت أن تقنع نفسها بأنها سعيدة.
والحقيقة أنها لم تستطع أن تصارح أباها بأنها - رغم احترامها له - تهابه كثيرا، وتشعر بعدم ارتياح لملامحه الجادة المتجهمة. ورغم النظرة الرقيقة التى كانت تربكها أحيانا، فقد كانت تريد رجلا لبق الحديث ينفذ إلى قلبها فى بساطة، رجلا ظريفا مثل صلاح، الذى بدأت تلوح فى عينيه نظرة مختلفة منذ عرف بتقدم الأستاذ ممدوح لخطبتها، وكأنه اكتشفها من جديد. طفق يتقرب منها، يُضْحكها، يُحدّثها عن الأغانى التى تحبها، المسلسلات التركية التى تشاهدها، يقدم لها المقعد حين تهم بالجلوس. يجلس على المقعد المجاور، أنواع من الاهتمام الرجولى لم تعهدها ولاء من قبل، وافتقدتها عند ممدوح.
لم تحاول أن تسأل نفسها عن آخر ذلك كله. السؤال كان يضعها فى مواجهة مع النفس، لم تكن مستعدة لها. المؤكد أنها صارت تعتبر المدرسة- التى لم تكن تطيقها من قبل- جنتها الموعودة.
المؤكد أنها أصبحت تستيقظ قبل أن يدق المنبه مفعمة بالنشاط، وتطير فى الطريق فى انتظار مفاجآت صلاح. ولم تعد تتذكر أستاذ ممدوح إلا حينما تشاهده. الكل- باستثناء ولاء - لاحظ وجومه، نحافته المتزايدة، وتلك النظرة المقهورة فى عينيه، والصمت الذى صار يلازمه. الكل - حتى ولاء - لاحظ أنه يتجنب الجلوس فى غرفة المعلمين، والكل لاحظ أيضا أن صلاح تغير، وكأنه سئم اللعبة القديمة، فلم يعد يولى ولاء الاهتمام القديم. لم يعد يقدم المقعد لها، لم يعد يفتح حقيبتها، لم يعد يحرص على أن يكون جوارها فى كل حين.
ولاء تحاول فهم لماذا لم يعد يُقْبل صلاح عليها رغم أنها تنظر نحوه باستمرار! ولماذا لم يهتم بالتبرير حينما سألته! وانهمرت دموعها حين شاهدته يكرر اللعبة القديمة مع مدرسة الرياضيات الجديدة: المقعد، النكات الجريئة، فتح الحقيبة، أكل الساندويتشات، وأدركت أنها أخطأت فى حق ممدوح خطأً لا يُغتفر، خطأ يستحيل إصلاحه!
..............
لا تدرى حتى اليوم كيف فعلتها! كيف قالتها! كيف ذهبت إليه، واستجمعت شجاعتها وانتظرت خروج التلاميذ من فصل الأستاذ ممدوح. كان الفصل خاليا إلا منه ومنها، والمقاعد الشاغرة تنظر إليهما فى فضول. شاهدت النظرة المقهورة فى عينيه فبكت. نظرته أدمت قلبها وجعلتها تكره نفسها، وتعرف أنها فعلا لم تكن جديرة برجل ممتاز مثل ممدوح.
أرادت أن تقول له أشياء كثيرة.. أرادت أن تعتذر له، وتصارحه بأنها عرفت قيمته، وأنها لا تستحقه، وأنها صارت تحبه، أرادت أن تقول كل هذا كله ولكن الخجل منعها فبكت. ثم أمسكت بالطباشير وكتبت على السبورة:
«أنا آسفة. أخطئت، فهل تسامحنى؟!».
نظرت إليه فى أمل. ثم انهمرت دموعها حينما تجهمت ملامحه (وكأنه يعانى ألما مُروّعا). ثم تناول الطباشير منها وشطب كلمة (أخطئت) وصوّبها إلى (أخطأت) وهو يبتسم فى رقة!
وسط غلالة الدموع، لمحت ولاء نظرته القديمة الرقيقة تتشكل فى عينيه، وهو يكتب: «سامحتك لأنى أحبك». ضحكت ولاء وهى تشرق بالدموع، ولأول مرة يخرجان من الفصل معا/ وهما متشابكا الأيدى، إلى أزمنة سعيدة تنتظرهما بلا حدود.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.