الرأى العام يختلف النظر اليه من دولة الى آخرى ففى الانظمة الديمقراطية تهتم الدولة بمحاولة التعرف على الرأى العام حتى تغير سياستها لتتوافق مع الإرادة الشعبية اما هدف الانظمة المستبدة البحث عن وسيلة يمكن من خلالها التأثير على الرأى العام حتى يتحول فى اتجاه أهدافها و للآسف و نحن نسير فى المرحلة الانتقالية ما زالنا نعامل الرأى العام بطريقة التجاهل او الاستخفاف او نحاول الالتفاف على الإرادة الشعبية عن طريق تقديم المسكنات التى تعالج اعراض المشكلة دون تقديم العلاج الناجع لجذور المشكلة و البحث عن الاسباب الحقيقة لحدوث الازمات التى تظهر لنا بين الحين و الآخر الثورة الشعبية التى قامت كان هدفها هو ان تهتم السلطة بقضاياه و عدم تهميش دوره فى ممارسته للسيادة و أدنى تلك الحقوق هو رضاه عن القيادات التى تقود مسيرة العمل الوطنى خلال تلك المرحلة الانتقالية التى تمثل فترة حرجة و التى تحاول فيها مصر بناء نظام سياسى قوى يمكن الشعب من استرداد سيادته و الرأى العام فى تلك المرحلة يعبر عن امتعاضه من اشياء كثيرة و نجد السلطة فى واد و الرأى العام فى واد آخر و سنلاحظ منذ تخلى الرئيس عن منصبه و هناك حقيقة يجب الافصاح عنها و هو أن السلطة العامة فى البلاد بعد تخلى الرئيس عن منصبه التى تدير شئون الحكم تتجاهل الرأى العام و تحاول التأثير على الرأى العام لتحقيق اهداف السلطة العامة و المرحلة الانتقالية يجب دراستها بعناية حتى نتفادى تكرار الاخطاء السابقة فى بقية المرحلة فمثلا اصر المجلس العسكرى على بقاء حكومة أحمد شفيق على الرغم انها الحكومة التى اختارها رأس النظام السابق قبل الاطاحة به و هنا كانت معادلة غريبة امام الشعب المصرى كيف يتم الابقاء على حكومة تدين بالولاء للنظام السابق مع الاطاحة برأس النظام نفسه ؟ فكان الامتعاض الشعبى من ذلك الاصرار العجيب على بقاء تلك الحكومة معبرا عنه فى الخروج كل جمعة فى مليونيات متكررة للاطاحة بتلك الحكومة و كان دائما يتم تجاهل الرأى العام من قبل السلطة العامة اعتمادا على ملل الشعب من المطالبة بالاطاحة بتلك الحكومة و لكن تلك الطريقة فى التجاهل كانت تزيد الشعب إصرارا على مطلبه العادل بأن تأتى الحكومة معبرة عن الإرادة الشعبية و نتيجة ذلك الضغط المستمر فرضخت السلطة العامة للرأى العام وقام الفريق أحمد شفيق بتقديم إستقالته و تكليف دكتور عصام شرف بتشكيل الحكومة الجديدة التى سوف تدير المرحلة الانتقالية و هنا تحقق مبدأ الشرعية فى اختيار القيادة التى تحكم المرحلة و لكن تم تجاهل الرأى العام فى أختيار أعضاء الحكومة على الرغم من أن الصفحة الرسمية لمجلس الوزراء على موقع الفيس بوك كانت تأخذ آراء المواطنين فى اسماء اعضاء الحكومة و بعد تعبير بعض المواطنين عن غضبهم على الموقع من بعض الاسماء لم يأخذ ذلك بعين الاعتبار و كأنها مظاهر شكلية فقط لا تغير من جوهر سياسيات الحكومة شيئا وقراراتها و تم تشكيل الحكومة مع و جود تلك الاسماء المرفوضة شعبيا و لم يعبر الشعب عن غضبه من ذلك تحقيقا للاستقرار المنشود و بعد ذلك تجاهلت السلطة العامة مطالب النخبة السياسية بتشكيل لجنة تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد لان الثورة اسقطت الدستور البائد و أصرت على القيام بالاستفتاء على التعديلات الدستورية و قامت السلطة العامة بتوجيه القوى السياسية المؤثرة قى الشارع المصرى خصوصا جماعة الاخوان المسلمين و بعض التيارات الدينية الاخرى مثل التيار السلفى للتأثير على إرادة الناخبين للتصويت بنعم على تلك التعديلات ثم كانت نتيجة الاستفتاء بنعم ورضا بها الجميع و إن كان يشوبها التأثير الذى هو أقوى من التزوير و رضا الجميع بذلك ثم تم تفريغ الاشياء من مضمونها بطريقة عجيبة فقد تم إسقاط دستور 71 و فى الحقيقة لم يتم إسقاطه مفارقة عجيبة لانه تم استدعائه مرة أخرى عن طريق الاعلان الدستورى الذى يدير المرحلة الانتقالية دون الاهتمام بدراسة اتجاهات الرأى العام و مدى رضا الرأى العام عن ذلك ام سخطه منه ثم تأتى القوانين بإرادة فوقية دون مناقشة مجتمعية و متجاهلة للرأى العام و لرأى النخب السياسية و لا نشعر بأن هناك تغير جوهرى حدث لطريقة ادارة الحكم فى البلاد ثم تخرج المظاهرات للمطالبة بمحاكمة رموز الفساد الكبيرة و يتم تجاهل ذلك لمدة طويلة و لولا الاصرار و الضغط الشعبى المستمر لم يكن أحد من هؤلاء ليقدم الى المحاكمة و للآسف هناك بطء شديد فى التحقيقات و تأجيل للمحاكمات لدرجة ان الشعب الآن يتحدث عن عدم جدية المحاكمات و عن المعاملة التميزية للرئيس المخلوع ورموز النظام السابق فلابد ان يعامل هؤلاء مثلما يعامل كافة النزلاء فى السجون المصرية لان المساواة فى الظلم فى مثل تلك الحالة عدل المماطلة فى تلك المحاكمات تشعر المواطنين بالقلق و هناك فرق بين التأنى و المماطلة و الشعب المصرى شعب ذكى و لديه من الوعى الكافى لمعرفة الفرق بين الحالتين و نحن فى ثورة حقيقية وليس فى نزهة و أخيرا تم تجاهل الرأى العام فى اختيار المحافظين مما تسبب فى وجود حالة من الرفض الشعبى للمحافظ الجديد فى قنا و هناك حالة من الرفض فى بعض المحافظات الأخرى مثل الاسكندرية و الدقهلية لم تصل لدرجة الرفض فى قنا و للآسف أيضا تم حل مشكلة قنا بطريقة المسكنات مرة أخرى التى تحاول التخفيف من حدة الاعراض دون معالجة جذور المرض من خلال تجميد نشاط عمل المحافظ لمدة ثلاثة اشهر و قيام سكرتير عام المحافظة بأعمال المحافظ خلال تلك الفترة و لكننا امام مشكلة حقيقية لعدم قدرة المحافظين على مباشرة إعمالهم و القيام بهامهم لان الاختيارات كانت مفاجأة للرأى العام من خلال خليط من قيادات الحزب الوطنى و القيادات الشرطية و القيادات العسكرية و للآسف هى نفس طريقة مبارك فى اختيار المحافظين و فى نفس الوقت عندما كان يجد ان خط اتجاه الرأى العام رفضا لتلك القيادات يصر على الابقاء عليها كما تصر السلطة العامة فى حالتنا على الابقاء على تلك القيادات بطريقة او بأخرى على الرغم من الرفض الشعبى لها بعد علم الرأى العام بتاريخ بعض هؤلاء الذى كان ضالعا فى تشكيل الحياة السياسية فى النظام السابق الذى أدى بنا الى تلك الاوضاع المزرية فالهدف من هذا الطرح ان تراعى السلطة العامة الرأى العام فى بقية المرحلة القادمة حتى لا تتكرر عملية الاحتجاجات و الاعتصامات او حتى ظهور مليونيات جديدة خاصة عندما يستشعر المواطن بعدم الارتياح من سير محاكمات رموز فساد النظام السابق لانكم لو احتجتم الى شهود عيان لجرائمهم فسوف تجدون 85 مليون مواطن مستعد للشهادة امام المحكمة لادانتهم فالقضية واضحة والادلة دامغة